وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    رئيس مجلس الشيوخ: «مستقبل وطن» يسير على خطى القيادة السياسية في دعم وتمكين الشباب    أوبر: اتخذنا عدة إجراءات لحماية الركاب منها استحداث زر الاستغاثة العاجلة    بايدن: طلب الجنائية الدولية باعتقال قادة إسرائيليين «شائن»    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    العريان: بطولة إفريقيا للساق الواحدة بوابة لاستضافة مصر لأحداث بارالمبية كبرى    تفاصيل جديدة عن حادث الفنان عباس أبو الحسن    مصرع شاب وإصابة 2 في حادث تصادم أعلى محور دار السلام بسوهاج    مهرجان كان، كيت بلانشيت تدعم فلسطين على السجادة الحمراء (صور)    خارجية أمريكا: المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها سلطة قضائية على إسرائيل    القانون ينتصر للأطقم الطبية.. و25% عمالة مصرية «حد أدنى»    علامات ضربة الشمس.. تعرف عليها لتجنبها في هذا الأيام الحارة    السرب المصري الظافر    «تقدر في 10 أيام».. «حياة كريمة» تقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    ميسي على رأس قائمة الأرجنتين المؤقتة لبطولة كوبا أمريكا 2024    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «سوميتومو» تستهدف صادرات سنوية بقيمة 500 مليون يورو من مصر    وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    «التخطيط» تعقد ورشة حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان للعاملين بالوزارة    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    "القاهرة الإخبارية" تعرض لقطات لتجمع إيرانيين حدادا على وفاة إبراهيم رئيسي    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    يعالج فقر الدم وارتفاع الكوليسترول.. طعام يقي من السرطان وأمراض القلب    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    د. معتز القيعي يقدم نصائح حول الأنظمة الغذائية المنتشره بين الشباب    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإعدام شنقًا لشاب أنهى حياة زوجته وشقيقها وابن عمها بأسيوط    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    برنامج "لوريال - اليونسكو" يفتح باب التقدم للمرأة المصرية في مجال العلوم لعام 2024    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنظيم داعش..
تطور مسارات الجغرافيا السياسية لظاهرة المقاتلين الأجانب
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 01 - 2017

مرت ظاهرة المقاتلين الأجانب بعدة مراحل فى العصر الحديث لعل أبرزها مشاركة مجموعة الشباب الكاثوليك فى ستينيات القرن التاسع عشر - تلبية لنداء البابا بيوس الرابع بابا الفاتيكان آنذاك- للقتال ضد غاريبالدى وفيكتور إيمانويل فى الحرب الإيطالية،
◄ داعش استفاد من مواقع التواصل الاجتماعى للوصول للمقاتلين الأجانب عبر الإنترنت
◄ التنظيم انتشر فى غرب أوروبا من خلال بوابة الشمال الإفريقى الناطق بالفرنسية
◄ مقاتلو داعش ينتمون للجيل الثالث من المهاجرين الذين يعانون من أزمة هوية فى الغرب
◄انتشار الحركات الجهادية فى الشيشان جعلها مركزا رئيسيا للإرهاب الدولى
◄صعود ظاهرة الإسلام السياسى فى السبعينيات ، والاحتلال السوفيتى لأفغانستان ، والسياسات الطائفية لبعض الأنظمة العربية أسباب لنمو ظاهرة المقاتلين الأجانب فى داعش
مروراً بمشاركة عدد من المقاتلين الأجانب فى الحرب الأهلية الأسبانية فيما عرف بالكتائب الدولية إلى جانب الحكومة الجمهورية فى مواجهة القوميين بزعامة الجنرال فرانكو بدعم من جانب الكومنتيرن والجيش السوفيتيين آنذاك. هذا بالإضافة إلى المتطوعين الأجانب فى معسكرات تدريب منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركة بعضهم فى العمليات الفدائية التى كانت تقوم بها المنظمة ضد الأهداف الإسرائيلية.
ارتباطاً بتلك الظاهرة فى منطقة العالمين العربى والإسلامى، فقد مثل صعود الإسلام السياسى خلال حقبة السبعينيات نقلة نوعية خاصة مع الاحتلال السوفييتى لأفغانستان، حيث بدأ المقاتلون الأجانب والعرب منهم على وجه الخصوص فى التوافد على الأراضى الأفغانية فى إطار موجة جديدة من الجهاد العالمى تم الحشد لها بواسطة عدد من التنظيمات الإسلامية الراديكالية. وقد شهدت تلك الموجة مشاركة كبيرة من جانب المقاتلين العرب والمسلمين، مع تواجد محدود من قبل المقاتلين الغربيين على مدى أكثر من عقد فى أفغانستان. ثم انتقلت بعد ذلك تلك الموجة الجهادية إلى منطقة البلقان خلال حرب البوسنة ضد الصرب فى التسعينيات، ومنها إلى كل من الشيشان ضد روسيا والعراق ضد الاحتلال الأمريكى فى العقد الأول من الألفية الحالية على خلفية بروز تنظيم القاعدة فى أواخر التسعينيات.
داعش .. البداية 2014
أما النقلة النوعية الأهم فى تاريخ ظاهرة المقاتلين الأجانب، فقد تمثلت فى ظهور تنظيم داعش فى أعقاب الربيع العربى بالتوازى مع اندلاع الأزمة السورية السياسات الطائفية والتمييزية التى انتهجتها الحكومات العراقية المتوالية ضد السنة لمصلحة الشيعة، وما تلى ذلك من إعلان زعيم التنظيم أبى بكر البغدادى الخلافة الإسلامية بالعراق والشام عام 2014. فى هذا الإطار، سعى تنظيم داعش-خلافاً لنهج تنظيم القاعدة والجماعات الراديكالية التى تدور فى فلكه- إلى توسيع رقعة جغرافيته السياسية والثقافية عبر بناء هوية عابرة للقارات من خلال توظيف شبكة المعلومات الدولية من أجل جذب المقاتلين الأجانب من كافة المناطق الجغرافية فى العالم بما فيها أوروبا وآسيا والشرق الأوسط للانضمام إلى صفوفه من خلال البناء على الخبرات المتراكمة لتنظيم القاعدة فى هذا المجال. فبعد أن كان الأخير يستقطب العناصر الموالية له من خلال ما كان يعرف بالمواقع الجهادية وغرف الدردشة، بدأ تنظيم داعش فى تعظيم الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها تويتر وفيسبوك وتليجرام وانستجرام (بالإضافة إلى مجلة دابق الناطقة بلسان التنظيم بلغات مختلفة) بهدف توسيع دائرة العناصر المستهدفة من خلال الترويج-باسهام كبير من المقاتلين الأجانب فى صفوف التنظيم- لفكرة الدولة الإسلامية التى يعيش فيها ما بين 6 و7 ملايين نسمة، فضلاً عن التركيز على الانتصارات العسكرية التى يتم احرازها.
ارتباطاً بذلك، انعكست مظاهر الشرعية العابرة للقارات التى شرع التنظيم فى بنائها فى اتساع نسبى لدائرة الجماعات المبايعة والمتعاطفة مع مبادئه خلال الفترة من 2014 وحتى 2016 فى ظل حضوره فى أكثر من 20 دولة بدرجات متفاوتة وهى أفغانستان والجزائر وبنجلاديش والكاميرون وتشاد وأندونيسيا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية والمغرب وتونس وليبيا والنيجر ونيجيريا واليمن وعدد من بلدان غرب أوروبا (أبرزها فرنسا وبلجيكا) إلى جانب أجزاء من سوريا والعراق بطبيعة الحال. وهو الأمر الذى أسهم بطبيعة الحال فى الارتفاع غير المسبوق فى عدد المقاتلين العرب والأجانب فى صفوف التنظيم-بدعم من عدد من الدول السنية فى المنطقة- وهو الأمر الذى لم تنجح فى تحقيقه بقية التنظيمات الراديكالية وعلى رأسها تنظيم القاعدة فى ضوء تواضع أعداد المقاتلين الأجانب فى جبهة النصرة التابعة له مقارنة بتنظيم داعش.
فى هذا السياق، تشير الإحصائيات المتوافرة إلى وجود حوالى 30 ألف مقاتل أجنبى فى صفوف داعش يعكس تمثيلهم عدداً من الكتل الجغرافية الحيوية التى باتت تلعب دوراً متنامياً فى إطار موجة الجهاد العالمى الحالية، لعل أهمها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحكم الجوار الجغرافى والثقافى، وأوروبا الغربية ومنطقة روسيا والقوفاز والبلقان. هذا بالإضافة إلى كتل جغرافية أقل أهمية مثل جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية.
غير أن الأمر الملفت، يتمثل فى الصعود الكبير لدور منطقة غرب أوروبا فى الموجة الجهادية الأخيرة بسوريا والعراق بإجمالى عدد مقاتلين غير مسبوق بلغ 5 آلاف مقاتل فى صفوف داعش، بعد أن كانت مشاركات الأوروبيين محدودة ورمزية، كان أشهرها الانتحارية البلجيكية MURIEL DOGANQUE التى قامت بتنفيذ عملية انتحارية لصالح تنظيم القاعدة بالعراق عام 2005 لتكون بذلك أول انتحارية غربية.
لماذا فرنسا وبلجيكا وبريطانيا ؟
فى هذا السياق، تجدر ملاحظة وجود بعض المؤشرات بشأن الارتباط بين عدة مناطق جغرافية ينتمى إليها المقاتلون الأجانب، إذ تشير الاحصائيات إلى أن 3700 من إجمالى الخمسة آلاف مقاتل المنتمين لأوروبا الغربية ينحدرون من أربع دول رئيسية هى فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا والتى تعد الأعلى نسبة من حيث تواجد الجاليات المغاربية والإسلامية المهاجرة مقارنة ببقية دول غرب أوروبا. وهو ما يصعب معه فك الارتباط مع المؤشرات الخاصة بالمقاتلين الأجانب فى صفوف التنظيم من منطقة المغرب العربى الذين يبلغ إجمالى عددهم 8 آلاف مقاتل معظمهم من تونس (6 آلاف مقاتل) تليها المغرب بحوالى 1200 مقاتل.
ويرجع هذا الارتباط بين أوروبا الغربية وشمال أفريقيا إلى عاملين رئيسيين: الأول وجود محور رأسى فى غرب المتوسط يربط منطقة المغرب العربى بمنطقة غرب أوروبا عبر البوابة الفرنسية من خلال التيار السلفى الذى انتشر فى شمال افريقيا منذ التسعينيات ومنها انتقل إلى غرب أوروبا عبر الجاليات المغاربية. أما العامل الآخر فيتمثل فى الدور الذى لعبه توافد المقاتلين العرب السابقين فى أفغانستان ذوى الأصول المغاربية إلى الأراضى الأوروبية طلباً للجوء السياسى خلال حقبة التسعينيات فى انتشار أكبر للتيار السلفى الجهادى على الأراضى الأوروبية.إذ لعبت تلك العناصر دور «بوابة العبور» لبعض مسلمى أوروبا نحو تنظيم القاعدة فى فترة لاحقة، وهو التراكم الذى بنى عليه تنظيم داعش من خلال الترويج لهوية إسلامية جديدة لبناء ما يسمى بالدولة الإسلامية لتحقيق اختراق كبير فى منطقة غرب أوروبا.
أما آخر الكتل الجغرافية المهمة الممثلة فى صفوف داعش، فتتمثل فى منطقة روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق فى ظل وجود 4700 مقاتل ينتمون لتلك المنطقة، وهو الأمر الذى يمكن تفسيره بالخبرة الجهادية للإقليم خلال حرب الشيشان، فضلاً عن القبضة الأمنية والعسكرية الروسية، مما دفع هؤلاء المقاتلين للتوجه إلى سوريا والعراق للقتال فى صفوف داعش خاصة بعد دخول روسيا عسكرياً على خط الأزمة السورية.
مسارات الجغرافيا السياسية لظاهرة المقاتلين الأجانب
1- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يبلغ عدد المقاتلين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى صفوف التنظيم أكثر من 16 ألف مقاتل لتحتل المرتبة الأولى بين بقية الكتل الجغرافية الممثلة فى صفوف التنظيم. فى هذا السياق، تحتل منطقة الشرق الأوسط والمشرق العربى بمفردها المرتبة الأولى من حيث عدد المقاتلين الأجانب فى صفوف تنظيم داعش بإجمالى 8270 مقاتلا، 2500 منهم من المملكة العربية السعودية، تليها تركيا باجمالى 2200 مقاتل ثم الأردن 2000 مقاتل، ثم لبنان 900 مقاتل، ثم مصر 600 مقاتل وأخيراً السودان 70 مقاتلا.
كما يبلغ عدد المقاتلين المنحدرين من منطقة شمال افريقيا - وفقاً لإحصاءات ديسمبر 2015- حوالى 8000 مقاتل، حيث تحتل تونس المرتبة الأولى فى عدد المقاتلين بإجمالى 6000 مقاتل (من بينهم 700 امرأة) وذلك فى الوقت الذى يوجد فيه 1200 مغربى و170 جزائريا و600 ليبى. وتجدر الإشارة إلى أن ضعف أعداد الليبيين الملتحقين بصفوف داعش فى سوريا والعراق نابع من أن ليبيا تعد ولاية تابعة للخلافة الإسلامية من وجهة نظر تنظيم داعش، ومن ثم فقد تحولت إلى قبلة للجهاد للمقاتلين الأجانب المتطوعين فى صفوف التنظيم.
ويرجع ارتفاع نسبة المقاتلين الأجانب المنتمين لمنطقة شمال أفريقيا لخبرتها التاريخية خلال سنوات الحرب الأفغانية، فضلاً عن انتشارالشبكات السلفية التى تقوم بدور كبير على صعيد تجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا والعراق. وفى هذا السياق، نجد أن الجغرافيا السياسية للمقاتلين الأجانب المنحدرين من منطقة شمال أفريقيا تتركز بالأساس فى مدن وأقاليم بعينها: ففى ليبيا، تحتل مدينة درنة بالمنطقة الشرقية المرتبة الأولى على صعيد تجنيد وإرسال المقاتلين لتنظيم داعش، تليها ضواحى مدينة بنغازى وهما بؤرتان جهاديتان شكلتاالمصدر الرئيسى للمتطوعين الليبيين فى الحرب الأفغانية.
أما تونس، فتمثل مدينة بنقردان (80 ألف نسمة) المصدر الأساسى للمقاتلين التونسيين فى صفوف تنظيم داعش تليها مدينتا بنزرت وتونس العاصمة.
أما بالنسبة للمغرب، فتحتل ضاحية سيدى مؤمن بالدار البيضاء المرتبة الأولى فى عدد المقاتلين المغاربة فى صفوف داعش بسوريا والعراق. كما تجدر الإشارة إلى أن الشبكات الجهادية التى تتولى تجنيد المقاتلين من شمال أفريقيا تستغل سيولة الأوضاع الأمنية فى ليبيا من خلال المرور بالصحراء الليبية جنوباً وصولاً إلى السودان كمنطقة ترانزيت ومنها إلى سوريا والعراق.
2- مجموعة الدول الغربية (أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية)
تضاعف عدد المقاتلين المنتمين لأوروبا الغربية فى صفوف داعش بسوريا والعراق من 2500 فى منتصف 2014 إلى حوالى 5 آلاف مقاتل فى بداية عام 2016، يأتى 3700 منهم من أربع دول رئيسية هى فرنسا (1500) وبريطانيا (760) وألمانيا (750) وبلجيكا (470). هذا بالإضافة إلى 115 دنماركيا و300 سويديا و60 فنلنديا و70 نرويجيا معظمهم من أصول افريقية وعربية ممن تم استيعابهم خلال موجات الهجرة الأخيرة لأوروبا، فضلاً عن أعداد أقل أهمية من إيطاليا وأسبانيا.
وترجع تلك الظاهرة إلى أن النسبة العظمى من هؤلاء المقاتلين ينتمون إلى قطاعات من الجيل الثالث من المهاجرين فى البلدان الأربعة تعانى من أزمة الهوية والاندماج فى تلك المجتمعات حيث يسهل التأثير عليهم من الكيانات السلفية والجهادية من خلال الاتصال المباشر فى المناطق الأوروبية الأكثر تهميشاً مثل ضاحية مولينبيك فى بروكسل فضلاً عن عدد من ضواحى المدن الفرنسية كباريس وليون. هذا فضلاً عن وجود نسبة تتراوح بين 5% و10% من المقاتلين ممن اعتنقوا الدين الإسلامى مؤخراً، وهم فئة يسهل التأثير على معظمها من قبل العناصر الجهادية المتواجدة فى عدد من المساجد ومراكز تعليم اللغة العربية فى أوروبا فى ظل ضعف معلوماتهم الأساسية عن الإسلام.
كما تجدر الإشارة فى هذا السياق، إلى أن نسبة تقترب من 50% ممن يتوجهون للقتال فى صفوف داعش من دول أوروبية مثل بلجيكا، لديهم ملفات قضائية وسجلات إجرامية فى فترات سابقة، وذلك فى الوقت الذى يوفر فيه تنظيم داعش بداية جديدة لهؤلاء المقاتلين من خلال المشاركة «فى بناء الدولة الإسلامية» عبر خلق هوية إسلامية عابرة للوطنية تذوب فبها الفوارق بين الدول فى مقابل الدفاع عن الخلافة الإسلامية.
ارتباطاً بالمقاتلين الوافدين من أمريكا الشمالية،فيعد عددهم منخفض للغاية مقارنة بأوروبا الغربية، حيث بلغ عدد المقاتلين فى بداية 2016 ، 150 مقاتلا أمريكيا و130 كنديا معظمهم ينحدرون من أصول مهاجرة من دول إسلامية، وبما يكون ضعف تلك الأعداد نابعاً من عامل البعد الجغرافى، فضلاً عن وجود آليات ناجحة للاندماج فى تلك المجتمعات.
3- روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق
تضم منطقة شمال القوقاز الأقاليم الروسية الواقعة فى الشيشان وداغستان وأنجوشيا، وذلك فى الوقت الذى تشير فيه بعض التقديرات إلى وجود عدد يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل شيشانى فى صفوف تنظيم الدولة بسوريا والعراق. ويمكن تفسير تلك الظاهرة بانتشار الحركات الجهادية فى الإقليم بما يمكن أن يجعل منه أحد المراكز الرئيسية للإرهاب الدولى رغم الجهود الأمنية والعسكرية الروسية لتطويقه، وضعاً فى الحسبان أن تلك المنطقة يوجد بها منابع للنفط وأنابيب الغاز على مشارف القارة الأوروبية.
أما إقليم جنوب القوقاز فهو يعد مفترق طرق عسكرى واستراتيجى وتجارى، كما أن وجود حدود مشتركة لجورجيا مع كل من إقليمى الشيشان وداغستان كبؤرتين رئيسيتين للجهاديين، جعل من جورجيا منطقة ترانزيت رئيسية للمقاتلين المتوجهين إلى سوريا والعراق بواسطة حدودها المشتركة مع تركيا التى تمثل المحطة الأخيرة للمقاتلين الأجانب قبل الوصول إلى سوريا.
كما أنه فى الوقت الذى تأتى فيه أغلبية المقاتلين الأجانب من شمال القوقاز (إقليمى الشيشان وداغستان)، نلاحظ وجود نسبة أقل من أذربيجان وجورجيا حيث يصل اجمالى العدد التقديرى من تلك الدولتين إلى 500 مقاتل. هذا بالإضافة إلى ما يتواتر من تقارير غربية حول وجود حوالى 2000 مقاتل فى صفوف تنظيم الدولة من كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وضعاً فى الحسبان أن الحركة الإسلامية الأوزبيكية كانت قد أعلنت مبايعتها لداعش فى أغسطس 2015.
4- منطقة البلقان
تنبع الأهمية الإستراتيجية لمنطقة البلقان من كونها إحدى محطات الترانزيت الرئيسية للمقاتلين الأجانب القادمين من مناطق جغرافية عدة من العالم للانضمام لصفوف تنظيم داعش فى سوريا والعراق. هذا فضلاً عن توظيف التنظيم للشبكات الجهادية والجماعات السلفية المؤيدة والمتعاطفة مع أفكار التنظيم والمتواجدة بدول البلقان المسلمة مثل ألبانيا على سبيل المثال من أجل تجنيد المقاتلين وتقديم الخدمات اللوجيستية للمقاتلين من مناطق أخرى من العالم فى طريقهم إلى تركيا عبر البانيا واليونان ومنها إلى سوريا والعراق. يأتى ذلك بالتوازى مع توظيف تنظيم داعش لمنطقة البلقان كنقطة إعداد وانطلاق فى الاتجاه المعاكس من سوريا والعراق نحو دول أوروبا الغربية لتنفيذ عمليات إرهابية محتملة.
كما تعد منطقة البلقان (وتحديداً إقليم غرب البلقان) إحدى قواعد التجنيد الرئيسية لتنظيم داعش بسبب ارتفاع نسبة البطالة مما أدى إلى اتساع رقعة الطبقات المهمشة التى باتت هدفاً مهماً للتنظيم. وهو الأمر الذى أسهم فى تضاعف عدد المقاتلين الأجانب فى صفوف التنظيم المنحدرين من منطقة البلقان ولاسيما من إقليم غرب البلقان ذى الأغلبية المسلمة من 875 مقاتلا عام 2015 إلى أكثر من 1700 عام 2016 ينتمون بشكل خاص لأربع دول وأقاليم رئيسية وهى ألبانيا ومقدونيا والبوسنة وإقليم كوسوفو.
5- منطقة جنوب آسيا
يمكن تفسير ضعف عدد المقاتلين المنتمين لتلك المنطقة الجغرافية فى صفوف تنظيم داعش (حيث نجد 50 مقاتلاً أفغانياً و500 باكستانى وأقل من عشرة مقاتلين من الهند) بكون تلك المنطقة ميداناً موازياً للجهاد الدولى أسوة بسوريا والعراق ولا سيما فى أفغانستان. وفى هذا السياق، لم تفلح جهود تنظيم داعش فى تحقيق اختراق ملحوظ بسبب النفوذ الذى يتمتع به تنظيم القاعدة فى تلك المنطقة فى إطار صراع الجغرافيا السياسية بين التنظيمين فى مناطق عديدة فى العالم. هذا فضلاً عن أن طالبان ترى فى داعش مصدر تهديد كبير سواء على صعيد تجنيد المقاتلين أو مصادر التمويل أو التأثير الأيديولوجى، وهو ما يؤدى إلى وقوع اشتباكات متقطعة بين طالبان وأنصار تنظيم داعش المتواجدين فى شرقى وجنوب أفغانستان.
وقد تمكن تنظيم داعش من الحصول على مبايعة جماعة خراسان المتواجدة فى أجزاء من أفغانستان وباكستان وكذلك جماعة جند الله الباكستانية المناهضة للشيعة، وبعض الزعماء المنشقين عن جماعة طالبان وكذلك الحركة الاسلامية الأوزبيكية الناشطة عبر عناصرها فى أجزاء من شمال أفغانستان. هذا بالإضافة إلى جماعة المجاهدين فى بنجلاديش إلا أنها محدودة التأثير فى إطار مكونات المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش.
6- منطقة جنوب شرق آسيا والصين
يمثل المسلمون فى كل من أندونيسيا (باعتبارها أكبر دولة إسلامية فى العالم) وماليزيا 95% من إجمالى مسلمى منطقة جنوب شرق آسيا بما يجعل من تلك المنطقة إحدى بؤر تصدير المقاتلين الأجانب فى صفوف تنظيم داعش، هذا إلى جانب كل من بورما والفلبين وتايلاند وكذلك إقليم غرب الصين الذى تتواجد به أقلية مسلمة. وتشير الإحصائيات إلى وجود عدد يتراوح بين 700 و1000 مقاتل أندونيسى فى صفوف تنظيم داعش يتم تجنيدهم بأسلوبين متوازيين، الأول محلى من خلال عدة جماعات مبايعة للتنظيم فى أندونيسيا مثل جماعة أنصار التوحيد وجماعة مجاهدى اندونيسيا. أما الأسلوب الآخر، فيتم عبر تجنيد خلايا جهادية لبعض الطلبة الإندونيسيين الذين يدرسون بعدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية الإسلامية فى عدة دول بالشرق الأوسط وإرسالهم إلى صفوف تنظيم داعش، وهو ما يفسر ارتفاع نسبتهم فى صفوف التنظيم قياساً بعامل البعد الجغرافى لاندونيسيا عن مناطق الصراع فى سوريا والعراق. يضاف إلى ذلك، وجود عدد من الماليزيين فى صفوف تنظيم داعش يبلغ عددهم 160 مقاتلاً، وهو ما حدا بالتنظيم إلى تكوين كتيبة جنوب شرق آسيا NUSUNTARA، بالإضافة إلى إنشاء مدارس للأطفال المجندين فى صفوف التنظيم من اقليم جنوب شرق آسيا فى إطار توسيع التنظيم لنفوذه فى المنطقة.
أما بالنسبة للمقاتلين الصينيين فيبلغ عددهم فى المتوسط حوالى 300 مقاتل ينتمون إلى إقليم UIGHUR ذى الأقلية المسلمة بغرب الصين، علماً بأن الإقليم يشهد هجرة منتظمة من قبل الأقلية المسلمة به إلى تركيا.
يمكن القول فى النهاية بوجود نوع من التشابه فى الدوافع المتعلقة بالمقاتلين الأجانب فى تنظيم داعش وبين المجموعات اليسارية الراديكالية التى شاركت فى وقت سابق فى الحرب الأهلية الأسبانية على سبيل المثال والتى لم تكن ملمة بجوانب الأيديولوجية الشيوعية مكتفية ببعض الكتب المبسطة فى هذا الصدد، حيث كان الهدف الرئيسى لهؤلاء المقاتلين اليساريين هو الالتحاق بالثورة بدعم من الاتحاد السوفيتى. وهو ما يتقاطع مع ما يدعيه المقاتلون فى صفوف داعش حالياً - بدعم من بعض الأطراف السنية والدولية- من الدفاع عن الإسلام حيث إن الأمر يتعلق بالأساس بتوافر ثلاثة عناصر، وهى أزمة الهوية والوجود، والاستعداد للجوء للعنف نتيجة عوامل اجتماعية وشخصية، فضلاً عن وجود طابع دولى للأزمة كما فى الحالة السورية وهو ما يسهم فى توفير التمويل المالى اللازم لهؤلاء المقاتلين للاستمرار فى القتال.
...............................................................................
دكتوراة فى العلاقات الدولية من جامعة السوربون بباريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.