في البداية يجب أن تعلم جيدًا أن الخوف من الحرب أسوأ من الحرب نفسها، فالمنافسة الإعلانية بين «جوجل»، و«فيسبوك»، و«آبل»، التي لن تنتهي قريبا، بل يشتد وطيسها مع مرور الوقت، تدمر صناعة النشر الإلكتروني، فمثلما تقاتل الأفعى دفاعًا عن حياتها فالصقر يقاتل ليتناول غداءه. والمثل القديم القائل «على قد لحافك مد رجليك»، وقاعدة «بدون تخطيط تسوء الأمور وأي شيء غير ذلك لا يزيد عن كونه أضغاث أحلام» منطلقان يلخصان الطرح الذي بنينا عليه محاولتنا على مدار أربع مقالات، للسعي والتكاتف معًا، للحفاظ على مستقبل الصحافة الإلكترونية. أعلم جيدًا، كيف تعاني المواقع الإخبارية الصغيرة ومتوسطة الحجم، بسبب ضعف التمويل ومصادر الدخل، ولتلك المؤسسات الصغيرة نكتب، لأنه سيظل دائمًا وأبدًا أعظم أسرار النجاح أن تفسح الطريق أمام كل إنسان يطلب النجاح، لذا خصصنا مقالنا الذي نحن بصدده، لشرح كيفية تحقيق الربح الذي يحفظ استمرارية المنافسة بين المواقع الإخبارية المختلفة، ويرسخ للكيان المؤسسي الفريضة الغائبة في الإعلام الإلكتروني. قبل أن تقرأ عليك أن تعلم أن المشهد برمته له جانبان أساسيان، أولهما الصراع بين «جوجل» و«فيسبوك» على إعلانات الإنترنت في متصفحات الويب، وبين «جوجل» و«آبل» في تطبيقات المحمول، وكلاهما يؤثران بالسلب والإيجاب على مصادر الدخل للمواقع الإخبارية. في الجانب الأول، يتصارع «جوجل» و«فيسبوك»، للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من إعلانات الإنترنت، شرحنا حجم المعركة بينهما في مقال سابق، واتفقنا على أن «جوجل» يمتلك سياسات تستوعب طموحات المواقع الإخبارية، لكن دائمًا المعضلة في أسعار الإعلانات البخسة التي يتم تداولها داخل مصر، عكس ما يحدث في لندن والولايات المتحدة والهند وجنوب إفريقيا، وأقل كثيرًا من الإمارات والسعودية، وهو ما دفع كثيرين إلى التقليل من أهمية إعلانات «Google Adsense»، لقلة العائد، رغم أنها قد تكون مصدرًا جيدًا يلبي الاحتياجات المادية. في الجانب الثاني، ستجد معركة من نوع خاص بين «جوجل» و«آبل»، متعلقة بإعلانات تطبيقات المحمول، حيث لجأت «آبل» إلى تقنية جديدة في نظام تشغيل أجهزة «آيفون»، لحجب إعلانات «جوجل» نهائيًا، بهدف التأثير على أرباحها، وعرقلة مسيرتها، وهو ما أثر كثيرًا على الصحافة الإلكترونية خصوصًا التطبيق العملاق «Apple News»، وتستفاد «آبل» فقط من الإعلانات المطروحة عليه. الإجراءات التي اتخذتها «آبل» ضد «جوجل»، استفاد منها «فيسبوك» عبر تطبيق المقالات الفورية «Instant Articles»، الذي استطاع اختراق الحجب. وبعيدًا عن التفاصيل التقنية المعقدة، يجب أن يعلم صناع المواقع الإخبارية أن الموت ينتظر الجميع ما لم نتمكن من توحيد الجهود، لإخراج صيغة تفاهمية مع تلك الكيانات خصوصا مع «جوجل» العملاق الأكبر في عالم الإعلانات، في ظل اتجاه الصحافة الإلكترونية إلى التلفزة، والاعتماد على الفيديوهات بشكل أكبر، وهو يحتاج إلى منظومة مثل «جوجل» يمكن أن نربح من خلالها عبر الإعلانات على عملاق الفيديو «يوتيوب». لكن ماذا ستطلب المواقع الإخبارية من «جوجل».. في الحقيقة ليس هناك مطالب كثيرة، فالمطلب الأهم ينحصر في رفع أسعار الإعلانات، وخفض نسبة «جوجل» منها، ويمكن تحقيق ذلك بمنتهى السهولة، إذا ما أقمنا حوارًا حقيقيًا وفعالاً. لست قلقًا من الصورة المظلمة التي قد تظهر، رغم محاولات «جوجل» و«فيسبوك» و«آبل»، لتحجيم السوق الإعلانية، وحصرها على تطبيقاتها ومتصفحاتها، بهدف إضعاف المواقع الصغيرة، واقتسام الأرباح مع منتجي المحتوى الرقمي، فالحلول كثيرة، لمن يعي ويتدبر. السؤال هنا.. كيف تتمكن المواقع الإخبارية من التأقلم مع الوضع بعيدًا عن الموت، وهو المصير الذي ينتظرها؟ هنا أصبح من الضروري إعطاء نبذة عن وسائل تحقيق الربح. الإعلان يعد المصدر الرئيسي لتمويل الصحف منذ نشأتها، وفي النشر الإلكتروني يكون الإعلان نوعين «مباشر، وغير مباشر». بالنسبة للإعلان المباشر، فيتم بالطريقة المعتادة وفقًا لعلاقات المؤسسات الصحافية بالمعلنين، وحجم الموقع الإخباري، وزواره، والكثير من الحسابات، التي يتم تحليلها بدقة، مثلما يحدث في الصحافة الورقية، فالصحف التي تمتلك جمهورا عملاقا تزيد فيها أسعار الإعلانات عن غيرها، وفي الوقت نفسه قد تجد إعلانات باهظة الثمن، على صفحات صحف مجهولة، وغالبًا ما تأتي بسبب العلاقات المتميزة، بين إدارة التسويق وتلك المؤسسات. أمام الإعلانات غير المباشرة، وفقًا لتصنيفي، فتنقسم إلى نوعين، أولهما إعلانات «جوجل»، التي سبق وشرحنها في هذا المقال، ومقالات سابقة يمكن الاطلاع عليها عبر الروابط التالية. النوع الثاني، وهو إعلانات «Pop - up»، وتظهر على شكل نوافذ منبثقة، باستخدام «Java»، و«Adobe Flash»، وتجلب ربحًا جيدًا بعض الشيء، رغم اعتبارها إعلانات فضولية، يحاول كثير من المتصفحات منعها، بسبب احتمالية فتح مواقع معلن عنها، لا يرغب فيها القار «Pop – up»، يستخدمها كثير من المواقع الإخبارية، لجلب الزيارات الوهمية، لتحسين ترتيبها في موقع «alexa.com»، نظرًا لرخص ثمنها بالمقارنة بالحملات الإعلانية على المواقع الأخرى، فالمليون زائر يساوي ألف دولار فقط، لكن لا يوجد عدد كبير من المواقع تستخدمه لجني الأرباح. الخدمة المدفوعة لجأت بعض الصحف إلى تقديم خدمات إخبارية مدفوعة الأجر، بحيث تطلب من زوارها سداد رسوم اشتراك مقابل زيارة موقعها مثلما تفعل «نيويورك تايمز» في بعض المواد الصحافية الخاصة، والتحليلات الإخبارية والحوارات المهمة. الرسائل النصية تعد موردًا مهمًا في الفترة الحالية، حيث تعرض المواقع الإخبارية إرسال الأخبار المهمة والعاجلة، للمشتركين في تلك الخدمة، مقابل رسوم اشتراك تتقاسمها مع شركات المحمول. قد يكون هذا المورد غير ثابت، وقد يندثر خلال السنوات القليلة المقبلة، نظرًا لانتشار تطبيقات مثل «سكايب» و«فايبر» و«لاين»، إلا أنه سيكون من المجحف إهمالها. الشراكة الإعلامية مورد أساسي وضخم غير مستغل نهائيا، ولا توجد بوادر لاستغلاله، ويحتاج لحلقة خاصة لتوضيح كيفية الاستفادة منه، مثلما تفعل المؤسسات الصحفية في دول مثل الإمارات، التي تعتمد ميزانيتها على حجم المؤتمرات التي تشارك فيها، باعتبارها مصدرًا أساسيًا للربح. وللحديث بقية.. مع أطروحات جديدة. للتواصل: [email protected] مقالات تهمك مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية «1» لماذا «جوجل» منقذ الصحافة الإلكترونية؟ «2» لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع «جوجل»؟ «3»