الترحال حياتهم، تُؤويهم خيمة، مرة ببستان، وأخرى بأحد الجبال، فخورون بعِرقهم أينما حلوا، هم البدو اعتادوا منذ طفولتهم الشقاء وعدم الاستقرار، لكنهم لا يرضون بديلًا بغيره، فهو الشقاء اللذيذ حسب اعتقادهم، ففى كل خطوة يمضونها، ينتظرون تحقيق الثروة المرادة، التي تعد عزاءهم لصبرهم على حياة الشقاء. «سحر» و«حنان» امرأتان بدويتان، تنتميان لقبيلة الدواغرة، الترحال دربهما لطلب الرزق، رأسمالهما الأغنام والماشية، تتجولان بها فى معظم محافظات مصر، لا تخشيان برد الشتاء، ولا حرارة الصيف، للبحث عن المراعى المتوافرة، مصطحبتين زوجيهما وأطفالهما، فهى حياتهما منذ الطفولة وحتى بعد تكوين أسرة. لا يوجد بينهم عاطل، فالطفل يكّد مثل والديه تمامًا، يستيقظون جميعًا مع أول نفس للصبح، يؤدون صلاة الفجر، ثم يدرون اللبن من المواشى والأغنام، يبيعون بعضه، ويبقون الآخر لصنع مشتقات الألبان، ليقتاتوا بها، يخرج الرجال بعد تناول الإفطار، لرعى المواشى، مصطحبين الأطفال، وتستكمل النساء مسيرة أعمالهن، من طهى الغداء وتسوية الخبز صنع أيديهن، باستخدام «الميفا» تلك بديل البوتاجاز، التى صنعوها من الطين والحمرة وفضلات الماشية، بالإضافة لغسل الملابس والأوعية، ثم تناول الشاى والقهوة، بعد الغداء، وينتهى يومهم بتوثيق الماشية بقيود، بأماكن بياتها، وينامون باكرا فى تمام العاشرة مساء، لبدء يوم جديد من الشقاء اللذيذ. ترى «حنان لافى» أن شقاءهم يهون، لأنهم لا يشكون فقرا، وكل ما يرغبون فيه من احتياجات لديهم، رغم الظروف الاقتصادية الراهنة، ولذلك تسعى قدر المستطاع لتكوين ثروة وهى بأول شبابها، حتى تستند إليها وقتما تقرر الاستقرار ببيتها الذى كلفها بناؤه عشرات الآلاف، وتترك الترحال للأجيال الواعدة من البدو الصغار. «بنت البدو يأكلها التمساح ولا ياخدها الفلاح»، ما زال هذا نهج حياتهم، فهم لا يقبلون تزويج بناتهم من خارج قبائل البدو، وإن حدث فتظل سبّة لهم من أقاربهم وجيرانهم، كما أن حياتهم شاقة لا يحتملها سواهم، حتى أنهم يخافون من اختلاط أبنائهم بغير البدو بالمدارس والجامعات، خشية نفورهم من حياتهم، وتختلف قائمة الزواج لديهم، حيث يكتب بها مبلغ مالي، بالإضافة إلى الذهب شبكة العروس، وليلة زفافهم تكون بخيمة مخصوصة للعرسان، وأفراحهم عدة ليالٍ تشبه أفراح السيرة الهلالية وألف ليلة وليلة.