ماسبيرو.. حينما تسمع هذا الاسم عليك أن تشعر بحالة فخر لوجود هذا المبنى ضمن ممتلكاتك العامة ...أكثر من نصف قرن يظل شامخا ببنايته الهندسية الرائعة وبتاريخه المشرف فى نشر الوعى والثقافة وفى التعبير عن ما يجول فى خاطر الشعب المصرى فى كافة المجالات ...لكن؟ هل ما زلت تشعر بتلك الحالة ؟ هل أنت فخور بماسبيرو مثلما كنت ؟ أو حتى لمن لم يعرف تاريخ هذا المبنى من الأجيال الجديدة، وليدة برامج الفضائيات الخاصة وهم كثر ...هل يعرفون شىء عن أهم جهاز إعلامى فى أفريقيا والشرق الأوسط؟... الإجابة ستكون صادمة للكثيرين للأسف الشديد. لقد ظلم هذا المبنى على أيدى أبنائه وعلى الحكومات المتوالية بعد ثورة يناير...وترك المبنى بتاريخه وأهميته فى دواليب الروتين مغللا وتحت الأسر... صارخا يوما بعد يوم أن تحل قيوده وأن يعود لسابق عهده كأهم منارة إعلامية تخرج من خلالها عظماء فى مجالى الإذاعة والتليفزيون. لا أجد فى مشروع (هيكلة ماسبيرو) المزمع أى معلومة تبشرنى عما تخطط له الدولة فى إعادة ماسبيرو لسابق عهده ... كل ما نعرفه تحول ماسبيرو لشركات خدمية تعتمد ذاتيا على نفسها فى التمويل المادى ... وهنا تكمن الأزمة الحقيقية فى ظل التعتيم على خطة الدولة لهيكلة ماسبيرو... القلق يتزايد لدى العاملين ... وبجاحة إعلاميي الفضائيات الخاصة تزداد بالتطاول على ماسبيرو وأبنائه يوما بعد يوم ... دون أن نعي ما هى خطة الهيكلة وثمارها المستقبلية. قد يعتقد البعض أن 37 ألف عامل بالمبنى هم الأزمة الحقيقية، وهم الحجر العثر فى خطط النهوض بماسبيرو المستقبلية ...غافلون أن المبنى توقف عن التعيين وقبول كوادر جديدة منذ ثورة يناير؛ لتقل العمالة يوما بعد يوم فقد تصل ل 18 ألف عامل فى عام 2018 بعد أن كانت 45 ألف عامل قبل ثورة يناير... وتلك الأرقام تؤكد أن عدد العمالة بالمبنى ليست هي الأزمة الحقيقية، كما يصورها هؤلاء...خاصة إذا ما دققت فى أسمائهم وتوجهاتهم والفضائيات الخاصة التى ينعمون بخيراتها . قد نلقى التهم لما وصل له المبنى على قياداته أو على أبنائه العاملين به أو على الدولة ... وهنا لا ألوم أحد فكلنا مشاركون فيما وصل له ماسبيرو ... ولكن تكمن الأزمة الحقيقية فى طريقة تعامل الدولة مع ماسبيرو، وكأنها تتخلى عن أهم مؤسسة إعلامية لا تحتاج سوى الدعم المعنوى قبل المادى ومحاسبة المخطئ وإثابة المبدع ... لكن أن يظل ماسبيرو دافعا لرواتب قيادات وعاملين دون محاسبة على ما أنجزوه من برامج وحملات توعية ونشر الثقافة والوعى وربط الجمهور بشاشاته ... سنجد سماسرة الإعلام الخاص يدسون سمومهم فى عروق هذا المبنى طامعين وطامحين فى انهياره لصالح قنواتهم وأفكارهم . لك أن تتخيل أن تلك الفضائيات تتحكم فى سوق الإعلانات بشكل احتكارى لا يخضع لمعايير سوى معيار أن من يملك الشركات المعلنة هو من يملك تلك الفضائيات ... وهنا تعلو الصيحات بأن ماسبيرو لا يلقى نسب مشاهدة وأن المبنى عجز عن خدمة المشاهد وأن تلك الفضائيات تعبر عن جموع الشعب المصرى وقيمة وأخلاقه ومبادئه وثقافته وأحلامه و...و ... و يتسابق إعلاميوها بالعزف على أوتار سقوط ماسبيرو لصالح قنواتهم. متناسين أن معظم البرامج التى تقدم على شاشاتهم ما هيا إلا إعادة تدوير لبرامج ماسبيرو السابقة أو برامج أجنبية قاموا بشراء حقوق نسختها المعربة دون أى وعى بثقافة مجتمعنا، وتأثير تلك البرامج على شبابنا وثقافته ووعيه وأخلاقه ... نعم هناك العديد من البرامج التى تدافع عن الهوية المصرية وثقافتها فى تلك الفضائيات ولكنها لا تأخذ نفس حيز الإهتمام مثل تلك البرامج المستنسخة. ماسبيرو يحتاج لإعادة تعريفه وماهيته ...هل هو إعلام خدمى يقدم برامج تخدم مشاهديه وتساعد على نشر الثقافة والوعى على غرار برامج (العلم والإيمان - عالم الحيوان- فن الباليه – سر الأرض )... أم هو إعلام تجارى يهدف للربح ويقدم برامج تجذب الجمهور للمتعة والتسلية ... أم هو إعلام يسعى لخلق الفتن ونقل السباب والتشابك بالأيدى والصراخ على شاشاته ؟.