علمتنا الحياة أن «الفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب»، و«السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة»، و«إصلاح الموجود خير من انتظار المفقود»، ومن هذا المنطلق أخذنا زمام المبادرة لوضع تصور أفضل لمستقبل الصحافة الإلكترونية في مصر خلال المرحلة المقبلة. طرحنا فى المقال السابق مبادرة لإقرار بروتوكول تعاون بين المواقع الإخبارية، و«جوجل»، كمحاولة لتحقيق مكاسب مرضية، خصوصا للإعلام الإلكتروني المؤسسي، بدلا من أن نظل نضرب أخماسًا فى أسداس. وفي مقالنا الثانى - الذي نحن بصدده - سنشرح لماذا التعاون مع «جوجل» هو الخيار الأفضل، في الوقت الحالي والمستقبل أيضا، على أن يكون مقالنا المقبل، لعرض كيفية تبادل المكاسب بين عملاق الإنترنت والمواقع الإلكترونية. سوق الإعلانات العالمية في خطر في مطلع أكتوبر الماضي، أصدر بنك «جولدمان ساكس» تقريره السنوي حول سوق الإعلانات، الذي حمل عنوان «خيبة أمل.. الأغنياء يزدادون ثراء»، مشيرا إلى أن «فيس بوك» و«جوجل» في طريقهما إلى احتكار السوق العالمية. وقال التقرير، إن أموال الإعلانات تتحرك بعيدا عن التليفزيون والطباعة والإذاعة بشكل متزايد لصالح الإنترنت، وهو ما يهدد باختفاء آلاف الشركات التي تعمل في ذلك المجال، مشيرا إلى أن العالم يعيش العصر الذهبي للإعلانات على الإنترنت، رغم حالة الصمود التي تحاول المؤسسات الإعلانية إظهارها، إلا أن الوقت بدأ في النفاد. وأوضح التقرير، أن «جوجل» يمتلك نحو 24% من سوق الإعلانات على مستوى العالم، وهو ما سيحقق له عائدات بقيمة 64 مليار دولار بنهاية 2015، بالإضافة إلى 6 مليارات من «يوتيوب»، مقابل 18% ل«فيس بوك»، بعائدات تصل إلى 16.2 مليار دولار، بينما ستنخفض عائدات «ياهو» لتصل إلى 3.3 مليار دولار، و«تويتر» 2.1 مليار دولار، بانخفاض أكثر من 27%، وأخيرا 582 مليون دولار لصالح «لينكدن». وأشار التقرير إلى أن احتكار «جوجل» و«فيس بوك» للسوق الإعلانية العالمية، أصبح أمرا واقعا، بعد أن تمكنا من سحب البساط من أسفل القنوات الفضائية. الحصار يدك الجميع بعد هذا التقرير، أظن أن المشهد واضح للجميع، نحن أمام وحشين كاسرين، يلتهمان السوق الإعلانية، ويسعيان بكل قوة نحو الاحتكار.. ما العمل إذن؟ هل نجر سلاسل الاستعباد أم نقول لأنفسنا ما أبعد ما فات وما أقرب ما يأتى، من منطلق أن «الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل»؟ . أرى أن العالم أصبح عاجزا عن مواجهة المشكلة الحالية، ولا يلوح فى الأفق أي بشائر لوجود بدائل مقنعة، فضلا عن أن «جوجل» و«فيس بوك»، لا غنى عنهما، خصوصا داخل مصر، فكل أدوات التحليل تشير إلى أن أكثر من 85% تقريبا من زوار المواقع الإخبارية في مصر يأتون عبر مواقع «السوشيال ميديا» متمثلة فى «فيس بوك» و«تويتر»، والبحث من خلال «جوجل»، مما يعني أننا ندين بالفضل لتلك الكيانات المتوحشة في الانتشار، وذلك كله بعيد عن الزيارات الحرام التي أصبحت كل المواقع الإخبارية تلجأ إليها، للحفاظ على ترتيبها في السوق المصرية، بينما لو أعلن عن الترتيب الحقيقي لتلك المواقع فستكون صدمة حقيقية للجميع. دعونا نترك الفضائح ونركز في المغانم.. أعلم جيدا أن ما أطرحه هو الحلم والجنون، لكن المؤكد أنه المستقبل.. لكن لماذا «جوجل» أفضل من «فيس بوك»؟ الإجابة ستكون في نقاط بسيطة: أولا: هل شاهدت أو سمعت عن أي مخلوق من مخلوقات هذه الأرض ربح من «فيس بوك»؟ الإجابة: «لا»، لأنه لا يريد لأحد أن يربح غيره. ثانيًا: هل شاهدت أو سمعت عن أن «جوجل» حجب أخبار موقع ما، لأنه لا يشارك بحملات إعلانية؟ الإجابة: «لا»، لكن يحدث ذلك بشكل يومي من قبل «فيس بوك»، الذي يتحكم في ظهور التدوينات الخاصة بالمؤسسات بشكل عام والمواقع الإخبارية على وجه الخصوص، لإجبارها على الدفع. ثالثا: هل سمعت أن «فيس بوك» حذف أي منشور، لأنه ينتهك حقوق الملكية الفكرية لأشخاص أو مؤسسات أخرى؟ الإجابة: «لا»، لكن ذلك يحدث بشكل يومي من «جوجل» و«يوتيوب»، اللذين يتبعان سياسات لحماية الملكية الفكرية، بل هذه المؤسسات قد تضر بمنع إعلاناتها عن أي موقع لمجرد سطوه على أي مادة تخص مؤسسة أخرى، فضلا عن أن خدمة «جوجل نيوز» المورد الرئيسي للزيارات لم تتوقف منذ إطلاقها سوى مرة واحدة في نوفمبر الماضي ولمدة ساعات معدودة. رابعا: هل تتفق معي أن «فيس بوك» يتعامل مع مشتركيه من منطلق السجن والسجان، يتحكم فيهم كيفما يشاء، يظهر لهم ما يريد ويمنع عنهم ما يريد، بل إنهم السلع التي يبيعها للمعلنين، فكل زواره ملك يمينه، عكس «جوجل» الذي يتعامل مع المشتركين في خدماته من منطلق الشراكة «دعونا نكسب معًا»، وهذا ينطبق على قنوات «يوتيوب»، ومدونات «بلوجر»، و«أدسنس»، وغيرها من الخدمات التي يمتلكها «جوجل» وترفع الشعار نفسه. خامسا: كم مرة تسببت شائعات «فيس بوك» في أزمات للمواقع الإخبارية.. كم مرة رأيت تدوينات ضد الأخلاق والأديان وتدعو إلى الطائفية والعنصرية، وتدعو إلى الانحلال والانحراف.. هل رأيت ذلك في «جوجل»؟ إذن الأزمة الحقيقية في «فيس بوك»، ذلك الوحش الذي يريد أن يربح وحده، ولا يحمي الحقوق الفكرية للمواقع الإخبارية، وينشر الشائعات والعنصرية والطائفية في مقابل شريك حقيقي. في النهاية، يجب أن نعلم جيدا أن المحتوى الصحفي سيكون متاحا على «جوجل» و«فيس بوك»، بأي صورة وبأي طريقة، وليس أمامنا سوى اختيار الطريق الصحيح، فالمستقبل لن يكون للصحافة الورقية أو الفضائيات أو الراديو.. الصحافة الإلكترونية ستكون الأسطورة التي تتحطم تحت أقدامها كل وسائل الإعلام القديمة. في المقال المقبل: ماذا نريد من «جوجل»؟ وماذا يريد منا؟ وكيف سيكون الربح الأكبر؟ وما الدخل المتوقع أن تصل إليه المؤسسات الصحفية جراء هذا التعاون؟. [email protected] علي التركي مدير عام موقع وجريدة «البوابة»