يشكل الانخفاض الملحوظ فى درجات الحرارة، الذي شعر به المصريون اليوم الأحد وأمس السبت، بعد موجة حارة امتدت وتقلبات بين الحر والبرد على مدى أسبوع، أحدث دليل قاطع على تزايد تداعيات "التغير المناخي" الذى يلقي بظلاله على العالم ككل والذي ترتب على رفع النشاط البشري لنسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي لكوكب الأرض بما يترتب على ذلك من حبس المزيد من الحرارة. وإذا كانت التقلبات الحادة في درجات الحرارة تمثل مصدرا لكثير من المشاكل وبخاصة المشاكل الصحية فإن مخاطر التغير المناخى آخذه في التفاقم؛ حيث أظهرت أحدث الإحصاءات العالمية أن التغير المناخي يودي بحياة 150 ألف شخص سنويا، فضلا عن تسببه في تعريض حياة نحو 20 بالمائة من أنواع الحياة البرية للانقراض بحلول العام 2050، علاوة على أنه بدأ يكبد صناعات العالم (كالصناعات الزراعية خسائر تقدر بمليارات الدولارات. ويواصل العلماء وخبراء البيئة إطلاق صيحات التحذير بأن ما حدث ويحدث حتى الآن من تداعيات ليس بخطورة ما قد يأتي في المستقبل في حال عدم السيطرة على وتيرة حدوث هذا التغير المناخي، فالتقاعس عن التحرك لكبح سرعة عواقب التغير المناخي، يفاقم عدد البشر المهددين بآثارة الضارة، ويرفع نسبة الأنواع المعرضة للانقراض من 20 فى المائة إلى 35 فى المائة تقريبا. وعلميا فإن "المناخ" هو حالة الجو السائدة في منطقة ما لمدة زمنية معينة، وتغير المناخ يعنى أي تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة، ومعدل حالة الطقس يمكن أن يشمل معدل درجات الحرارة، ومعدل تساقط الأمطار، وحالة الرياح، وكل هذه التغيرات يمكن أن تحدث بسبب العمليات الديناميكية للأرض كالثورات البركانية، أو سقوط النيازك الكبيرة، أو نتيجة قوى خارجية كالتغير في شدة الآشعة الشمسية. وتتلقى الكرة الأرضية ما يكفي من الإشعاع الشمسي لتلبية الطلب المتزايد على أنظمة الطاقة الشمسية، ويتعرض كل متر مربع من الأرض للشمس، كمعدل بما يكفي لتوليد 1700 كيلووات فى الساعة من الطاقة كل سنة. وتعد نشاطات الإنسان من الأسباب العديدة التي أدت إلى التغير المناخي والتلوث بأنواعه الثلاث (البري والجوي والبحري)، حيث إزالة الغابات وحرق الأشجار وغيرها من الأمور التى أدت إلى الاختلال في التوازن البيئي، كما أدى التوجه نحو تطوير الصناعة في السنوات 150 الماضية إلى استخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، وهذه الأنواع من الموارد الأحفورية أطلقت غازات تحبس الحرارة كثاني أكسيد الكربون وهي من أهم أسباب تغير المناخ. وتمكنت كميات هذه الغازات من رفع حرارة الكوكب إلى 1.2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، والرغبة فى تجنب العواقب الأسوأ يحتم كبح جماح ارتفاع الحرارة الشامل ليبقى دون درجتين مئويتين. أما مصطلح" مفعول الدفيئة" أو" الاحتباس الحراري" فهو ظاهرة يحبس فيها الغلاف الجوي بعضا من طاقة الشمس لتدفئة الكرة الأرضية والحفاظ على اعتدال مناخنا، ويشكل ثاني أكسيد الكربون أحد أهم الغازات التي تسهم في مضاعفة هذه الظاهرة لإنتاجه أثناء حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي في مصانع الطاقة والسيارات والمصانع وغيرها، إضافة إلى إزالة الغابات بشكل واسع، والمؤثر الآخر هو غاز الميثان المنبعث من مزارع الأرز وتربية البقر ومطامر النفايات والمناجم وأنابيب الغاز، أما غازات الكلوروفلوروكربون المسئولة عن تآكل طبقة الأوزون والأكسيد النيتري من الأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية فهي تسهم أيضا في هذه المشكلة بسبب احتباسها للحرارة. وإذا كان بمقدرة العلماء عمل دراسات أو نماذج حول التغير المتوقع في المناخ فإن ما يمكن توقعه هو "سلوك البشر"، فقد يقومون بحرق كمية من الوقود الأحفوري تفوق الكمية المتوقعة وتصبح الكرة الأرضية أشد سخونة من المتوقع في أسوأ السيناريوهات على الإطلاق، أو أن يتم التوصل إلى طاقة متجددة أو حلول واقعية لمشكلات الطاقة فى وقت أقرب من المتوقع. وربما يبدو خطر التغير المناخي أكثر وضوحا للجميع في ظل ما توقعته اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي، بأن ترتفع درجة حرارة الأرض خلال العقود المقبلة ما بين 1.4 إلى 5.8 درجة مئوية (أي من 3 إلى 8 درجات بمقياس فهرنهايت).