لقب نفسه بالحاكم بأمر الله، أو الحاكم بأمره، طغى وتجبر، وكثر القتل في عهده، لم يترك وزيرًا ولا عالمًا ولا رجل دين إلا وكاد له وقتله، حاول الانتصار للمذهب الشيعي إلا أن المصريين السنة تصدوا له، إبنه المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله معد الفاطمي، سادس ملوك الدولة الفاطمية الإسماعيلية، ولد بالقاهرة من أم رومية وبويع بالخلافة بعد موت أبيه سنة 386 ه وعمره إحدى عشرة سنة، وخطب له على منابر مصر والشام وأفريقية. نادي بألوهيته وفد من دعاة المذهب الإسماعيلي قدم إلى مصر وعلى رأسهم محمد بن إسماعيل الدرزي وحمزة بن على الفارسي، فراقت للحاكم فكرة التأليه واعتقد تجسد الإله في شخصه، واُعلِنت الدعوة بتأليهه سنة 408 ه واتخذ بيتًا في جبل المقطم، وفتح سجلا تكتب فيه أسماء المؤمنين به، فاكتتب فيه من أهل القاهرة سبعة عشر ألفا، كلهم يخشون بطشه، وتحول لقبه، في هذه الفترة على الأرجح، من الحاكم بأمر الله إلى الحاكم بأمره، وصار قوم من الجهال إذا رأوه قالوا: يا واحدنا يا واحدنا، يا محيي ويا مميت. عارض المصريون - وهم من أهل السنة - فكرة حلول الله في الحاكم وتأليهه ونقموا على الدعاة الفرس الذين أخذوا يبشرون بدعوتهم الإلحادية الجريئة، فقتلوا محمد بن إسماعيل الدرزي واختفى حمزة الفارسي ثم ظهر مع أتباعه في بلاد الشام ونقم الحاكم على المصريين لقتلهم داعيته فأحرق مدينة الفسطاط وظهرت من الحاكم تصرفات غريبة فيها تناقض عجيب، فكان يأمر بالشيء ثم يعاقب عليه، وكان يُعلي مرتبة وزير ثم يقتله، من ذلك أنه أعلى مرتبة وزيره "برجوان" ثم قتله، وقلَّما مات وزير أو كبير في عهده دون قتله، فقد قتل مؤدبه أبا تميم سعيد الفارقي وهو يسامره في مجلسه، وفعل مثل ذلك في كثير غيره. أمر أهل الذمة بالدخول في الإسلام أو الانتقال إلى بلاد الروم، ومن أراد منهم البقاء في مصر فعليه أن يعلق صليبًا من الذهب والفضة إن كان نصرانيا ويجب أن يعلق تمثال عجل على صدره إن كان يهوديًا. ثم أمر أن تستبدل الصلبان من الفضة والذهب بصلبان من الخشب، كما أمر أن تستبدل رءوس العجول بمثلها خشبا، ومنع أهل الذمة من ركوب الخيل، وأمر بهدم الكنائس والبيع، ومنها كنيسة القيامة في بيت المقدس ثم أذن في إعادة بنائها، وقتل من أسلم ثم ارتد إلى دينه، ثم أذن لمن أسلم أن يعود إلى دينه، ومنع خروج النساء وأمر بالتزام بيوتهن ليلا ونهارا، ومنع الرجال من ارتياد المقاهي وأمر بقتل الكلاب كما أمر بمنع بيع بعض الخضر والمأكولات كالملوخية والسمك الذي لا قشر له. وإلى جانب هذه التصرفات العجيبة، كان يهتم بنشر العلم، فأنشأ دار الحكمة في مصر ودعا إليها خيرة العلماء في مختلف العلوم والفنون وأجرى عليهم المرتبات الكبيرة، وهيأ الوسائل لهم ليتفرغوا للبحث والدراسة والتأليف، وأقام في دار الحكمة مكتبة عظيمة حوت ما لم يجتمع مثله في مكتبة من مكتبات ذلك العهد. كما بنى عدة مساجد. وجد في إحدى الليالي من سنة 411 ه مقتولا في ناحية من جبل المقطم وقيل إنه لم يعثر على جثته وإنما وجدت ملابسه ملوثة بالدم، ويقال إن أخته ست الملك كلفت القائد حسين بن دواس زعيم قبيلة كتامة بقتله فقتله ثم قتلت ابن دواس وقتلت معه من اطلع على سر القتل، ثم أبدت الحزن على أخيها وجلست للعزاء.