يعد السيد ياسين مفكرًا موسوعيًا قلما تجده فى عصرنا الحالى، الذى أصبح التشظى المعرفى جزءًا أصيلًا فيه، فالرجل أخذ يغترف من كل فرع من فروع المعرفة لدرجة أنك حين تجلس فى معيته سواء فى محاضرة مفتوحة أو ملتقى علمى أو تجمع ثقافى أو بين دفتى كتاب له، تحتار فى تخصصه، هل هو عالم فى علم الاجتماع، أم فى علم السياسة، أم أحد أساطين علم القانون، أم رجل من رجالات ثورتى الإعلام والمعلومات؟ ولعل ما يقوم دليلا على ذلك أن الإسهامات التى قدمها السيد يسين، تتسم بأنها الأكثر تركيبا وتنوعا، فثمة خطوط ومسارات وتداخلات أثرت على نمط ممارسته البحثية ونسقه اللغوى والاصطلاحى وجمالياته البلاغية، وتحليلاته فى مراحل تطور إنتاجه الفكرى، على اختلافها، والتى يمكن أن نميز فيها أربع مراحل متكاملة كالتالى: ■ مرحلة التأسيس المنهجى، والخطاب حول المنهج فى العلوم الاجتماعية، وتحليل الأوضاع الأكاديمية للجماعة البحثية المصرية. ■ مرحلة البحث فى السلوك الإجرامى، والسياسة الجنائية ومعاملة الجانحين، والمقاربات السوسيو قانونية. ■ مرحلة الانتقال إلى علم الاجتماع السياسى فى تحليل الظواهر والمشكلات والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المصرية، والقضايا والمشكلات الاستراتيجية على المستويين الدولى والإقليمى. ■ مرحلة التحليل الثقافى فى المقاربات الاستراتيجية للظواهر العولمية والإقليمية والمصرية. هذا التنوع الموسوعى فى أبعاده التاريخية المعرفية المنهجية، يمكننا من استخلاص العديد من الملاحظات من خلال تحليل هذا الإنتاج، لعل أبرزها التداخل بين المقاربة التاريخية التأصيلية والمقارنة المتعمقة، وكذلك الرجوع إلى المصادر الأساسية للأفكار والرؤى والنظريات، علاوة على بروز الأبعاد السوسيو ثقافية فى التحليل السوسيو قانونى وفى تحليل السلوك الإجرامى، بالإضافة إلى اللجوء إلى الأنظمة القانونية والنظرية والتجارب المقارنة فى مجال السياسة الجنائية ومعاملة الجناة على نحو ما بزر جليًا فى مؤلفه المهم (السياسة الجنائية المعاصرة). وقد تأثر السيد يسين بأساتذة وفقهاء كبار استطاعوا أن يرودوا مقاربة مغايرة للمقاربة الشكلانية للمدرسة الوضعية القانونية، ويأتى على رأس هؤلاء الأساتذة العالم الدكتور ثروت أنيس الأسيوطى، وكتاباته الرائدة حول الصراع الطبقى وقانون التجار، ونشأة المذاهب الفلسفية وتطورها، وكتبه عن مبادئ القانون ونظرية الحق. إن الخلفية التكوينية المنهجية والفلسفية والسوسيولوجية لمفكرنا المقتدر أبرزت أن القانون ومنظوماته هو أحد أبرز محاور الصراعات الاجتماعية والسياسية حول المصالح المتنازعة بين القوى الاجتماعية على اختلافها فى المجتمعات المعاصرة. ومن ثم يشكل أحد ميادين حسم الصراع وإقرار المصالح للقوى الغالبة بلا نزاع، وأن الوصول إلى توازن ما فى المصالح هو تعبير أكثر تعقيدا عن الدولة وسلطتها وأجهزتها تصل فى بعض المراحل إلى مستوى يتجاوز حدود المصالح الضيقة للقوى الاجتماعية والسياسية المسيطرة. مدير وحدة الدراسات القانونية والثقافية بالمركز