هل كان قرار طارق عامر رئيس البنك المركزي برفع سعر الفائدة صائبا؟. هل كان خطوة في الطريق الصحيح لكبح جموح التضخم الذي أرهق ميزانية الأسرة المصرية منذ تعويم الجنيه؟. هل كان هناك طرقا أخرى لمعالجة الموقف الاقتصادي المتأزم؟. أسئلة كثيرة وحالة جدل صاحبت القرار ما بين مؤيد ومعارض. فور صدور قرار البنك المركزي كتب الكاتب المخضرم باتريك وير مقالا عبر موقع "ذا ناشونال" العالمي، إن القرار، خطوة حقيقة لكبح جموح التضخم، الذي أصبح أحد أكبر المخاطر التي تهدد الاقتصاد المصري، بعد أن وصل إلى معدلات سنوية غير مسبوقة في إبريل الماضي، وصلت إلى 31.5% ليسجل بذلك أعلى معدل تضخم على مستوى الاقتصاديات الأكبر في العالم، باستثناء فنزويلا التي يشهد اقتصادها وضعا كارثيا. وأكد وير، أن انتقاد القرار كان صائبا، فهو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، مشددا على أن ارتفاع معدلات التضخم ليس لها بالصدمات المالية التي تعرض لها الاقتصاد المصري منذ تعويم الجنيه وإقرار قانون القيمة المضافة وزيادة أسعار الوقود، فقد وصل إلى 15.5% في أغسطس 2016 قبل اتخاذ تلك القرارات. وقال وير: "التوسع في المعروض النقدي إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى، وهو ما أرغم البنك المركزي على تخفيض قيمة الجنيه في نوفمبر الماضي، ووقد ارتفع حجم المتداول من الجنيه المصري أو حجم الودائع الجارية بالعملة المحلية بمقدار 19% خلال العام وحتى نهاية مارس، في الوقت الذي كان الاقتصاد المصري ينمو بمعدل أقل من 4%، وهو ما يمثل حالة كلاسيكية للركود التضخمي، وتمثل العلاج في اتخاذ الدواء المر والمحتوم في أسرع وقت ممكن، حيث أن التأخير لن يجدي نفعا بل سيؤدي فقط إلى تطويل فترة المعاناة". وأكد وير، أنه من خلال رفع أسعار الفائدة، سوف ينجح البنك المركزي في خفض معدل التخضم. حيث أن ارتفاع أسعار الفائدة سوف يغري الأفراد والشركات للتوقف عن إنفاق أموالهم، والبدء في ادخارها، ومن ثم يقل حجم كل من المعروض النقدي والاستهلاك، حيث سيقل مقدار الأموال المتاحة لشراء السلع والخدمات، ولن ترتفع الأسعار بالسرعة التي هي عليها الآن، وعندما ينخفض التضخم، يمكن للبنك المركزي أن يبدأ في تخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى. وأضاف وير: "قبل رفع سعر الفائدة، لم يكن هناك دافع لدى المواطنين للادخار، فقد كان متوسط العائد السنوي على أذون الخزانة لأجل 91 يوما التي تم طرحها للبيع قبيل رفع سعر الفائدة يوم الأحد الماضي هو 19.5%، وهو ما يقل كثيرا عن معدل التضخم، علاوة على ذلك، فإنه في شهر إبريل، أي بعد مضى ما يقرب من ستة أشهر على قرار خفض الجنيه، كانت لا تزال الأسعار تتجه إلى الارتفاع، مسجلة زيادة قدرها 1.69% شهريا، وبأكثر من 22% سنويا. جدير بالذكر أنه بالنسبة للأشخاص الذين قاموا بشراء أذون الخزانة، فإنهم سوف يحصلون على سعر فائدة سالب يقدر بنحو 3%، مع افتراض أن يظل معدل التضخم عند مستواه الحالي المرتفع". وتابع وير: "من المعروف أن أحد فوائد تخفيض سعر الفائدة هو إبقاء تكلفة الدعم الحكومي تحت السيطرة، بينما يتمثل أحد عيوبه في زيادة تكلفة تمويل عجز الموازنة، على الأقل على المدى القصير". وفي تحليله لقرار رفع سعر الفائدة، أكد هاني جنينة محلل الاقتصاد الكلي، أن القرار جاء كرد فعل لزيادة معدلات المعروض من الجنيه المصري، مقارنة بركود في مصادر العملات الصعبة المستدامة. وأشار جنينة، إلى أن القرار يأتي حماية للجنيه المصري من الأضرار التي قد تحدث نتيجة ارتفاع السيولة ما يدفع تنافسية المنتج المصري، وتدفع أسعار السلع والخدمات إلى الارتفاع مجددا. وأضاف جنينة: "لذلك، في هذه الظروف، يقوم البنك المركزي المصري بما يسمي "تعقيم" اثر التدفقات المالية علي السيولة المحلية، فبعد ان يقوم البنك المركزي بشراء المليار دولار و ضخ 18 مليار جنيه في القطاع البنكي كما ذكر سابقا، يقوم بفتح عطاءات دوريه لسحب السيولة الفائضة لدي البنوك، طبقا لبيانات البنك المركزي، حوالي 400 مليار جنيه من فائض السيولة لدي ال39 بنك العاملة في مصر مودعه حاليا في البنك المركزي المصري". وتابع جنينة: "في العام المالي 2014/2015، حقق البنك المركزي أرباح ما قبل الضرائب حوالي 33 مليار جنيه وسدد حوالي 10 مليار جنيه لوزارة المالية في صوره ضرائب دخل، هذه الارباح تم تحقيقها بالمقام الاول نتيجة العائد علي ما يمتلكه المركزي من أوراق حكومية مصريه كأصول و انخفاض مصروفات التعقيم في ذلك الوقت. في خلال هذه السنه المالية، متوسط السيولة التي تم سحبها من القطاع المصرفي كانت لا تتعدي ال 100 مليار جنيه و اسعار الفائدة المدفوعة من المركزي للبنوك كانت اقل بحوالي 6-7٪ من معدلات 2017، مع الأخذ في الاعتبار أن حجم حيازات المركزي من الاصول في صورة أوراق حكومية لم تتغير تقريبا منذ 2015 وًلكن حجم عمليات التعقيم تضاعف 4 مرات وسعر الفائدة ارتفع بحوالي 6-7٪ خلال الفترة، ففي الغالب ستنكمش ارباح المركزي بقوه في 2016/2017 ان لم تتأكل أرباحه تماما، و كما قيل سابقا، هذا يمثل عبء محتمل (contingent liability) لوزارة المالية و سيؤدي الي انكماش ايرادات المالية من الضرائب". وأضاف جنينة: "كبديل لعمليات التعقيم المكلفة جدا، قد يبدأ المركزي في رفع سعر الفائدة الرئيسي للتأكد من أن أي نقد فائض تم تركه لدي البنوك بدون "تعقيم" لن يؤدي إلي ارتفاع حاد في المعروض النقدي، وهذا الارتفاع في المعروض النقدي قد يحدث في المقام الاول عندما تقوم الحكومة برفع اسعار الطاقة مره اخري مما قد يجعل اسعار الفائدة علي الاقتراض اقل من معدل التضخم المتوقع مما يشجع علي الاقتراض لشراء أصول أو سلع معمرة علي سبيل المثال، لان لو حدثت هذه الزيادة المفرطة في السيولة المحلية وارتفع الطلب المحلي تحسبا لزياده اخري في أسعار السلع و الخدمات في غياب تحسن ملحوظ في التدفقات الدولارية المستدامة، سيتعرض الجنيه المصري لضغوط قويه قد تؤدي إلى انهياره مره أخري. واستطرد جنينة: "في نفس الوقت، رفع سعر الفائدة في هذا الوقت لن يؤدي الي زياده مفرطه في تدفقات الاموال الساخنة مما يجعل الامور أكثر تعقيدا، في الأغلب، رفع الفائدة سيحد فقط من التذبذب الحادة في تدفقات رؤوس الاموال والتي قد تجد في سعر الفائدة الإضافي بعض الاطمئنان ضد ارتفاع تدريجي في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال 2018 نتيجة ارتفاع معدل التضخم وتجد فيه بعض المجاراة مع ارتفاعات محتمله في سعر الفائدة علي الدولار في الأشهر القليلة القادمة". وأضاف جنينة: "إقراض البنوك للحكومة لتمويل عجز الموازنة هو احد اهم اسباب النمو في السيولة المحلية، مثلا، لو البنك الاهلي كان لديه فائض سيولة مودعة لدي البنك المركزي في صوره وديعه اسبوعيه فهذه الوديعة خرجت من تصنيف السيولة لأنها لا تتداول بين الافراد والشركات." وتابع جنينة: "كان من الضروري أن يرفع المركزي سعر الفائدة مسبقا للإعلان أن السياسة النقدية لن توفر الملاذ الآمن إذا ما قررت الحكومة تأجيل الإصلاح وبالتالي تأخر وصول التمويل الخارجي، لأنه كما سبق شرحه، اذا ما بدأت السيولة المحلية في الارتفاع نتيجة الاقتراض الحكومي في غياب تدفقات مستدامه من العملة الصعبة، سينهار سعر الصرف، علي العكس، عن طريق هذه الخطوة، أرسل البنك المركزي رساله واضحه ان هدفه الرئيسي هو الاستقرار النقدي". واختتم بقوله: "كان رفع سعر الفائدة رسالة واضحة للمستثمر الاجنبي أن مصر مستمرة في الاصلاح المالي و ان الينك المركزي لن يوفر الملاذ الامن (و هو ليس آمن بالمرة في الأمد المتوسط) إذا ما حدث عكس ذلك، وأظن أن ما حدث في سوق الاسهم خلال الثلاثة ايام الماضية خير دليل علي ان هذه الرسالة وصلت الي المستثمر الأجنبي.