تولى الدكتور بطرس بطرس غالى مهام منصبه كسادس أمين عام للأمم المتحدة مطلع يناير 1992، واستمر حتى عام 1996 بقرار من الجمعية العامة فى 3 ديسمبر 1991، ليصبح أول عربى يتولى هذا المنصب الرفيع. لم يكن وصول بطرس غالى لهذا المنصب سهلا، فقد جاء تكليلا لجهود كبيرة بذلها الوفد المصرى عام 1992، برئاسة السفير نبيل العربى مندوب مصر لدى الأممالمتحدة آنذاك، والأمين العام الحالى لجامعة الدول العربية، وبمساندة فرنسية قوية وبعد تردد الولاياتالمتحدة وبريطانيا بشأن ترشيح غالى وكان عدد المرشحين لتولى هذا المنصب ستة أشخاص، أبرزهم الرئيس النيجيرى الأسبق اللواء «أويسنجو»، ووزير خارجية زيمبابوى الدكتور «تشيدزيرو»، وكانت فرصة الرئيس النيجيرى أكبر لكون بلاده هى رئيس منظمة الوحدة الإفريقية. فاز غالى بالمنصب بعد حصوله على 11 صوتا، وامتناع دولة واحدة عن التصويت، وقال الدكتور نبيل العربى إنه يعتقد أن الولاياتالمتحدة هى الدولة التى امتنعت عن التصويت، وحينما أرادت مصر التجديد لبطرس غالى لولاية ثانية، رفضت الولاياتالمتحدة هذا المطلب، وساقت السفيرة الأمريكية «مادلين أولبرايت»، مبررات الولاياتالمتحدة للوفد المصرى منها: «أن غالى كثير السفر، وعنيد وصعب المراس، ولديه آراء محددة، والولاياتالمتحدة تمارس عليه ضغوطا حتى يتماشى مع سياستها، كما أن الولاياتالمتحدة لا تقبل هذا النوع من الأشخاص». تردد فى أروقة الأممالمتحدة فى ذات الوقت أن تقرير مذبحة قانا الذى أعده الدكتور بطرس غالى وفضح به جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى جنوبلبنان التى راح ضحيتها 106 من المدنيين، أحرج إسرائيل أمام الرأى العام، وأزعج الولاياتالمتحدة، حيث اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل، ولكن الولاياتالمتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض «فيتو»، وأدى هذا كله إلى اعتراض الولاياتالمتحدة على التجديد له، وهو ما رجحه الدكتور نبيل العربى فى كتابه «صراع الدبلوماسية»، ورفضت مصر بعدها المضى قدما فى خطوات ترشيح غالى لولاية ثانية، حتى لا تخسر كوفى عنان التى أجمعت القوى الدولية عليه. فى حورا سابق له على قناة «الجزيرة»، قال الدكتور بطرس غالى: «إن ضغوطا مورست عليه من واشنطن بشكل غير مباشر، وأن مصر ليس لديها مصلحة لنشر هذا التقرير، وأن التقرير سوف يضر بمصلحة شيمون بريز فى الانتخابات الإسرائيلية آنذاك»، أما عن الدور الذى لعبه أثناء توليه الأمين العام فقد قرر وضع رؤية خاصة وموسعة للتنمية، وعقد سلسلة من المؤتمرات التاريخية، منها مؤتمر القمة المعنى بالنهوض الاقتصادى بالمرأة الريفية الذى عقد فى جنيف فبراير 1992، ومؤتمر الأممالمتحدة المعنى بالبيئة والتنمية الذى عقد فى ريو دى جانيرو فى عام 1992، والمؤتمر العالمى لحقوق الإنسان المعقود فى فيينا فى عام 1993، وكانت رؤية بطرس غالى وقتها أن هذه السلسلة من المؤتمرات تعد نسقا متصلا يوفر فرصا فريدة لرفع مستويات الوعى ووضع القواعد والمعايير. دعا غالى إلى قيام الأممالمتحدة بدور داعم قوى فى التحول الديمقراطى الذى أمسى الطابع الذى تتميز به فترة ما بعد الحرب الباردة. واستجابت الأممالمتحدة إلى نداء 40 دولة لمساعدتها فى تنظيم الانتخابات الديمقراطية والإشراف عليها، وأن وجود ما يزيد على 2001 مراقب فى انتخابات جنوب إفريقيا فى إبريل 1994 قد جعل هذه العملية أكبر عملية مساعدة انتخابية قامت بها الأممالمتحدة فى تاريخها، إذ أدركت الأممالمتحدة أن الديمقراطية أكبر بكثير من مجرد عقد انتخابات حرة ونزيهة، قامت أيضا بوضع برامج مختلفة للتعاون فى ميادين تطوير المؤسسات الديمقراطية، وسيادة القانون، والمشاركة العريضة لأفراد الشعب. زد على ذلك أن أفضل دعم للديمقراطية لا بد أن يتمثل فى إضفاء الديمقراطية على الحياة الدولية، الأمر الذى توخاه الأمين العام طوال فترة ولايته. وقد شكلت الأزمة المالية التى عانت المنظمة بسبب عدم سداد الأنصبة المقررة فى الميزانية العادية، وفى عمليات حفظ السلم فى حينها خطرا على فعالية العمليات التى تقوم بها المنظمة. كلف الأمين بطرس غالى بإعداد عدد من الدراسات تهدف إلى ضمان أن تكون الأممالمتحدة قادرة على مواجهة تحديات الخمسين سنة القادمة. وقد اضطلع بطرس غالى ببرنامج لإعادة التشكيل الهيكلى والإصلاح يهدف إلى تقليل عدد الوظائف الرفيعة المستوى فى الأمانة العامة والأخذ باللامركزية فى ميدان صنع القرارات والحد من التكاليف وأوجه القصور الإدارية، إلا أن قدرة الأممالمتحدة على التصدى للعمليات الواسعة الانتشار كانت ولا تزال موضع قلق بالغ من جانب غالى. وقد سافر الأمين العام بطرس بطرس غالى إلى ما يزيد على خمسين بلدا ليمثل الأممالمتحدة وليعرض مساعيه الحميدة فى تعزيز قضية السلام. وفى ديسمبر 1992، كان أول إنسان غير كورى يعبر المنطقة المنزوعة السلاح من سيول إلى بيونج يانج. كما كان له دور كبير فى تعزيز أهداف السلم والتنمية والديمقراطية موضع اعتراف، وتمثل ذلك فى الاعتراف فى عدة درجات فخرية وجوائز منحت له، فقد منح دكتوراه فى القانون من معهد الدولة والقانون التابع لأكاديمية العلوم الروسية بموسكو (سبتمبر) ودكتوراه فخرية من معهد الدراسات السياسية بباريس (يناير 1992)، وجائزة كريستيان أ. هيرتر التذكارية المقدمة من مجلس الشئون العالمية، ببوسطن (مارس 1993)؛ ودكتوراه فخرية من جامعة لوفين الكاثوليكية، ببلجيكا (إبريل 1993)؛ وجائزة «رجل السلام» المقدمة من مؤسسة «المتآزرون من أجل السلام» التى يوجد مقرها بإيطاليا (يوليو 1993)؛ ودرجة دكتوراه فخرية من جامعة لافال، بكيبيك (أغسطس 1993)؛ وجائزة آرثر أ. هوتون الابن المعروفة بجائزة «ستار كريستال للامتياز»، والمقدمة من المعهد الإفريقى الأمريكى، بنيويورك.