لا تخلو حكومة فى العالم من الفضائح السياسية، ولعل أشهرها فى تاريخ الولاياتالمتحدة فضيحة ووترجيت فى عهد الرئيس الأمريكى الراحل ريتشارد نيكسون، وبريزم فى إدارة باراك أوباما، واعتمدت كل منهما على توجه واحد وهو الطبيعة التجسسية لواشنطن سواء فى الداخل أو الخارج. وتمر الذكرى ال30 لفضيحة «إيران كونترا» التى وقعت أثناء تولى رونالد ريجان رئاسة أمريكا، وحتى الآن يحاول المراقبون فك طلاسمها ومعرفة الحلقة المفقودة حولها وما وراء الاتفاق الذى تم بين الأمريكانوالإيرانيين فى 1986 والتى بمقتضاها حصلت طهران على أسلحة أمريكية وكانت حلقة الوصل آنذاك إسرائيل رغم كل ما كانت تعلنه الجمهورية الإسلامية منذ قيام الثورة من عداء تجاه تل أبيب. ووفقا لمركز جلوبال ريسرش الكندى فإن الاتفاقات التى تمت وقتها كانت فى حضور جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان ورئيس الوزراء الإيرانى أبوالحسن بنى صدر وآرى بن مينشيه المندوب عن المخابرات الإسرائيلية الخارجية «الموساد»، الذى كان له دور رئيسى فى نقل تلك الأسلحة من إسرائيل إلى إيران، حيث تم إرسال 96 صاروخا من نوع تاو من إسرائيل إلى إيران على متن طائرة DC-8، إضافة لدفع مبلغ مقداره مليون و300 ألف دولار أمريكى إلى الإيرانيين لحساب فى مصرف سويسرا يعود إلى تاجر سلاح إيرانى يسمى جوربانيفار، وتم إرسال 18 صاروخا تم شحنها من البرتغال وإسرائيل، وبعدها 62 صاروخا آخر أرسلت من تل أبيب. الناجى الوحيد من طائرة الأسلحة القصة تحمل الكثير من الأسرار والحلقات المفقودة والصفقات الغامضة حيث بدأت خيوطها فى الانكشاف عندما تم إطلاق النار على طائرة تحمل أسلحة لقوات الكونترا من السلفادور فوق نيكاراجوا، لتكشف ما يعرف باسم «إيران كونترا» حيث قتل ثلاثة من ركاب الطائرة منهم وليام كوبر، والاس سوير وجثة مجهولة الهوية، وكانت نجاة يوجين حاسنوف هى السبب وبشكل كارثى فى تلك الفضيحة لإدارة ريجان، وتم تسريب الأحداث فى البداية فى صحيفة لبنانية وعقد النائب العام إدوين ميس مؤتمرا صحفيا يكشف أن ثوار الكونترا وهى الحركة المعارضة لثوار نيكاراجوا حصلوا على الأسلحة والتدريب من الولاياتالمتحدة ووكالة الاستخبارات المركزية، وخاصة فيما يخص تكتيكات حرب العصابات مثل تدمير عناصر البنية التحتية وعمليات الاغتيال، وهو ما يحدث حتى الان من تمويل الولاياتالمتحدة للحركات المعارضة فى دول العالم لنشر الخراب والتدمير. وبحسب التقرير فإن فضيحة إيران كونترا ومعرفة ملابساتها وحقيقتها تفتح نافذة على التاريخ السرى لأمريكا والذى يتجاهله العالم، وكانت أصول إيران- كونترا هى ضمن الحروب السرية من البدايات الأولى للحرب الباردة والتى توجد بها الأشياء التى لا تزال محتجزة عن كتب التاريخ مثل تجنيد الفاشيين فى أوروبا وآسيا، وتكشف دور وكالة المخابرات المركزية فى تجارة المخدرات العالمية والحرب الكورية، وخليج الخنازير، واغتيال كينيدي، وحرب فيتنام، وفضيحة ووترجيت، وغيرها من الأحداث العميقة. وقد فتحت نجاة حسانوف ملفات ال80 دولة الفاشية المدعومة من الولاياتالمتحدة مثل جواتيمالا والسلفادور وغيرها، وكان ثوار كونترا سعداء لجمع الأموال من وكالة المخابرات المركزية وذلك لشن الحرب فى بلادهم وإثارة الفوضى، وكان دانيال شيهان هو أكثر قطعة مثيرة فى اللغز، وهو عضو فى الكونترا، فضلا عن الناجى الوحيد من طائرة الأسلحة المتجهة إلى إيران حسانوف وبدأ التحقيق مع كليهما والذى كشف عن وجود شبكة واسعة من تجار المخدرات والجواسيس، والجواسيس السابقين، وتجار الأسلحة، والقوات الخاصة والمرتزقة، ووصف شيهان سر ثوار كونترا والعلاقات مع إيرانوالولاياتالمتحدة، حتى إنه قرر كل من جوناثان مارشال وبيتر ديل سكوت وجين هنتر كتابة كتاب حول إيران كونترا وكان عنوانه «إيران كونترا: الفرق السرية والعمليات المشبوهة فى عصر ريجان»، وهو ما فتح المجال أيضا للعلاقات الغامضة بين إدارة ريجان والجماعات الإرهابية فى العالم ومنها طالبان والقاعدة. الحلقة المفقودة بعد 30 عاما واصلت عملية إيران كونترا فى تشكيل العالم وصولا إلى عملية «الحرب على الإرهاب»، وبالتالى لأولئك الذين يرغبون فى معرفة كيف يمكن للعالم أن يعمل حقا فإن إيران-كونترا توفر نافذة وجيزة على العالم الغامض من الجواسيس والمصرفيين والممولين والمرتزقة وتجار الأسلحة والفاشيين والإرهابيين وتجار المخدرات، وإمبراطورية الفوضى التى توظف لشن حروب قذرة لا نهاية لها، وستظل إيران كونترا مكانا ممتازا للبدء منه لأولئك الذين يسعون لكشف «التاريخ السري» فى العالم، والتى فتحت الحروب فى العراق وليبيا، وسوريا، وأوكرانيا وغيرها وستوصل العالم إلى الحرب العالمية الثالثة. الفضيحة تدور حول حقيقة أن الأسلحة كانت تباع لإيران من خلال الأمريكان والإسرائيليين والتى يفترض أنها العدو اللدود بهما والأسوأ من ذلك، أنه يجرى تداول الأسلحة عن طريق الإدارة الأمريكية التى كانت دائما تدعى أنها لم تعقد صفقات مع الإرهابيين وأنها تعمل على مكافحة الإرهاب فى جميع أنحاء العالم، ولكن فى الواقع كان التمويل كبيرا وخاصة فى عهد ريجان، وكان الأمريكانوالإيرانيون يدعمون الكونترا سيئة السمعة والمعروفة بالفظائع الوحشية التى نفذت فى نيكاراجوا والتى تشبه كثيرا ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابى فى المنطقة من اغتصاب واغتيال وقتل وتدمير وسرقة وغيرها من جرائم الحرب اللاإنسانية، والتى تعد حربا غير تقليدية وبالوكالة فى مناطق معينة من العالم لإثارة الفتن وزعزعة الاستقرار. إدارة ريجان تحدت علنا الكونجرس واستمرت فى مساعدة الكونترا، وبطبيعة الحال، حصلت على أسوأ فضيحة سياسية وتم الحرص على عدم ظهور بعض الجوانب والكشف عنها فى وسائل الإعلام، إلا أن الصحفى روبرت بارى قدم القصة الحقيقة للكونترا والتى كانت متورطة بشدة فى تهريب المخدرات، وهكذا ريجان، الذى كان قد أطلق تكثيفا واسع النطاق للحرب على المخدرات، إلا أنه كان يدعم فى السر تجار المخدرات والكونترا وطالبان والقاعدة. إيران كونترا كشفت الشبكة الدولية من الوكلاء والفاشيين، وتجار الأسلحة، وشبكات المخدرات والإرهابيين وفرق الموت والمرتزقة، ودور وكالة المخابرات المركزية «CIA» والفساد السياسي، وغسل الأموال والسرقات والاغتيالات والهجمات الكاذبة على الإرهاب وحملات التضليل فى وسائل الإعلام، وجماعات الضغط الخارجية، والحروب السرية. ووفقا للتقرير فإن إيران كونترا كشفت دور كل من وكالة الاستخبارات المركزية «سى أى إيه» جنبا إلى جنب مع الموساد والمخابرات البريطانية وغيرها فى تدريب الشرطة السرية فى إيران «السافاك»، وعلاقتهم مع تجار الأسلحة الذين كانوا عملاء للموساد وكانت إسرائيل لاعبا رئيسيا فى تلك الصفقات مع طهران، وخاصة فى عهد ريجان الذى خلق حالة من الفزع حول التهديدات الإرهابية التى لا وجود لها والنابعة من الشرق الأوسط. الدور الإسرائيلى أمر مفروغ منه فى فضيحة إيران كونترا، حيث إن الإسرائيليين كانوا يأملون فى جعل الحرب الإيرانيةالعراقية مدمرة لكلا البلدين باعتبارها مرحلة مهمة فى خططها لبلقنة الشرق الأوسط، مع الولاياتالمتحدة وحلفائها والتى بدورها أدت إلى ويلات الحروب على لبنان، والعراق، وليبيا، وسوريا.