هو واحد من رواد البحث فى العلوم الاجتماعية من جيل الستينيات، ويصح أن يطلق عليه عابر للأجيال، نشأ فى أحضان الفكر القومى الناصرى، وتمرد عليه، واستطاع طوال تاريخه أن يحمل فى كتابته بذور اختلافه، فقد مر المشروع الفكرى للباحث والمفكر الأستاذ السيد يسين بعدة مراحل أساسية متعاقبة، حددها الأستاذ نبيل عبدالفتاح فى أربع مراحل متعاقبة: مرحلة التأسيس المنهجى والخطاب حول المنهج فى العلوم الاجتماعية، حيث أسس بعدد من الأعمال الفكرية للخطاب المنهجى للعلم الاجتماعى، ومنه اختط لنفسه منهجًا، ظل يعمل عليه طوال تاريخه، وهو منهج التحليل التاريخى المقارن، وتلا هذه المرحلة مرحلة البحث فى السلوك الإجرامى، والسياسة الجنائية ومعاملة المذنبين والمقاربة السوسيو قانونية. وفيها اهتم بالأبعاد الجنائية للسلوك البشرى، ودراسة السياسة الجنائية دراسة سوسيولوجية، وبعدها انتقل بعدها إلى مرحلة عكف فيها على دراسة علم الاجتماع السياسى واستخدامه فى تحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والمشكلات الاستراتيجية، وظل ينتج أعمالًا متميزة فى هذا الإطار، ثم انتهى إلى مرحلة التحليل الثقافى فى مقاربة القضايا المحلية والإقليمية والعولمية. وفى المرحلة الأولى تشكل التكوين المعرفى للسيد يسين وفهمه للظاهرة القانونية عبر عدة مسارات: التأثر بفقهاء القانون الذين عالجوا الموضوعية القانونية من زاوية تجمع بين الدرس السوسيولوجى والقانونى معًا من قبيل تأثره بأعمال ثروت أنيس الأسيوطى، والتأثر ببعض فقهاء القانون الجنائى الذين اطلعوا على النظريات والمفاهيم الحداثية فى مجال التحليل الاجتماعى للقانون الجنائى، والاطلاع على التجربة الفرنسية فى دراسة القانون الجنائى. وفيما يتصل بالموقف الفكرى والمنهجى فى معالجة السياسة الجنائية، فمن الملاحظ اعتماد المشروع الفكرى على معجمية مغايرة، فاللغة البحثية تجمع بين لغة العلوم القانونية وبلاغتها ولغات السوسيولوجيا والفلسفة والاستعارات الثقافية والأدبية، فى تعارض مع حشوية وإطناب الخطاب القانونى الكلاسيكى الذى ينهض فى منهجيته على الفيلولوجى، وعلى المستوى الفكرى يوجد بعض التضمينات الشائعة فى الخطاب القومى، وإن لم تؤثر فى صلب العملية البحثية، بل وتمثل قناعًا لتمرير المعانى وأفكار العدل الاجتماعى ذات الجذر الفلسفى الماركسى، كما تحفل المعالجة البحثية بالتأكيد على أهمية دراسة تقلب الظاهرة الجنائية وتعددية مذاهب السياسة الجنائية، وتقلبها بتقلب التحولات التاريخية. وغاب عن هذه المرحلة معالجة الجرائم السياسية، كالاعتقالات ونظام القانون الاستثنائى سواء فى قانون الطوارئ أو غيره من القوانين المقيدة للحريات، إلى جوار الابتعاد عن الشواهد الإمبيريقية فى مقاربة السياسة الجنائية، ويرجع ذلك لأسباب، أولها طبيعة الإكراهات السياسية والأمنية المفروضة على حرية البحث، والواقع أنها سمة لازمته حتى اللحظة الراهنة، فى تأكيد ضمنى على استمرار ذهنية التحريم. وثانيها، الطابع الاحتكارى للدولة فى مجال المعلومات، وغلبة تقليد النزوع النظرى على الطابع الإمبيريقى والواقع أن النزوع للتنظير وغلبة الواقعة الفكرية على نظيرتها الإمبيريقية، مرده هو رغبته فى مصارعة هذا التوجه الإمبيريقى ذاته والخروج عليه، وكشف عورته. وفى التحليل السوسيولوجى للأدب، قدم السيد يسين كتابا حول التحليل الاجتماعى للأدب، وكان كتابا رائدا، أصل فيه نظريا ومنهجيا لحقل فرعى جديد. لقد قدم السيد يسين فى كتابه مجموعة من التصورات المنهجية النظرية والتطبيقية، مثل الدراسة الاجتماعية للمؤلف ووضعه الاجتماعى الطبقى والاقتصادى والمهنى، والدراسة الاجتماعية للعمل الأدبى، ودراسة الأشكال والأنواع الأدبية، كما قدم تصورات منهجية لدراسة الجمهور أو جماهير القراءة. كل هذه التصورات تدعو إلى توطين المباحث الاجتماعية والجمالية فى الواقع الثقافى العربى. وفيما يتعلق بالوعى القومى، فإن يسين يطور هو الآخر نقدا للوعى القومى، حين يعاود النظر فى تاريخ الوعى بالآخر، مستعيدًا نقطة بداية، يراها نقطة البداية الفعلية. ولكن العودة تتطلب مبدئيًا فهم طبيعة اللحظة التاريخية الحاضرة، وما تحويه من تغيرات جوهرية فى النظام الدولى. فكان أن رأى أن البداية فى التلاقى مع الحملة الفرنسية، وهى بداية لم يفهمها المثقفون، وكان من أثر ذلك أن تم اعتبار أوروبا قبلة التقدم، وبدلا من تطوير التقاليد الفكرية وتحديث التراث الثقافى القومى، جرى إرساء قطيعة معرفية بين الماضى والحاضر، قادت بدورها إلى تواصل عمليات الاستعارة الممسوخة والشائهة لأفكار وقيم ومؤسسات انتزعت من سياقها. ومن هنا يتم تفسير أسباب إخفاق التجربتين الليبرالية والاشتراكية فى مصر بإسقاطهما لنماذج وأطر مؤسسية انتزعت من سياقها على واقع مغاير تماما مع افتقار لأى وعى بنشأتها وتطورها. وفيما يتعلق بالحوار الحضارى، فتمتاز تحليلات يسين بطابعها التاريخى، فهو عادة ما يهتم بمقاربة موضوعاته عبر ثلاث لحظات: الماضى، والحاضر، والمستقبل. هو عادة ما يكون مهتما بالأزمات التى يواجهها المجتمع، فيرسم حدود الأزمة، وأبعادها الطبوغرافية (الحدود الدولية والإقليمية والقومية) وأبعادها الزمنية، ثم يضع الحلول اللازمة لها، أو يومئ لها. وفى كتابه «الثورة الكونية الثالثة: عاصفة سبتمبر والسلام العالمى»، يجسد ما تعرض له الحوار الحضارى، ول«يسين» الصراع، من أزمة يعيشها بعد الهجوم الذى تعرضت له الولاياتالمتحدة. فقد خرج خطاب الكراهية إلى الواجهة، بحيث لم يقتصر على حدود السلطة الرسمية، بل وغدا خطابا متبادلا بين المثقفين على الطرفين القومى والغربى. ثم يركز ياسين فى الأخير على خطابات المثقفين العرب والغربيين تجاه الأزمة، مؤكدا ضرورة الحوار الخلاق الذى يزيل الالتباس ويبنى جسور التواصل لا القطيعة المهددة للتقدم والرخاء الإنسانى. وبالنسبة للسياسة الثقافية، فقد قرر المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة تكليف الأستاذ السيد يسين بإعداد ورقة عن رؤية لسياسة ثقافية مقترحة. وتكون المقترح من ثلاثة أجزاء، سبقتها مقدمة توضح خبرة الباحث السابقة فى دراسة السياسة الثقافية والمشروعات البحثية ذات الصلة التى شارك فيها. وتناول الجزء الأول الخريطة المعرفية للمجتمع المصرى بعد ثورة يناير. وشمل على وصف لملامح المجتمع المصرى، محددها فى: سقوط دور المثقف التقليدى وحلول الناشط السياسى محله، وحلول الحشود الجماهيرية الهائلة محل الجماهير التقليدية، والتناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديموقراطية، والمشاركة الجماهيرية الفعالة. واهتم الجزء الثانى من المقترح بتحليل الأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة، حيث أشار إلى بروز ظواهر اجتماعية من قبيل الفقر والإفراط فى الاستهلاك، والفجوة الطبقية، وغياب العقل النقدى، ونشأة العقل الإرهابى، والانصراف عن القراءة التقليدية بين جيل الشباب. وفى الجزء الثالث، حاول المقترح تعريف المفهوم الذى ينهض عليه المقترح فحدده فى مفهوم التنمية الثقافية الجماهيرية، أى التنمية من أسفل، ودلل عليها بدراسة تطبيقية أجراها الباحث لمحو الأمية فى الريف. أما الجزء الرابع، فاحتوى الأهداف الأساسية للمقترح وتمثلت لديه فى تكوين العقل النقدى، ثم نشر ثقافة التجدد المعرفى الدائم، وتجسير الفجوة بين التعليم الدينى والتعليم المدنى، وتجديد الخطاب الدينى، وتغيير الاتجاهات المتطرفة، وتجديد القيم المصرية، ووضع سياسة ثقافية فى عصر العولمة. الخبير بوحدة علم الاجتماع بالمركز