هى مهمة صعبة لكنها ممكنة طوال الوقت.. أن تقضى القوى الأمنية على تنظيمات إرهابية هيكلية مهما كانت قوتها وصعوبة شفراتها العنقودية، لكنه ليس من السهل أن تتوقع تلك الأجهزة على عظيم خبراتها من أين تأتى الضربة الموجعة الآتية من عدو لم يكن مرئيا ولا تنظيميا، ولم يسبق له التورط فى سابق عمليات من هذا النوع أو من غيره. العناصر الكامنة لا تظهر عليها ثمة أشياء مختلفة قد تشى بأن هناك طارئ ما حل بها، فحولها من فرد مسالم إلى عنصر تولدت لديه نوايا إجرامية إرهابية حولها سريعا عبر إلهامات الفضاء الإلكترونى لفعل لم يكن متوقعا. إذن من أين ستعرف الأجهزة الأمنية نوايا العنصر الكامن ودوافعه الإجرامية إلا بعدما يتحرك بالفعل فى اتجاه تنفيذ الهدف؟ طالما أكدت القاعدة لعناصرها أن الكامنين أهم لديها من عناصرها المدربين الخاضعين لتنظيمها خضوعا مباشرا، لأن التجربة تثبت بأن العنصر الكامن غير المرئى يستطيع الوصول إلى عمق العدو الذى لا يفيق إلا بعد تلقى الضاربة الغاشمة. ولذلك حرصت القاعدة ومن بعدها «داعش» على حماية عناصرها الكامنة وأخذ الحذر والحيطة فى الاتصال بها حتى لا ينكشف أمرها وتخسر كامنا مهما. مناطق الحصول على العناصر الكامنة متعددة ومتنوعة، إلا أن الفضاء الإلكترونى مثل الطريقة الأسهل والأكثر مباشرة، فقام التنظيم بنشر مناهجه فى كيفية تحويل المتعاطفين والمستعدين إلى عناصر كامنة أو مباشرة، حسب تقييمه لإمكانات العنصر وقدراته. المنهجية فى التجنيد تبدو مرحلة وبطيئة، إلا أن التجربة أثبتت نجاعتها فى جذب عناصر كامنة وموالية للتنظيم. هذه العناصر لا تنتظر أخذ التعليمات مباشرة، بل تنفذ غالبا بما يسمى «الإيحاء»، فضرب معقل التنظيم فى الموصل يقابله تحرك العناصر الكامنة لتنفيذ عمليات فى قلب أوروبا وأمريكا أو ضد رعاياهما فى أى نقطة كانت من العالم دون أن تستند تلك العمليات إلى تعليمات مباشرة من خلية أو تنظيم. باتت تلك العناصر مؤرقة للأنظمة لأوروبا وأمريكا، فعجزوا عن أخذ تدابير احترازية فى مواجهاتها، حتى إنهم ابتكروا أسلوبا بدا غريبا ومدهشا، وهو أن يلعب عنصر من عناصر المخابرات دور أحد المجندين الجهاديين، ويقوم بالتواصل مع عينات عشوائية من المواطنين، ثم يقوم باعتقال تلك العينات التى تقوم بالتجاوب معه وتظهر ميولها الجهادية. خطورة العناصر الكامنة هى فى الأساليب التى تستخدمها فى القتل أو التخريب، فمن الممكن أن تضع السم فى الطعام والشراب لعدوها المستهدف، أو تقوم بطعنه أو ذبحه فى الخفاء. لكن الدور الأخطر للعناصر الكامنة هو استخدامها كعناصر تجسسية لصالح التنظيم، لا تقوم بنقل معلومات لوجيستية فقط، بل إعطاء تقارير شاملة للحالات الاقتصادية والأمنية والسياسية. تجسس العنصر الكامن، يعد معضلة أمام أجهزة التحقيق، تجعل من إمكانية حل شفرة الجريمة مستعصيا، حتى تسنح الصدفة بكشف خيط ما يقود فى النهاية للعنصر الكامن الخفى. وبعد تضييق الخناق على تنظيم داعش يستعد المئات من الكامنين فى أوروبا وأمريكا وغيرها فى إشعال العالم وإشغاله، ونقل المعركة إلى عقر داره، بعد أن لعب الغرب لمدة طويلة لعبة تجميع المتمردين فى قفص واحد حتى يسهل عليه ضربهم، فإذا بالعناصرالكامنة الموالية لتنظيم داعش فى عقر داره، ترسل رسائلها الدموية هذه المرة موقعة بلون الدم ونغمات الرصاص.