اليوم.. السيسي يشهد احتفالية عيد العمال    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    مظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين في عدة جامعات أمريكية والشرطة تنتشر لتطويقها    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    «الهلال الأحمر» يقدم نصائح مهمة للتعامل مع موجات الحر خلال فترات النهار    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    فيلم شقو يتراجع إلى المرتبة الثانية ويحقق 531 ألف جنيه إيرادات    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل شيء عن مشروع استغلال "الرمال السوداء"
نشر في البوابة يوم 21 - 11 - 2016

الرمال تحتوى على مواد نووية ومعادن لصناعة الطائرات.. والمشروع يتكلف 120 مليون دولار ويوفر 5.5 مليون طن معادن
أستاذ جيولوجيا: الاحتياطى التعدينى 25 مليون طن.. والشركة: الاحتياطى 285 مليون طن
الأهالى: المستثمرون هبطوا على المنطقة ب«باراشوت» لنزع أراضينا دون وجه حق
رئيس المشروع: «مش كفاية إننا هنصلح أراضيهم؟!.. والتعويض زى ما حددته الحكومة»
بعد مطالبات لم تنقطع من خبراء الجيولوجيا والاقتصاد فى مصر بشأن الكميات الهائلة من الرمال السوداء بمنطقة البرلس فى كفر الشيخ واستغلال قيمتها التعدينية فى الصناعة، تنبهت الحكومة المصرية أخيرًا إلى تلك الأهمية، وقررت تأسيس شركة لاستغلال الرمال السوداء بالبرلس تحت اسم «الشركة المصرية للرمال السوداء» برأسمال 2 مليار جنيه، وذلك بناءً على دراسة الجدوى المُقدمة من شركة روش الأسترالية، والتى تكلفت نحو 12.5 مليون دولار حصلت روش منها على 2.5 مليون دولار.
نحن أمام قضية مركبة، لها أبعاد اقتصادية وسياسية فضلًا عن تأثيراتها على المستوى الاستراتيجى، نتحدث عن ثروات طبيعية مدفونة، وإن كانت معلومة للدوائر العلمية ومراكز الدراسات الجيولوجية، هذه الثروات ظلت بعيدًا عن دائرة الاهتمام الرسمى، نظرًا لغياب الإرادة السياسية سنوات طويلة، ومن هنا فإن «البوابة» قررت فتح الملف الشائك والغوص فى أعماق البيانات والدراسات العلمية والاقتصادية للرمال السوداء.
تسهم القوات المسلحة فى هذا المشروع بنسبة 61٪، ويسهم أحد البنوك بنسبة 14٪، وهيئة الطاقة النووية بنسبة 15٪، ومحافظة كفر الشيخ بنسبة 10٪، ومن المقرر أن يضم مجلس إدارة الشركة ممثلى الجهات المساهمة فيها، وجار إنشاء مصنع الفصل وتوصيل المرافق والمياه العكرة والطرق للبدء فى هذا المشروع العملاق.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن منطقة البرلس بها كميات هائلة من الكثبان الرملية المنتشرة على ساحل البحر المتوسط من برج البرلس حتى بلطيم، ومتوسط المعادن الثقيلة فى الرمال السوداء فى مناطق كثيرة يتراوح ما بين 1٪ و7٪، وتصل هذه النسبة فى منطقة البرلس إلى حوالى 80٪ تقريبًا، ما يؤكد العائد الاقتصادى العالى جدًا من الاستخدام الأمثل لهذه الرمال السوداء.
وبحسب دراسة الجدوى، فإن المشروع تبلغ تكلفته الاستثمارية 120 مليون دولار، وتصل تكاليف التشغيل ل45 مليون دولار، وسيتم استرداد تكلفة المشروع بعد 3 سنوات، ويوفر 5 آلاف فرصة عمل ونحو 5.5 مليون طن من المعادن.
الشركة التى تم الإعلان عنها، أقُيمت بنسب متباينة بين مجموعات مختلفة، وطرحت الشركة المشروع على 26 شركة عالمية لتوريد آلات الحفر على موقع المشروع بكفر الشيخ، وبدأت المناقصة فى تلقى العروض وتستمر حتى 30 نوفمبر الحالى وستتم الترسية على الشركة الفائزة فى شهر فبراير 2017. وسيتم فتح المظاريف فى 3 ديسمبر المقبل ويستمر البت المالى للمشروع 7 أيام، والبت الفنى شهرين.
وتنص الدراسة على ضرورة إنشاء حائط «صد للأمواج» بتكلفة 125 مليون جنيه لمسافة 5.7 كيلو متر، ويتكون هيكل المساهمين «5 أعضاء من جهاز الخدمة الوطنية عضو من هيئة المواد النووية- عضو من بنك الاستثمار عضو من كفر الشيخ عضو من المصرية للثروات المعدنية».
وتضمنت الدراسة مجموعة من الشروط غير الواردة فى الاشتراطات التعدينية العالمية، فبدلًا من إعادة الشيء إلى أصله «إعادة الساحل إلى كثبان رملية مرتفعة» اشترط على المستثمر القيام بردم وتمهيد ساحل مستوى، وإمداده بالبنية التحتية من مرافق وطرق وخلافه.
فضلًا عن إقامة حائط صخرى لمنع نحر البحر وتسليم المعادن المُشعة لهيئة المواد النووية دون مقابل، وعلى هذا الأساس سيتم تسليم ساحل مستوى بماسحة نحو مليون م2 خالية من الإشعاع ومُدعم بحائط لحماية الشاطئ، ومُعد للاستغلال السياحى.
وتوضح دراسة جدوى المشروع، أن أرباح المستثمر ستصل إلى 180 مليونًا سنويًا، بينما تبلغ حصة الدولة من المشروع نحو 95 مليون جنيه بنسبة 58٪ من الأرباح وهو من أعلى المعدلات فى العالم.
أصل الحكاية
ما سبق كان الحلقة الأخيرة فى سلسلة طويلة من الإجراءات التى استهلكت كثيرًا من الوقت والجهد فى البحث والتجهيز.
لنبدأ فى التفاصيل.. قبل 15 سنة أسندت الحكومة مهمة إجراء الدراسات البحثية على الرمال السوداء وجدوى الاستفادة منها إلى إحدى الشركات الأسترالية المتخصصة فى هذا المجال المرتبط بالتعدين.. ظلت الشركة «روش» تجرى أبحاثها منذ نهاية عام 2000 حتى العام الماضى، وكانت الدراسات كاشفة عن أهمية لم تكن فى الحسبان، حيث تم اكتشاف احتوائها على عناصر مشعة وكميات هائلة من المعادن ذات الجدوى الاقتصادية، الأمر الذى حفز على إنشاء شركة وطنية، وعلى الرغم من وجود عدد من الدراسات المحلية والأجنبية والتأكيد على احتوائها على كم ضخم من الأرقام، إلا أن كثيرًا من الحقائق لا تزال غائبة عن أضخم مشروع اقتصادى ستشهده مصر.
وبحسب الخبراء والدراسات، فإن هناك تضاربًا فى الأرقام والإحصائيات، يعود مرجع هذا التضارب لاحتياج المناطق المختلفة لدراسات أخرى، تتطلب حفر آلاف من الآبار لمعرفة حجم الاحتياطى المؤكد من الرمال السوداء، التى قُدر احتياطيها الجيولوجى بين 300 و350 مليون طن.
«الرمال السوداء» أو المعادن الثقيلة جرى تعريفها فى قانون الثروة المعدنية على أنها عناصر كيمائية معدنية ذات قيمة اقتصادية تتكون بصورة طبيعية مثل الذهب والفضة والبلاتين وغيرها. إلا أن هذا التحقيق لا يتحدث عن ذهب أو فضة لكن ما هو أغلى.
تحوى الكثبان الرملية بسواحل الدلتا على مجموعة من المعادن الاستراتيجية، إذ تتضمن عناصر مشعة تُستعمل فى صناعة الوقود النووى، بالإضافة إلى صناعة الطائرات وحديد التسليح والسيراميك، والأسنان التعويضية وما هو أكثر من هذا.
معادن نادرة وصناعات استراتيجية
يقول الدكتور باسم زهير، أستاذ الجيولوجيا المساعد بكلية العلوم جامعة بنها، إن هذه الرمال السوداء تحوى معادن تدخل فى صناعات دهان الطائرات مثل الألمنيت وصناعة البويات وهى صناعة متطورة جدًا، بالإضافة إلى استخراج معدن التيتانيوم الذى يدخل فى صناعة الطائرات.
فضلًا على معدن الزيركون الذى يستخدم فى صناعة السيراميك والعوازل والأسنان التعويضية، إضافة إلى صناعة الحديد من خلال معدن الماجنتيت. ولكن أهم صناعة قد تُسهم بها الرمال السوداء فى التكنولوجيا النووية خاصة أنه يمكن استخلاص مواد مشعة من معدن الزيركون.
ومعدن الجارنيت الذى يستخدم فى صناعة فلاتر المياه والصنفرة، والماجنتيت الذى يستخدم فى صناعة الحديد الإسفنجى وتغليف أنابيب البترول.
تضارب الأرقام حول نسب المعادن
لكن يبقى السؤال حول نسب هذه المعادن فى الرمال المصرية، وهنا تضاربت الأرقام حول نسب المعادن فى المواد الثقيلة، حيث يقول باسم زهير إن معدن «الماجنتيت» هو أكثر المعادن الموجودة فى المواد الثقيلة، لافتًا إلى أن نسبتها الموجودة فى الرمال السوداء تُقدر ب 15٪ من إجمالى الكميات بمصر.
ويُشّكل الماجنتيت نحو 70٪ من المعادن الموجودة فى الرمال السوداء، فى حين يوجد معدن الجارنيت بنسبة 0.3٪، أما الزركون فيوجد بنسبة 0.1٪، إضافة إلى المونازيت بنسب أقل من 0.1٪.
ويضيف زهير أن هذه المعادن لا تُحسب بالكمية ولكن وفقًا للوفرة والكثافة ونسب المواد المُشعة الموجودة بالعنصر، مشيرًا إلى أن الرمال السوداء تُقسم إلى نوعين «بحسب تركيز المعادن»، الأولى «داكنة اللون» وهى غنية بالمعادن الثقيلة «70-90٪»، أما الثانية فهى «رمادية اللون» وتحتوى على نسبة أقل من المعادن الثقيلة بنحو 40٪.
الدراسات التى أجريت على المنطقة، أثبتت أن أغلب المكونات الاقتصادية فى رواسب الرمال السوداء المصرية تتركز فى الحجر الحبيبى، وهو ما يعنى سهولة فصلها بالفصل الميكانيكى غير المكلف.
هذا فى حين تشير دراسات الجدوى المعدة بمعرفة الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الرمال السوداء على 6 معادن اقتصادية رئيسية.
ويختلف حجم وقيمة متوسط مجموع المعادن الاقتصادية من مكان إلى أخر بامتداد الساحل الشمالى وقلما يتعدى متوسط القيمة 5٪ فى المتر العلوى من الرواسب الشاطئية، تنخفض كلما تم التدرج لأسفل، وفقًا لدراسة هيئة الرابطة الجيولوجية.
وتقول الدراسة، بوجه عام، يحتوى المتر العلوى من الرواسب الشاطئية من 40-50٪ من محتوى إجمالى المعادن الاقتصادية بعمق الراسب، بينما تحتوى ال5 أمتار العلوية من 70-80٪ فى حين تحتوى ال10 أمتار العلوية من 85-95٪ منها.
ويُعد الألمنيت هو المعدن الأكثر شيوعًا، إذ تمثل قيمته نحو 50٪ من إجمالى محتوى المعادن الثقيلة، بينما أقلها وجودًا معدن المونازيت بنسبة 0.01٪، بحسب الدراسة.
وتلفت الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الكثبان الرملية بامتداد «البرلس - بلطيم» من أعلى قمة وحتى مستوى سطح البحر على نسبة 4.5٪ من المعادن الثقيلة، يستحوذ الألمنيت بمفرده على نحو 70٪ منها.
فضلًا على وجود بعض المناطق المحددة التى تحوى طبقات سطحية عالية التركيز بالمعادن الاقتصادية، إذ يمكن أن يبلغ متوسط إجمالى هذه المعادن 90٪، وهى مناطق مُركزة طبيعيًا بفعل التيارات والأمواج البحرية، خاصة فى مناطق غرب وشرق الدلتا وشرق مصب رشيد وشرق بوغاز بحيرة البرلس.
احتياطات متضاربة.. وأرقام متباينة
كما تضاربت البيانات حول نسب المعادن فى الرمال تتضارب أيضا البيانات الخاصة بحجم الرمال السوداء بالمنطقة، إذ تؤكد دراسات لهيئة الثروة المعدنية أن المنطقة تحتوى على مصادر تعدينية للرمال السوداء تُقدر بحوالى 314 مليون طن بمتوسط تركيز 3.3٪ من المعادن، بينما تبلغ المعادن المُبينة بحوالى 23 مليون طن بمتوسط تركيز معادن 2.1٪. بينما قدر الاحتياطى التنجيمى المؤكد بحوالى 305 ملايين طن بمتوسط تركيز 3.35٪.
بينما يقول باسم زهير، أستاذ الجيولوجيا المساعد بجامعة بنها، إن الاحتياطات الموجودة بالمنطقة تُقدر بحوالى 25 مليون طن من المعادن عالية التركيز بنسبة 40٪، ويبلغ حجم الاحتياطى التعدينى بها 366 مليون طن بمتوسط 2- 3.4٪، موضحا أن قياس أحجام ونسب الرمال السوداء، يستلزم حفر مجموعات من الآبار على طول ال400 كيلو متر على أعماق متباينة وعلى مسافة قريبة.
عن طريق ربط هذه العملية فقط يتم الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وهذه الدراسة تكلف أموالًا طائلة، لا تستطيع جهة تحملها بمفردها، وعن طريق العينات التى سيتم جمعها من هذه الآبار، تتم دراسة العينات للحصول على أحجام المعادن، وفقًا لزهير.
ويضيف، أنه توجد شركة كندية ستقوم بإنشاء نوافير «آبار» فى الأرض للتعرف على حجم هذه الرمال، مشيرًا إلى ضرورة الإعلان عن حجم المكاسب للمشروع بعد أول عام من قيام للشركة تفاديًا للخسارة.
«Feasibility study» أو دراسة الجدوى، هى الدراسات المسبقة التى يجريها صاحب المشروع أو مُكلف عنه لمعرفة المردودية والعائد الاقتصادى للمشروع الذى هو قيد الدراسة، ومدى إمكانية تطبيقه على أرض الواقع».
كما يتفق الدكتور حسن بخيت، رئيس الرابطة الجيولوجية المصرية، مع ضرورة حفر آبار لحساب حجم الاحتياطى، موضحًا أن الاحتياطى نوعان «احتياطى جيولوجى» وهو احتياطى قياسى سطحى، حيث يتم أخذ عينات بصورة عشوائية وعلى أساسها يتم تقدير حجم المعادن، أما «الاحتياطى المؤكد» فهو الذى نُفذت فيه شبكة من الآبار بأعماق معينة.
ويشير إلى أن أهمية صدقية الرقم الاحتياطى من الخامات تكمن فى أنه العامل الرئيسى لجذب الاستثمارات فى الخام أيًا كان نوعه، لافتًا إلى أنه عن طريق الاحتياطى تتحدد سنين إنتاج المشروع.
ويضيف أن تكلفة حفر البئر فى الرمال السوداء تتحدد وفقًا للشركة، لافتًا إلى أن طريقة حفر الآبار لتحديد حجم المنطقة جيولوجيًا تتم عن طريق برنامج يسمى «Larg sale» وهو عبارة عن شبكة تُحفر على مسافات بعيدة.
وتبلغ المسافة بين آبار القياس من 10 إلى 20 مترًا، بحسب قدرة الشركة وخبرتها ونوعية الخام المُكتشف، وكلما زادت مسافة الآبار زادت مصداقية الاحتياطى.
ويلفت إلى قيام هيئة الطاقة النووية برسم تفصيلى للخامات بالرمال السوداء، مشيرًا إلى أنها توصلت إلى بعض الاحتياطات المؤكدة ببعض المناطق بعد حفر مئات الآبار وتحليل آلاف العينات.
تاريخ دراسة الجدوى
لم تكن دراسة الجدوى التى على أساسها تم تأسيس شركة الرمال السوداء هى أولى الدراسات، إذ بدأت شركة روش الأسترالية فى عمل دراسة جدوى لمنطقة الرمال السوداء منذ عام 2000.
وفى عام 2003، قررت الحكومة إنشاء شركة وطنية للرمال السوداء، تقوم بتصدير 6 معادن أهمها التيتانيوم والزركونيوم، باستثمارات تتعدى المليار دولار. وأوُقفت الحكومة المشروع لحين التأكد من دراسات الجدوى، وتم وضع كراسة شروط بمواصفات ألمانية على أن تنفذها شركة دولية أسترالية.
وفى عام 2008 كشفت الدراسة أن الاحتياطى الجيولوجى يكفى لمدة 20 عامًا، وأن المشروع ذو جدوى اقتصادية وجاذب للاستثمار. وقدرت الدراسة رأسماله بحوالى 125 مليون دولار، فى حين بلغت تكاليف التشغيل نحو 12 مليون دولار.
فضلًا عن وصول العائد السنوى على الدولار 22٪ فى حالة جمع رأس المال عن طريق الأسهم، ويزداد هذا العائد عند التمويل من البنوك بسبب تدنى الفائدة على الدولار.
وقدمت الشركة شهادات ضمان باحتياطى الخامات، وبالجدوى الاقتصادية للمشروع يسمح بالتمويل البنكى، وعند إعادة العرض على لجنة وزارية فى 2009 تقرر طرح المشروع للاستثمار بالمزاد لأعلى سعر للمتر المكعب من الرمال على أن تقوم هيئة التنمية الصناعية وهيئة المواد النووية بإجراء المزايدة.
أسفرت المزايدة عن تقدم شركة كريستال العالمية وهى شركة «أمريكية برأسمال سعودى - إماراتى اشترت شركة BeMax ثالث عملاق للتيتانيوم فى العالم» إلا أن العرض اعُتبر وحيدًا وهو ما استوجب إعادة العرض على مجلس الوزراء فى 25 مايو 2011، بإعادة طرح المزايدة وإتاحة الفرصة للمستثمرين المحليين للتقدم للمشروع.
ويعاود حسن بخيت رئيس الرابطة الجيولوجية قائلًا، إن ما يعيب الدراسة البنكية هو تنفيذها على منطقة بلطيم فقط، فرغم استمرار الدراسة لمدة 15 عامًا، إلا أنها تركزت حول شواطئ بلطيم لمسافة تقُدر بنحو 14 - 15 كيلو فقط، دون التطرق لمناطق أخرى من الشريط الساحلى.
«خناقة» على أرض المشروع
أحد أبرز صعوبات المشروع، عدم تحديد ملكية الأرض، وهذا ما أدى لحدوث شغب بين الأهالى وأعضاء الشركة، إذ تستند شركة الرمال السوداء فى حق استغلالها إلى القرار الجمهورى رقم 154 لعام 2001، والذى ينص على ملكية الأرض لوزارة الكهرباء. وحصلت الجريدة على صيغة القرار.
ويضيف متن القرار، أن المنطقة الخاضعة للقرار عبارة كثبان رملية، تقع بين غرب بحيرة البرلس وغرب مصرف الغربية «كتشنر» وبامتداد 18 كيلو مترًا على الشريط الساحلى. وعلى هذا أصدرت وزارة الكهرباء موافقة على استخدام مؤقت للأرض.
ومن ثم اتجهت الشركة إلى إنشاء المصنع واختارت موقعًا بالقرب من منطقة الكثبان بقرية «الخشوعى» إحدى قرى بلطيم، إلا أنه حدوث شغب من الأهالى واحتجاجهم واستنادهم إلى حجج ملكية موثقة بالشهر العقارى، دفع الشركة لإقامة المصنع بمنطقة «ملاحة مينسى على مساحة 50 فدانًا».
سعيد عميرة، مدرس أربعينى، أحد سكان قرية الخشوعى، يقول: «الدولة لا تملك سهمًا أو قيراطًا فى هذه الأرض»، مشيرًا إلى امتلاكهم حجج ملكية موثقة بالشهر العقارى تثبت ملكيتهم الأراضى.
وحصلت الجريدة على مستندات مكودة من مأمورية الشهر العقارى بكفر الشيخ، تؤكد كلام الأهالى بملكيتهم للأرض، وذلك بناءً على تفويضهم المحامى كرم عبدالقادر بهوت، المحامى المُفوض من قبّل الأهالى.
ويكمل سعيد، الذى خطت بلحيته بعض الشعيرات البيضاء، أنهم فوجئوا بمجموعة من المستثمرين يهبطون على المنطقة ب«باراشوت» بغرض نزع أراضيهم دون وجه حق.
ويقول سعيد إن مسافة الكثبان الرملية نحو 19 كيلو مترًا تبدأ من بوغاز برج البرلس وحتى بوغاز مصرف كتشنر، لافتًا إلى أن القرى التى سيتم تنفيذ المشروع بها هى «المرازقة - الخشوعي - البنانين». وكان سيتم إنشاء المصنع على مساحة 35 فدانًا بقرية الخشوعى.
ويلفت كرم بهوت، محامى الأهالى، وأحد قاطنى قرية الخشوعى، إلى أنه عند الضغط على المستثمرين تراجعوا عن إنشاء المصنع وادعاء ملكية الأراضى، وأقاموا المصنع فى أرض مستنقعات «450 فدانًا» جنوب قرية الشهابية، وهى أراض تابعة لشركة النصر للملاحات.
مصر تمتلك خامات التكنولوجيا النووية
بالعودة إلى حديث الدكتور باسم زهير فإن هيئة الطاقة النووية منذ إنشائها فى ستينيات القرن الماضى، وكانت منطقة الرمال السوداء حكرًا عليها، وقد منع الاستثمار أو حتى دراسته من قبّل الجيولوجيين، لاحتوائها على عناصر مشعة.
ويضيف استاذ الجيولوجيا: يُستخرج من معدن الزيركون عنصر «الزركونيوم» الذى يُستخدم فى أغلفة الوقود النووى، وفى العديد من الصناعات النووية الاستراتيجية، إضافة إلى معدن المونازيت المُشع، وهو مصدر إنتاج العناصر الأرضية النادرة المستخدمة فى الصناعات عالية التقنية التى تعتمد أغلبها على الإلكترونيات، وهو مصدر للحصول على اليورانيوم الذى يصلح كوقود نووى.
أما عن محتوى الرمال السوداء من المعادن المُشعة فهى تحتوى على معدنى «المونازيت والزيركون» وبهما نسبة قليلة من العناصر المُشعة مثل الثوريوم واليورانيوم، لذا سُميت بالرمال المُشعة، أما معدن المونازيت فتوجد به عناصر لها أهمية استراتيجية كبيرة، وفقًا لأستاذ الجيولوجيا.
ويضيف حسن بخيت، رئيس الرابطة الجيولوجية، أن هذه الرمال مُحملة بقدر كبير من المواد المُشعة، خاصة الموجودة فى بلطيم وبحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، وأن 4٪ من الرمال السوداء تحتوى على اليورانيوم والثيريوم والاسترنشيوم المُشع، إضافة إلى نسب متفاوتة من معدن الذهب الحر.
وقطعت هيئة المواد النووية شوطًا كبيرًا فيما يخص دراسة الجدوى وحساب الاحتياطات وإجراء عمليات فصل المعادن الاقتصادية وزادت على ذلك بتطوير عمليات فصل العناصر الأرضية النادرة بنقاوة عالية وكذلك فصل اليورانيوم والثوريوم من المونازيت، هذه الدراسات المهمة ودراسات الجدوى موثقة ومطروحة للاستثمار.
الدكتور حسن بخيت، رئيس الرابطة الجيولوجية المصرية يقول، إن الرمال السوداء تعود فى الأساس إلى نهر النيل، لافتًا إلى تركزها عند مصبات نهر النيل وأفرعه سواء الحالية «دمياط ورشيد» أو التى طُمست معالمها.
وهى عبارة عن رواسب فتاتية من حبات معادن ثقيلة ملونة تعمل كمصدات طبيعية لأمواج البحر وتحمى الدلتا من الغرق تحت منسوب مياه البحر فى وقت المد. وتشير الدارسات إلى وجود هذه الرمال فى 11 منطقة على سواحل مصر المُطلة على البحر المتوسط من رشيد وحتى رفح بطول 400 كم، تبدأ من إدكو شمال محافظة البحيرة وتمتد حتى رفح على البحر المتوسط.
وبحسب الدكتور حسن بخيت، رئيس الرابطة الجيولوجية المصرية، فإن هذه الرمال تتواجد حاليًا فى هيئة رواثب رملية شاطئية، ترسبت فى هذه المناطق بفعل اصطدام مياه البحر بمصبات نهر النيل، حيث يُعاد توزيعها وانتشارها بفعل التيارات البحرية والأمواج، وظل الأمر على هذا النحو حتى بناء السد العالى وانقطاع الفيضان.
بدأ استغلال الرمال السوداء فى مصر منذ عام 1932 على أيدى بعض اليونانيين الذين أنشأوا مصنعًا بالإسكندرية، وظل الوضع هكذا حتى تكونت الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء فى 1957 حتى تم تأميمها فى ستينيات القرن، ثم توقفت عن العمل عام 1969.
وتحول المشروع إلى الهيئة العربية للتصنيع ومن ثم إلى هيئة المساحة الجيولوجية، حتى انتهى بهيئة المواد النووية. وأضحت المنطقة منذ ذلك الحين حكرًا على هيئة المواد النووية، التى تولى باحثوها وعلماؤها دراسة الرمال، خاصة بعد أن تبينوا وجود خامات لعناصر نووية بها.
وتبيّن دراسة لهيئة المساحة الجيولوجية، أن الرمال السوداء تتكون من مجموعة من الطبقات داخل التربة بالدلتا، مما يعنى اختلاف أحجامها ونسب تواجدها من منطقة لأخرى، بحسب انخفاض المنطقة أو ارتفاعها، بالإضافة إلى تأثير الميل والرياح.
طريقة فيزيائية لفصل الرمال
خبراء شركة النصر للتعدين فى ورقة بحثية حددوا أفضل الطرق لاستغلال الرمال السوداء وتحويلها لمنتجات اقتصادية بأقل التكاليف التكنولوجية وذلك عن طريق استخدام أجهزة تعمل على فصل رواسب هذه الرمال فى أماكنها، وعدم نقلها، ومن ثم إعادة الرمال المُتبقية إلى نفس المنطقة مرة أخرى.
وبحسب الخبراء، فإن هذه العملية تتم باستخدام ماكينة جرافة وشفاطة فى نفس الوقت، تُوضع فى بركة مياه خاصة بعمق 5 أمتار، تقوم بتقليب الرمال أمامها عند قاع البركة، فتنهار هذه الرمال وكل ما فوقها، ومن ثم يتم شفط خليط الماء والرمال بطلمبة رمال ثم يُدفع الخليط إلى أنبوبة، تليها وحدة التركيز الأولى العائمة لاستخلاص المعادن وإعادة الرمال المُتبقية إلى الخلف.
وتبدأ المرحلة الثانية من عملية فصل المعادن، عن طريقة استخلاص تعتمد على الاختلاف فى الوزن النوعى بين المعادن الثقيلة والعادم ويتم الاستخلاص فى هذه المرحلة بنسبة 40٪، ثم يُدفع بخليط الرمال إلى جهاز فصل حلزونى، يتم من خلاله رفع نسبة المعادن لنسبة 90٪ ويتم تخليصها من الشوائب لتنتهى العملية، وفقًا لشركة النصر.
ويضيف الخبراء، وعلى هذا الأساس تدخل المواد المُستخلصة إلى جهاز يسمى «جهاز الفصل» وفيه يتم فصل المعادن، وفق النقاء المطلوب، عن طريق استخدام الطرق الكهربائية والمغناطيسية، وهذه هى طريقة الفصل الأمثل، إذ أنها لا تترك تغيرات بيئية أو اختلافًا فى مناسيب الرمال.
تآكل الشواطئ وتغير مورفولوجي للبيئة
البداية كانت فى جلسة لحوار مجتمعى فى شهر فبراير من العام الجارى، وسط أجواء الحوار، خرج تساؤل قلب الدنيا رأسًا على عقب، ورغم برودة الطقس، تحولت أجواء قاعة دار المعلمين بمدينة كفر الشيخ التى شهدت اللقاء المجتمعى إلى ساحة ساخنة، حيث وجه أهالى منطقة بلطيم سؤالًا إلى أعضاء الشركة المصرية للرمال السوداء عن حجم التأثير الصحى عليهم والأضرار البيئية الناتجة عن إزالة الكثبان الرملية، خط الدفاع الأول عن سواحل الدلتا «المهددة بالغرق».
لم يحصل الأهالى على إجابات شافية من مسئولى الشركة التى تُسهم فيها جهات مصرية عديدة، الأمر الذى فتح الباب واسعًا أمام علامات الاستفهام حول أهمية هذه الرمال، وكيف تأخرت الدولة فى استثمارها،خاصة إذا علمنا، أنها ظلت بعيدة عن الرقابة، مما أدى إلى سرقة كميات هائلة منها فى المناطق المجاورة لتكدسها على امتداد الشواطئ المصرية.
الإجابة عن أسئلة المواطنين جاءت على لسان الدكتور باسم زهير أستاذ الجيولوجيا، الذى حذر من تآكل شواطئ الدلتا المصرية نتيجة إزالة الكثبان الرملية والتى تُعد مركز الدفاع الرئيسى عن شواطئ الدلتا، مشيرًا إلى تعرض شواطئ الدلتا للغرق حال إزالة الكثبان دون تعويض الشواطئ أو إنشاء حوائط لصد الأمواج.
فضلًا عن ضرورة تجنب المواطنين والمحافظة على الأرض من التعرض لمواد مُشعة، وإتباع وسائل الأمن الصناعى فى كل المراحل، وفقًا لأستاذ الجيولوجيا.
ويلفت إلى أنه حتى مع استخلاص الرمال دون نقلها، فإن هذا سيغير من التركيب المورفولجى والبيئى، إذ أن استخلاص المعادن الثقيلة سيُفقد التربة تماسكها، لذا يجب تعويض التربة بنفس الكمية التى فقدتها، ويقترح زهير، أنه من الممكن التعويض بتربة زلطية أو بأحجار البازلت السوداء، والتى ستعمل على إيقاف مد أمواج البحر لداخل التربة.
وحول تلوث المياه الجوفية، يقول الدكتور حسن بخيت، رئيس الرابطة الجيولوجية المصرية، إن طريقة فصل الرمال ستتم بطريقة فيزيائية بعيدًا عن تلوث المياه الجوفية، إذا لم يتم استخدام عناصر خطرة وسامة مثل السيانيد المُستخدم فى فصل خام الذهب.
كما سيتم إنشاء مصدات للأمواج لمنع تآكل الشواطئ، بالإضافة إلى وضع للتغلب على الأملاح التى قد تظهر فى هذه المناطق بسبب انخفاض منسوب المياه الجوفية، وتعرض المياه لزيادة الملوحة، وفقًا لبخيت.
«البيئة» مشروع قيد الدراسة
الدكتور محمد فاروق، مدير إدارة التفتيش البيئى بوزارة البيئة يقول، إن المشروع تحت الدراسة، إذ تم تشكيل لجنة علمية من جهات كثيرة «البيئة - هيئة حماية الشواطئ - هيئة بحوث الشواطئ - شركة الرمال السوداء - إدارة التغيرات المناخية بوزارتى الرى والبيئة» ولا تزال المسألة كلها قيد البحث.
ويضيف، أن المدة المحددة لانتهاء الدراسة سيتم الإعلان عنها فى شهر نوفمبر الجارى، إلا أنه لم يتم الإعلان عنها حتى الآن، على الرغم من بدء المناقصة الرسمية لاستغلال الرمال.
مخالفات قانونية
بحسب دراسة الشركة وشهادات الأهالى والرسم الجيولوجى، فإن مساحة المنطقة التى سُيقام المشروع عليها تصل إلى 18 كيلو م2، وهذه مخالفة قانونية إذ بحسب المادة 9 من قانون الثروة المعدنية الجديد رقم 198 لعام 2014.. «لا يجوز ترخيص البحث والاستغلال للمنطقة التى تزيد مساحتها على 16 كيلو م2 أو للبحث والاستغلال للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة إلا بقانون».
ولم يتم إصدار قانون بالمشروع حتى الآن، إضافة إلى حظر إصدار تراخيص للاستغلال التعدينى فى المناطق الزراعية، إذ ثبت تلوث المنطقة بحسب المادة 27 من نفس القانون، وهذا ما لم يتم من قبّل الشركة التى لم تُظهر الدراسة البيئية للمشروع.
100 مليون جنيه خسائر تهريب
ويلفت رئيس الرابطة الجيولوجية، إلى الاستغلال السيئ للرمال السوداء من قبّل بعض مواطنى هذه المناطق، إذ يتم استخدامها فى عملية البناء والردم، بالإضافة إلى منح الحكومات السابقة تراخيص للمواطنين لاستغلال الكثبان الرملية «محاجر رملية» رغم عدم قانونية ذلك ومخالفته.
كما أن هذا دليل على عدم وجود تنسيق بين الجهات الإدارية «الزراعة، الإسكان، المحليات، الثروة المعدنية» بالإضافة إلى السرقات الكبيرة للرمال السوداء التى وقعت خلال الانفلات الأمنى.
وخلال التحقيق، لفت نظر معد التحقيق استغلال الأهالى للرمال فى عملية ردم منازلهم. وعند سؤال الأهالى، كانت إجابتهم، بأنهم يستغلونها فى الردم فقط أو البناء، غير عابئين بحجم الخسارة للدولة.
الدكتور حمدى سيف النصر، رئيس مشروع الرمال السوداء، حدد حجم الخسائر بسبب التهريب ب100 مليون جنيه.
ويؤكد بخيت ضرورة ترسيم خريطة استخراجية لمصر تشمل كل المعادن والثروات داخل باطن الأرض، لافتًا إلى مساعدة الخريطة مصر فى عدم إصدار تراخيص بالبناء على مناطق أثبتت الدراسات بعد ذلك احتواءها على ثروات معدنية.
تخوفات الأهالي
يتخّوف أهالى المنطقة من عدم اكتمال الدارسات البيئية، مستندين إلى دراسة قدمها لهم الدكتور محمد القصاص، الخبير البيئى الراحل، خاصة وأن المنطقة مهددة بالغرق إذا ما تم إزالة الكثبان أو إفقادها تماسكها، نتيجة انخفاضها عن سطح البحر.
سعيد عميرة، مدرس الثانوى، يقول إن هناك 37 خطرًا بيئيًا على المنطقة، منها 9 تُصنف ضمن فئة الخطورة العالية و19 خطورة متوسطة و8 خطورة عادية.
وأبرز هذه المخاطر هى المشاكل الناتجة عن التعدين، وهى نقطة ضعف قاتلة للمشروع، ضعف تماسك الرمال الصفراء الناتجة بعد فصل المعادن الثقيلة مما يجعلها عرضة لتحريك الرياح بعد انعدام وزنها، بالإضافة إلى زيادة نسب ملوحة المياه الجوفية، وهذا كفيل بتحويل المنطقة إلى سبخات ملحية «مستنقعات».
تُعد هذه الكثبان الرملية مخزون المياه الجوفية لأهالى المنطقة ومصدر رى لهم نظرًا لعدم وصول مياه النيل إليهم، إضافة إلى أنه تعمل على خفّض ملوحة المياه الجوفية، بحسب عميرة.
«لن تكون هناك زراعة أو حياة بالمنطقة لمدة 50 عامًا حسب دراسة للشركة» هكذا عبر أستاذ الثانوية العامة عن تخوفه، مشيرًا إلى التأثير على الأحياء المائية والنباتية وتدمير المحمية الطبيعية الموجودة ببحيرة البرلس باعتبارها منطقة لتجمع الطيور المُهاجرة من أوروبا مثل «البلشوان السمان».
فضلًا عن تدمير النشاط السياحى بمنطقة بلطيم طوال مدة النشاط التعدينى بالمنطقة، وهو ما يؤدى لفقدان نحو 8 ملايين مصيف أكبر شاطئ شعبى بمصر.
كما أنه لم يتم إنشاء «مصدات للأمواج» على طول منطقة المرحلة الأولى للمشروع البالغ طولها 5.6 كم «المنطقة الواقعة بين قرية البنائين شرقًا وحتى نهاية مصيف بلطيم غربًا، وهى المنطقة المهددة بالغرق، مقارنة بإقامة حوائط صد للأمواج فى كل شواطئ كفر الشيخ»، وفق كرم بهوت.
ويضيف محامى الأهالى، أن مدافن القرى كلها موجودة فى داخل الكثبان الرملية، وهذا لأنها المنطقة الوحيدة التى يستطيعون الدفن بها خوفًا على موتاهم من رشح المياه الجوفية الموجودة بالمناطق الأخرى نظرًا لارتفاعها.
ويشير كرم إلى تعامل المستثمرين مع الأهالى على أنهم «حقول تجارب» إذ أن المشروع لم يحدد آلية لتعويض المواطنين عن نزع الملكية، مشيرًا إلى وجود صفقات داخل المكاتب المغلقة تمت مع بعض الأشخاص داخل القرى.
ويلفت كرم إلى أن مبلغ التعويض، حسب الكلام المتداول، ستكون 7-7.5 ألف جنيه عن العام، مشيرًا إلى ضرورة إقرار تعويض عن كل عام بشكل كاف، خاصة أن الأهالى حالتهم المادية ليست جيدة.
ويقول محامى الأهالى، إن المنطقة فى الأصل تعانى من الإهمال والتدمير، إذ لا يوجد صرف صحى بالمنطقة من الأصل، كما أن شبكات مياه الشرب متهالكة، وبالتالى فإقامة مشروع يستلزم توفير بنية تحتية من مرافق وطرق، وحتى الآن لا توجد استراتيجية لتطوير هذه البنى التحتية، ويوجد بهذه المناطق مزارع متفرقة من بعض أصناف نباتات التين والنخل والعنب، وتبلغ مساحة القرى بزمام هذا الساحل نحو 576 فدانًا.
طالب الأهالى من الشركة وضع دراسة بيئية تكون على أساس سليم ومحايدة. ففى الحوار المجتمعى الذى عقد فى بلطيم فى نقابة المعلمين، لم يتم وضع بند لتعويض الأهالى.
«أخطر ما فى الشركة هى نيتها لتصدير هذه المواد خام دون الاستفادة من تصنيعها، على الرغم من المكاسب المادية الضخمة التى ستعود على مصر، إذا ما تم تصنيع هذه المواد». بحسب سعيد عميرة. ويطالب الأهالى بإعادة التفكير فى المشروع وتطبيق نظم تعمل على الاستفادة الكاملة من المشروع.
«لا أحد يزايد على وطنية أهالى البرلس، وإذا كانت مصر متوقف نموها على المشروع ده إحنا بنبارك.. لكن لا ضرر ولا ضرار» هكذا يعبر كرم عن معاناته مع الشركة، خاصة بعد أن تم استدعاؤه للتحقيق فى النيابة العسكرية بطنطا، تحت دعوى تحريض المواطنين والدعوة للتجمهر.
ويقول كرم، إنهم طالبوا بالاشتراك فى شركة الرمال السوداء طالما أنها شركة مساهمة وليست قابضة، مشيرًا إلى تخوفه من تحول الشركة لسبوبة فى أيدى بعض المنتفعين.
ويبدى كرم قلقه من حدوث فتنة بين الأهالى بالقرى والتى قد تتطور لصدامات عنيفة، خاصة وأن الشركة قربت بعض الأهالى على حساب البعض الآخر من خلال صفقات لم يتم الكشف عنها.
ويختم محامى الأهالى حديثه، عن وجود 10 مناطق توجد بها الرمال السوداء، أغلبها غير مأهول بالسكان، كان من الممكن تجربة المشروع فى تلك المناطق ومن ثم تنفيذه فى القرى المأهولة بالسكان.
شركة الرمال السوداء ترد
الدكتور حمدى سيف النصر، رئيس مشروع الرمال السوداء يقول، إنه تم التعاقد مع شركة «كورسال انفيرومنتال» لدراسة الأثر البيئى من خلال شركة روش التى أجرت دراسة الجدوى، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إتمام دراسات الجدوى دون الأخذ فى الاعتبار «الأثر البيئى».
ويضيف أن الشركة حددت مجموعة من الاشتراطات الدولية التى تنفى وقوع الأثر البيئى الضار، لافتًا إلى أن وزارة البيئة طلبت بعض الاشتراطات والضوابط، أخذتها الشركة فى الاعتبار، وتم الاستناد للتقرير النهائى لدراسة الأثر البيئى لعام 2008، إلا وزارة البيئة لم ترد حتى الآن.
كما أن النشاط التعدينى الناتج عن الشركة سينتج عنه تمهيد الكثبان الرملية وتسوية الساحل، وبالتالى سيصلح للنشاط الإسكانى والتعدينى فى كل المساحة البالغة 3500 فدان، فضلًا عن توصيل المرافق والبنية التحتية «دون مقابل» لهذه القرى، وفقًا لسيف النصر.
وحول نزع الأراضى من الأهالى، يوضح رئيس مشروع الرمال السوداء، أن هيئة المواد النووية «هيئة سيادية» بحسب نص قانون إنشاء الهيئة لعام 1977، وبالتالى فإن لها حق الاستغلال دون الملكية، وعلى هذا لن يكون هناك تعويض للأهالى «أنا مش هاخد منهم أراضيهم».
ويشير إلى أن التعويض الذى ستقدمه الشركة للأهالى سيكون عن إجمالى ما كان موجودًا بالأرض «سواء نشاط زراعى أو صناعى أو سكنى» وليس تعويضًا عن الأرض.
ويقول سيف النصر: «مش كفاية إننا هنصلح أراضيهم.. التعويض زى ما حددته الحكومة» نافيًا تحديد حجم التعويض الذى ستقدمه الشركة للأهالى، بالإضافة إلى تسليم الشركة الأرض «ممهدة» وخالية من الإشعاع لهم كل 3 أو 6 أشهر، فضلًا عن قيام الشركة ببناء حائط صد للأمواج، وحاجز صخرى بتكلفة 125 مليون جنيه منعًا لتآكل الشواطئ على طول المنطقة البالغة 18 كيلو مترًا، بالإضافة إلى نقل تربة إضافية للأرض من «طوب وطَفّلة» لإعادة التماسك إلى التربة، بحسب حمدى سيف النصر.
ويضيف، أن ما يحدث فى هذه الشركة عالمى وفوق مستوى مسئولى وزارة البيئة - «لأنهم لا يقرأوا» - مشيرًا إلى أن الطاقة الاستعابية للشركة ستكون 15 مليونًا سنويًا، بحجم احتياطى تقديرى يصل إلى 300 مليون طن، يخصّم منها نسب الفاقد ليصل حجم الاحتياطى النهائى المؤكد إلى 285 مليون طن.
ورفض حمدى سيف النصر الرد على تحديد نسب الهالك والفاقد نتيجة أعمال الشركة، مكتفيًا بترديد قول إن الشركة ستسهم فى الاقتصاد المصرى ب2 مليار جنيه سنويًا ستكون ناتجة عن تمهيد الأرض وبيعها بالمتر.
ويقول رئيس مشروع الرمال السوداء، إن من يقف ضد المشروع هم مجموعة من محتكرى الثروة المعدنية فى مصر الذين يرون فى الشركة خطرًا يهدد مصالحهم، لأنها ستقوم بدفع أموال لمصر خلافًا لما يقومون هم به.
ويوضح، أن هذا المشروع عبارة عن شراكة بين الدولة «مالكة الثروة المعدنية» والشركة «صاحبة رأس المال»، لافتًا إلى أن حجم ما ستدفعه الشركة للدولة سنويًا يُقدر ب«600 ألف إلى مليون جنيه»، وذلك مقارنة بإجمالى النشاط التعدينى الذى لا يُسهم فى خزينة الدولة بأكثر من 450 ألف جنيه فقط.
ويلفت إلى ضرورة استخراج هذه المواد المُشعة وإزالة الكثبان لعدم زحفها على القرى وتعطيل الاستثمار السياحى والسكنى، لأن هذا من مصلحة الأهالى حفاظًا على صحتهم وعلى أسرهم، مشيرًا إلى عدم امتلاك مصر التكنولوجيا اللازمة لتصنيع هذه المواد المعدنية، ولذا سيتم تصديرها إلى الخارج.
خسائر ناجمة عن الفصل دون التصنيع
ويقول بخيت: للأسف، مصر لا تملك التكنولوجيا التى تُمكنها من تصنيع المعادن المُستخلصة من الرمال السوداء، ولا حتى التصنيع الأولى، إلا صناعة السيراميك التى قد تستغل مصر بعض الخامات المستخصلة فيها.
كما تجب الاستعانة بشركات أجنبية عن طريق الشراكة مع الدول الصينية أو الروسية لعمل تصنيع أولى لهذه المعادن وبالتالى تحقيق قيمة مضافة، وفقًا لبخيت.
وقُدر عدد من الخبراء الخسارة نتيجة التصدير مباشرة دون التصنيع، بملايين الدولارات، إذ أنه من المعلوم أن الصناعة توفر أيدى عاملة كثيرة، إضافة لخسارة الدولة حجم إجمالى ضخمًا من الضرائب التى كان سيتم فرضها على التصنيع.
هذا كما أن مصر التى تتوق إلى دخول عصر التكنولوجيا النووية، ستستورد وقودا نوويًا ومحطة نووية بمليارات الدولارات «25 مليار دولار» وبالتالى فإن مصر فى أشد الاحتياج لهذه العناصر النووية، وفقًا لرئيس الرابطة الجيولوجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.