إن تزايد الاحتكاك والصراع بين الدينين: الإسلام والمسيحية في أوروبا وأمريكا، بسبب المشاكل الراهنة وتزايد الإرهاب، وارتفاع عدد المهاجرين إلى الغرب وغير ذلك، سيسلط المزيد من الأضواء على قضايا الحرية الدينية التي لا يعترف الإسلاميون، للأسف، إلا بجانب واحد منها، ولا بد للمجاميع الإسلامية والمؤتمرات أن تصل إلى حل مناسب وعصرى لها، يرفع عن الدين والدعاة هذا الحرج. لم يناقش الداعية «فتح الله كولن» قضايا الحريات الدينية رغم وجود هذا العدد الكبير من المسلمين الأتراك في ألمانيا، ولم يحاول توسعة النقاش حول الآية القرآنية «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» ولا آية «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وقد نقلنا قول «كولن» في الكتاب الذي ننقل عنه، وهو كتاب «أسئلة العصر المحيرة»، أن «الجميع يجب أن يكونوا أحرارًا في عقائدهم الدينية»، فكيف يكون المسيحى واليهودى والبوذى والهندوسى أحرارًا، ولا تشمل هذه الحرية المسلم؟ يناقش الداعية التركى هذه النقطة المتعلقة بالحرية الدينية، ولا يعتبر «كولن» رغم قوله «لا يدخل أي إنسان إلى الدين الإسلامى إلا بكامل حريته وإرادته»، أن قبول أي دين ركن من أركان الحرية الفكرية والإرادة الشخصية، ويعتبر سورة «الكافرون» مرتبطة بفترة معينة، أي «منسوخة». فيقول (ص 261) إن «حكم بعض الآيات منحصر بأدوار معينة، وقد تأتى هذه الأدوار بين العهود المتعاقبة للرقى والكمال وبين عهود التدنى والتأخر. ولكن يبقى الحكم منحصرا بذلك الدور، مثال على ذلك الآيات الواردة في سورة «الكافرون»: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). فحكم هذه الآيات يشمل دورًا وفترة معينة»، لكن الفقهاء والمفسرين لا يجمعون على الناسخ والمنسوخ! فترة التعايش السلمى مع الكفر ينبغى، في اعتقاد الداعية كولن، أن «تكون أدوار إيضاح المسائل وإيجاد حل لها. ويجب تقديم هذه المسائل والحلول ومحاولة الإقناع بالكلام والنصح والإرشاد دون استعمال أي قوة أو إكراه ودون الاهتمام بانحراف وضلال الآخرين وعدم إثارة عداوتهم والتركيز على المحافظة على النفس، وعلى هداية النفس وتطبيق الدين على الحياة الشخصية بشكل فردى. أما الأحكام المتعلقة بمثل هذه الأدوار فليست شاملة جميع الأدوار بهذا المعنى، ولكن لا يعنى هذا أنها لن تطبق بعد في أي زمن من الأزمان، فهذا فهم خاطئ، فقد حلت هذه الأدوار في الإسلام كثيرا ونحن الآن نعيش مثل هذا الدور». (ص 261). إن هذه النقطة الأخيرة من كلام «كولن» بالغة الأهمية! فهل يقصد الداعية «كولن» في إشارته إلى «هذه الأدوار في الإسلام» عصرنا الراهن، وإمكانية استخدام الحرية نفسها الواردة في سورة «الكافرون»؟ لا جدال في أن العلاقة بين التدين والحرية تتزايد أهمية وتعقيدا اليوم مع وصول الإسلام إلى مختلف بقاع الأرض والشعوب، وتنافسه مع سائر أديان الأرض، ورغم النجاحات الهائلة التي يحققها انتشار الإسلام على مستوى العالم وبين أتباع مختلف الأديان فإن العلماء والفقهاء والجماعات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين، بل حتى «العلمانيين»، أبعد ما يكونون عن تبنى حوار عصرى حول مسائل حرية اختيار الدين، والتخلص من الإكراه، باستثناء ما نرى بين المسلمين في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وخارج العالم الإسلامى عموما. والواضح لكل متابع أن البتّ في هذه القضية بحاجة إلى إثارتها على صعيد المؤسسات الإسلامية الكبرى، وبين رجال الفقه والتيارات الدينية، ونشر الحوارات علنا حولها، كى تنضج مع الوقت رؤية عصرية متسامحة، وفكر متكامل جريء يرفع الحرج عن العاملين في مجال نشر الإسلام، ويؤسس لعلاقة أعمق بين المسلم وعقيدته وعصره. نقلا عن «الجريدة الكويتية»