وكيل "خطة النواب": رئيس المركزى للمحاسبات لم يحضر للمجلس منذ 10 سنوات    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    متحدث الحكومة يكشف المواعيد الجديدة لقطع الكهرباء خلال فترة الامتحانات: تبدأ غدا    وزير المالية السعودي: عجز الميزانية مقصود ولأهداف تنموية.. وسنواصل الإنفاق الاستراتيجي    نازحون يفرّون من رفح الفلسطينية تحت القصف: صرنا زي الطابة كل يوم في ملعب    نهضة بركان يستعيد مهاجمه أمام الزمالك    ضبط عاطل وراء سرقة مسجد بالشرقية    الكوميديا تسيطر على برومو فيلم بنقدر ظروفك لأحمد الفيشاوى    النيابة تصرح بدفن جثة سيدة دهسها قطار في سمالوط بالمنيا    كاتب صحفي: المقترح المصري للتهدئة في قطاع غزة حظى بردود فلسطينية إيجابية    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    انطلاق قافلة طبية مجانية لمدة يومين في قرية الحنفي بكفر الشيخ ضمن حياة كريمة    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    بيان عاجل.. الكهرباء: تعديل جدول تخفيف الأحمال من الغد.. اعرف المواعيد الجديدة    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    الشامي: حسام حسن علمني الالتزام في الملعب.. وأخبرني أنني أذكره بنفسه وهو صغير    نشطاء مؤيدون للفلسطينيين يحتلون باحة في جامعة برلين الحرة    البورصة المصرية تربح 11.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه على نعمِه الكثيرة؟..د.عصام الروبي يوضح    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئيس الصيني يتعهد ب"عدم نيسان" قصف الناتو للسفارة الصينية في بلجراد    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    توقف حركة دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوجاع مرضى ضمور العضلات في مصر
نشر في البوابة يوم 08 - 06 - 2016

الآلاف يعانون بين إهمال الحكومة وجهل الأطباء ودجل المشايخ
«شريفة» تنشئ أول جمعية متخصصة فى مصر.. و«الزهراء» تحارب المرض بتعليم الطلاب
لا توجد إحصاءات حكومية عن أعداد المرضى فى مصر.. والصحة ترفض تصنيفهم كذوى إعاقة
كانت الحياة تجرى فى مسارها الطبيعى داخل الأسرة قبل معرفتهم بإصابة ابنتيهما بضمور العضلات، فقبل 7 سنوات عرف الأب «محمد موسى» المقيم فى المحلة الكبرى بإصابة ابنته الكبرى «حنين»، 9 سنوات، بضمور العضلات، كانت صغيرة جدًا على تحمل المعاناة، حاول جاهدا التوصل إلى علاج أو حتى توقف حالة التدهور لديها، إلا أن الأمور باءت بالفشل، فقبل 5 أيام من نشر هذا التحقيق توفيت «حنين»، ليبقى الأمل لدى الأسرة للإبقاء على الابنة الصغرى «رحمة»، 5 سنوات، على قيد الحياة، وعلى أمل أن تتقبل الدولة وجود مرضى الضمور كمواطنين يحتاجون العلاج.. فهل من مستجيب؟!
فى 27 نوفمبر 2015 توفى محمود إسماعيل بالمنيا، وفى يناير 2016 توفى أشرف محمد عبدالعال بمحافظة سوهاج، وفى فبراير الماضى توفيت زيزى سيد إمام بالقاهرة، فالوضع يتكرر فى كل منزل وأسرة يعانى طفلها أى مرض جديد يجهل الأطباء أعراضه ومسبباته وعلاجه سواء على المدى القريب أو البعيد، لكن المأساة هنا حينما يصاب أكثر من طفل فى المنزل بمرض يجهله الأطباء، وتتكرر مع كل طفل نفس الأعراض ونفس الألم، ويعصى على الأسرة علاجه فهى حائرة بين جهل الأطباء، وندرة المرض، وبين إهمال وزارة الصحة، أو اللجوء إلى رجال السحر والشعوذة عملًا بنصيحة أحد الأطباء الذين عجزوا عن فهم الحالات.
إنهم اطفال وشباب يعيشون كالأموات يتوقون إلى حياة طبيعية، إنهم مصابو ضمور العضلات.
المرض القاتل
تعرف منظمة الصحة العالمية مرض ضمور العضلات بأنه مرض عصبى عضلى يتميز بضعف وضمور عضلى يترقيان بسرعة، ويصيب المرض بصورة رئيسية الذكور، ويموت المصابون بالمرض فى بداية الكهولة عادة بسبب اعتلال عضلة القلب، والفشل التنفسى، فيما تقدم المعالجة بعض الراحة ولكن لا يوجد أى شفاء.
ووفقًا لدراسة جينية أجرتها د. نهى حامد، المدرس المساعد بقسم الوراثة بمعهد البحوث، تكمن مشكلة الإصابة بضمور عضلات الجسم، فى استمرار حدوث ذلك حتى يصل الضمور لعضلات التنفس والقلب وينتهى بالوفاة، وينتج غالبًا عن زواج الأقارب، وقد يحدث بين زوجين لا توجد بينهما صلة قرابة، ولكن يوجد الجين الخاص بالمرض بكل منهما، حيث إن المرض ينتج نتيجة تلاقى الجينين بين الأب والأم.
أعداد المصابين مجهولة
تقديرات منظمة الصحة العالمية لأعداد مرضى ضمور العضلات لنوع الدوشين فقط على حسب موقعها الإلكترونى، تشير إلى إصابة فرد من بين 3300 شخص، وتعتبره المنظمة من الأمراض النادرة الذى يجعل الدول تناضل بشكل فردى لإيجاد موارد تجرى بها أبحاثها حوله بما فيها المرضى الضروريين لإجراء التجارب السريرية.
وبتطبيق إحصائيات منظمة الصحة العالمية فى مصر، يبلغ المصابون بالدوشين فقط حوالى مليون شخص، هذا بخلاف الأنواع الأخرى من أنواع ضمور العضلات.
وعلى الرغم من وجود دراسة رسمية حول مرض ضمور العضلات فى مصر من خلال جامعة أسيوط سنة 1997، إلا أن الأعداد الرسمية للمرضى حتى عام 2016 ما زالت مجهولة، ولم توجه الحكومة على مدى أكثر من عشرين عامًا من ظهور المرض فى مصر عام 1995، أى جهود لحصر أعداد المصابين بشكل رسمى.
فالدراسة التى أجرتها الجامعة على عينة من مدن وقرى محافظة أسيوط بلغت 52 ألفًا و203 أفراد من الأهالى، أظهرت النتيجة وجود 40 مريضًا مصابًا بأمراض العضلات من خلال التشخيص الإكلينيكى، ورسم العضلات والتشخيص الباثولوجى، وكان معدل انتشار ضمور العضلات فى هذا البحث 76.6 شخص لكل 100 ألف شخص فى هذه الدراسة.
تجاهل أعدادهم أمر بات يؤرق المصابين بضمور العضلات وأسرهم، فتجاهل الدولة يهمش حياتهم ويعرضهم للوفاة بأعداد كبيرة دون حصولهم حتى على أقل الحقوق الواجبة فى الرعاية الصحية، مما جعلهم يقومون بإطلاق استمارات حصر - غير رسمية - من خلال المواقع الإلكترونية لحملة أطلقها مجموعة من المرضى تحمل اسم «مرضى ضمور العضلات» على مواقع التواصل الاجتماعى للضغط على الحكومة للاعتراف بوجودهم.
يقول أسامة حجاج الحبشى، أحد مؤسسى الحملة، «الاعتراف بالمرض يبدأ من ضغط المرضى أنفسهم على الحكومة وأجهزتها المعنية لجعلها ضمن أولويات الدولة، هذا بالإضافة إلى الجهود المطلوبة من السلطة التشريعية لضم مرضى ضمور العضلات ضمن فئة ذوى الاحتياجات الخاصة وذوى الإعاقة، وإتاحة المميزات الخاصة بنسبة ال5٪ للعمل والسكن لمرضى الضمور»، مضيفًا أن مصر تحتاج إلى جهود علمية وطبية كبيرة فى مجال الأبحاث الخاصة بالضمور لإتاحة الفرص لعلاج المرضى.
جهود حصر المرضى لم يقتصر على الفضاء الإلكترونى بل تحولت ميدانيًا من قبل أعضاء جمعية مرضى ضمور العضلات فى المحافظات المختلفة، وهى أول جمعية متخصصة فى مصر تم إشهارها فى مايو 2016.
تقول «شريفة مطاوع»، مؤسس الجمعية المصرية لمرضى ضمور العضلات، ورئيس مجلس إدارتها: «شعرت بمعاناة المرضى بعد التواصل بيننا على الإنترنت، خاصة أن عدد المصابين بعائلتى فقط بلغ 14 شخصًا، ولم يكن الأطباء يعلمون ماهية المرض إلا حديثًا، فإصابتى بدأت منذ أن كان عمرى 17 عامًا وحاليا أبلغ 43 عامًا، وعلى مدار هذه السنوات كان جهل الأطباء بالمرض عائقًا كبيرًا، فبدأت أجرب كل أنواع الأدوية وكانت تكاليف الأدوية مرهقة جدًا ماديًا».
واستطردت: «من هنا جاءتنى فكرة عمل جمعية تهتم بمرضى ضمور العضلات وتسعى لإنشاء صرح طبى متخصص لعلاجهم، وإنشاء دور رعاية خاصةً للمرضى الذين لا يوجد لهم عائل حتى ترعاهم بشكل آدمي».
وعلى الرغم من مرض «شريفة» وصعوبة انتقالها بين المصالح الحكومية، إلا أنها أصرت على الاستمرار فى إنشاء الجمعية، واستطاعت إشهارها فى مايو الماضى، وعن أهم المشكلات والعوائق التى تقابل مرضى ضمور العضلات قالت «الدولة لا تعترف بالمرض فهو من الأمراض المزمنة التى تتفاقم مع تقدم العمر، ولا يوجد معاش لهذه الفئة من المرضى، ولا تعتبرهم الدولة من ذوى الإعاقة، وأى شهادة تأهيل تصدر لأحد مرضى ضمور العضلات تقابل بمعوقات كثيرة أولها رفض الكومسيون الطبى توصيف المرض على أنه إعاقة، ويعلل ذلك بأنه مرض مزمن حالته غير مستقرة، على الرغم من معرفتهم أن المريض لا يمكن أن يتحسن بأى شكل، فقط يمكنه تأخير تدهور الحالة المرضية للضمور».
معاناة المرضى "ألم لا يتوقف"
ضمور العضلات لم يرحم معاناتهم وأخذ ينهش فى أجسادهم واحدًا تلو الآخر حتى صاروا مقعدين بأمره وتحت رحمته، ثلاث إخوات «عبدالناصر وياسر وحنان» من عائلة مصاب بها 14 فردًا حتى الآن فى السويس جميعهم أقارب من الدرجة الأولى أخ وأخت وابن عم وابن خال وأولادهم، المرض تسلل إليهم فى جينات وراثية وتسبب فى تدمير حياتهم الشخصية.
تقول والدتهم «أم ناصر» بدموع محبوسة وصوت أجش: «المرض أخد ولادى منى واحد ورا التانى، بدا بعبدالناصر وبعدين ياسر وبعدين حنان، أصعب لحظات حياتى لما أشوف واحد فيهم يقع ومش قادر يقوم ومستنى أى حد يساعده قاعدين فى البيت محدش فيهم يقدر يخرج ولا يشتغل.
وأضافت الأم المكلومة «المصيبة إننا حاطين إيدينا على قلبنا، العيلة فيها 14 واحد مصاب وخايفين على عيالهم ومش عارفين نعمل إيه، الدولة مش مهتمة ومفيش دكاترة قدروا على المرض».
عبدالناصر كان يعمل مدرسًا للرسم فى الصعيد قبل تدهور حالته الصحية، هرب من نظرة المجتمع الصعيدى باعتباره عاجزًا، وجاء إلى السويس فى محاولة لإيجاد حياة جديدة، خاصة بعد رفض الإدارة التعليمية فى محافظة سوهاج إعطاءه إجازة مرضية، وكانت تصر على وجوده الدائم بالمدرسة، يقول «ناصر»: «كانت بتصعب عليا نفسى لما أقع فى الصعيد فى وسط الشارع والعيال يضحكوا عليا، كنت ساعات بعمل نفسى قاعد على الأرض لغاية ما لاقى الدنيا فضيت وأتسند على الحيطة لغاية ما أقدر أقوم، جيت السويس بعد ما ساعدنى شخص إنى أنقل ليها وآخد أجازة مرضى بدل البهدلة، مرتبى يادوب بيكفى عيالى ال4 فى تعليمهم، والحمد لله عايش وراضى بس خايف من إصابة ولادى بالمرض اللعين».
تقول «نوال» زوجة عبدالناصر «عيلتى كلها مصابة بالضمور، وخايفة جدا على عيالى يجيلهم الضمور، إحنا عايزين الدولة تهتم بعلاج المرض عشان يعيشوا حياة جديدة بعيدًا عن إصابة أهاليهم مهما كلفنا الأمر».
وضع ياسر كان الأصعب فقد واجه صعوبة فى إجاد فتاة تقبل بالزواج منه حتى حظى بزوجته الحالية وأنجب منها طفلين ولدًا وبنتًا، يقول ياسر «قدرت آخد شهادة تأهيل المعاقين بالحب والمودة مش عشان إصابتى والكشف الطبى، لأنهم فى الأول رفضونى وقالوا المرض مزمن ومش مدرج ضمن الإعاقة، وبعد ما أخدت الشهادة اتعينت فى إحدى شركات القطاع الخاص إلا أنهم قالولى اقعد فى البيت ماتجيش وهنجبلك مرتبك لغاية عندك، فكانوا يجيبولى 450 جنيه من مرتب الأصل فيه 1500 جنيه، وإلا يطردونى من الشغل ومش هلاقى أكل لعيالي».
«حنان» لم تكن ضحية المرض فقط، فإصابتها ظهرت متأخرة بعد زواجها من أحد أقارب والدتها، وظلت 6 سنوات مع المعاناة الاجتماعية، بدءًا من زواجها إلى طلاقها، فنظرة المجتمع لها فى البداية على أنها «بتدلع» فى المشى وده «عيب وغلط» ولم يكتشفوا إصابتها بالضمور إلا بعد فوات الأوان، عندها بحث زوجها عن زوجة أخرى فهو يريد الإنجاب وزوجته لا تتحمل سوى مرض على عاتقها.
تقول «حنان»: لم أتحمل فكرة زواجه بأخرى تكون ضرة لى، وطلبت الطلاق فوافق على الفور، لم يكن مرضى هو القاتل بالنسبة لى بقدر نظرة المجتمع أننى أقل من غيرى، لكننى لم أستسلم، فبفضل الله ما زلت فى مرحلة جيدة أستطيع معها التحرك بمساعدة الأشخاص حولى ولم تصب يدى بالضمور حتى الآن، وأستطيع أن أقوم بأعمال منزلية خفيفة لا ترهقني.
مضيفة أنها قامت بالاشتراك فى أول جمعية متخصصة لمرضى الضمور وستقوم بكل واجباتها تجاهها حتى تستطيع أن توفر العلاج لجميع المرضى مجانًا.
وفى المعاناة أوجه أخرى حيث أصبح الحصول على شهادة تأهيل لمرضى الضمور مأساة تقابل بالرفض من قبل مكاتب الشئون الاجتماعية، فكل من عادل رجب من المنوفية وإنجى لؤى من القاهرة وغيرهما الكثير قوبلوا بالرفض من قبل وزارة التضامن الاجتماعى، مبررة أن المرض يمكنه التدهور والتغيير باستمرار وهو مرض ليس ثابتًا على طبيعته ما يسمح بتغير حالة المريض.
رحلة العلاج مع شيوخ النصب
vالعمة «سعاد عبدالمجيد» بالسويس لديها ابن وبنت وابن ابنتها مصابون أيضًا بالمرض، قالت إنهم حاولوا علاجهم فى جميع الأماكن بدءًا من الاطباء وصولا إلى الشيوخ والعلاجات الشعبية، إلا أن الأمر بات بالفشل، واستسلمنا للأمر الواقع قائلة: «جربنا كل أنواع الشيوخ من الصعيد إلى الإسكندرية، وكل أنواع العلاج، وروحنا لأكبر الأطباء وأخدوا عينات العضل من ولادنا وقالوا نسفرهم مصر، دفعنا كل اللى فلوس اللى طلبوها الأطباء والشيوخ وفى الآخر مالناش حل ولا أمل».
أما عائلة «حيدر» فى قرية الخلافية فى مركز جرجا بسوهاج صعيد مصر، كان لها أمر آخر من البحث فى كل طريق عن العلاج، لم يمل الأب حيدر أن يصرف كل ماله على خمسة من أبنائه المصابين بالضمور بعد نجاة ابنه البكرى والأخير من الإصابة، فكل من «تامر، أحمد، نبيل، ليلى، وابتسام» أصيبوا بالضمور فى وقت متأخر من أعمارهم، وكان الأطباء فى ذلك الوقت يجهلون ماهية المرض خاصة فى الصعيد، حتى أن أحد الأطباء وعز إلى الوالد الذهاب بهم إلى الشيوخ لقراءة القرآن فقد يكونوا مصابين بمس الجان، على حد قول الأب، وبتغيير عتبة المنزل فقد يكونوا محسودين.
يضيف «أحمد» البالغ 23 عاما: الشيوخ كانت تيجى من كل أنحاء المحافظات عشان تعالجنا ويوصفوا أى علاج بالزيت والأعشاب، لدرجة أنهم كانوا يأمرون بالاستحمام فى الفجر وقبل غروب الشمس فى عز أوقات الشتاء، وكانت مصاريفهم غالية قوى ومع ذلك أبويا ماكنش يبخل لعلاجنا».
تحدي المرض
ليلى كانت ثانى المصابين فى عائلة حيدر، إلا أنها لم تستسلم للمرض، خاصة بعد تشجيع أمها لها، والتى كانت تحثها على الحركة وعدم الاستسلام للأمر الواقع للمرض، فأخذت ليلى على عاتقها الألم وصعوبة الحركة واستمرت فى رحلة التعليم حتى استطاعت الحصول على معهد خدمة اجتماعية، وتسعى للوصول إلى الجامعة وتكملة دراستها.
تقول ليلى: «أصعب حاجة هى نظرة الشفقة اللى بتقابلك من كل الناس اللى حواليك حتى لو فيها حب، أنا مش بقدر أمشى قدام والدى عشان ما صعبش عليه، ومع ذلك بتمشى حوالين البيت فى القرية وأطلع جنب الزرع وأى حد من الأهالى يشوفنى بيحاول يشيل أى حاجز قدامى يمنعنى من الحركة».
ليلى لم يمنعها المرض من متابعة الأخبار على الإنترنت ومشاركة المرضى همومهم، كما أنها تكتب الشعر والقصص القصيرة وتحلم بنشرها.
أما «الزهراء الشحات» من محافظة الغربية، إصابتها بالضمور - منذ عمر ال8 سنوات على الرغم من عدم إصابة أحد فى أسرتها أو عائلتها بالمرض - أخرجتها سريعا من مرحلة التعليم، فبدأت مراحل البحث عن العلاج مبكرًا حتى وصلت إلى عمر ال35 عاما محملة بالصبر والمقاومة.
تقول الزهراء «معاناتى مع الضمور منذ طفولتى أعطتنى قوة للصبر، ولم أستسلم للمرض ولم أرض أن أكون على هامش الحياة».
فاستمرت الزهراء على مواظبة التعليم الذاتى لنفسها بعد خروجها من المرحلة الابتدائية، واستطاعت أن تحول عجزها الحركى إلى قوة تساعد بها الآخرين على التعلم، فبدأت تدريس طلاب المرحلة الابتدائية ثم تدرجت إلى طلاب المرحلة الإعدادية حتى باتت الزهراء أهم مدرسة متطوعة لتدريس الطلاب فى مدينتها.
تقول «الزهراء»: «يوم نتيجة الطلاب بتبقى فرحتى بالدنيا، والحمد لله علاقتى معاهم كلها حب ومودة لدرجة أنهم متعلقين بيا حتى بعد ما ينتقلوا للثانوي».
أمل العلاج
على الرغم من قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 بإمكانية علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة، فإن علاجهم يكون داخل وخارج الجمهورية، على حسب ما توصى به حالة المريض، وطبقا لقرارات الهيئات المنظمة لذلك من وزارة الصحة والمجالس الطبية المتخصصة إلى مجلس الوزراء، إلا أن محاولة مرضى ضمور العضلات الحصول على علاج على نفقة الدولة داخل مصر بات بفشل زريع، فطلب العلاج على نفقة الدولة لكل من أحمد محمد عبدالعاطى بتاريخ 23 يناير 2016، وعمرو السعيد محمد جمعة بتاريخ 16 مارس 2016، وخالد إبراهيم عبدالسلام فى 24 يناير 2016، وغيرهم كثيرون، قوبل بالرفض من قبل المجالس الطبية المتخصصة، وكان المبرر عدم إدراج ضمور العضلات داخل بروتوكول العلاج على نفقة الدولة، وأنه ليس من الأمراض ذات الأولوية طبقًا للقرار الوزارى 290 لعام 2010.
قرارات الرفض قابلها أسامة حجاج، مؤسس حملة مرضى ضمور العضلات، مستنكرًا وعود وزير الصحة لهم بالعلاج قائلا: «وزير الصحة قال لنا بالحرف الواحد إن الوزارة سوف تتحمل كل شيء يخص مريض ضمور العضلات وثبت عكس ذلك برفض إجراء الفحوصات الطبية لتحديد نوع الضمور والتى تتكلف 3500 جنيه على الأقل غير مصاريف المريض نفسه فى الانتقالات والحركة»، قائلا: «الدولة لا تعترف بنا كأصحاء، ولا كمعاقين، ولا كمرضى، على الرغم من معاناة المرضى الذين يعانون صعوبة فى كل شيء فى حياتهم بدءًا من الحركة إلى الأكل والشرب وصعوبة التنفس».
ففى وقت سابق من عام 2016 أعلنت الحكومة المصرية ممثلة فى د. أحمد عماد، وزير الصحة، بعد الاجتماع مع ممثلى ضمور العضلات باعتماد 70 مليون جنيه فى خطة الوزارة والتى تبدأ فى يوليو القادم لتوفير مكان لمرضى ضمور العضلات بمعهد الجهاز العصبى والحركى، لتلقى الخدمات الطبية، بدون مقابل مادى، حيث يعد هو المكان الأمثل كنقطة بداية، وقال وزير الصحة إنه سيتم اعتماد خطة لحصر أعداد المرضى، وإنشاء سجل بيانات لهم، تمهيدًا لإجراء البحوث الطبية اللازمة فى مصر، ومن ثم اكتشاف الأنواع والعلاج للمرضى.
أمل الحصول على العلاج ليس أمنية أخيرة لمرضى ضمور العضلات، لكنه أمل يحيون من أجل تنفيذه للأجيال القادمة، خاصة أن بعض أبنائهم مصابون بنفس المرض، ولا يمانع كل من أسامة، وشريفة، وأسرة ناصر عبداللطيف، وغيرهم الكثير، أن يكونوا بذرة التجارب السريرية للأبحاث فى مصر، وأن يكونوا حقلًا للتجارب على أى أدوية وعلاجات قد توفر ولو أملا بسيطا لاستعادة أطفالهم حياتهم من جديد.
تقول د. رشا الشريف، مسئولة السجل الوطنى لأمراض العضلات فى مصر عن الجمعية العالمية لمرضى ضمور العضلات، والباحثة لدى المعهد الوطنى للعلوم العصبية باليابان: «علاج ضمور العضلات أمل يتمناه المرضى وأسرهم، إلا أن التقدم أصبح ملموسا فى الدول المتقدمة والتى تجرى أبحاثا حول المرض والمرضى، خاصة من خلال التجارب السريرية فى اليابان، والتى تمت تجربتها على مرضى الدوشين ونجحت فى إثبات فعالية أحد الأدوية يسمى ب«ترانسلارنا» - منحت وكالة الأدوية الأوروبية الضوء الأخضر لاستخدامه فى 2014، إلا أن عمل العقار، يقتصر على علاج المصابين بما يعرف طبيا ب«الطفرة الهرائية»، وهم يشكلون نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15 فى المائة من المصابين بداء الضمور الدوشين فقط.
وأضافت «الشريف» أن هناك أنواعًا أخرى من ضمور العضلات يتم استكمال مراحل التجارب السريرية فى معاهد الأبحاث المتخصصة، مما يجعل هناك مزيدًا من الأمل لاستحداث علاج جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.