" بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ جنوب سيناء يبحث مع رئيس الجهاز المركزي للتعمير عددًا من المشروعات    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    وليد عبدالوهاب: نهائي الكونفدرالية سيكون تاريخيا..وجاهزين بالسعة الكاملة لاستقبال الجماهير    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عيار 21 الآن في السودان وسعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024    برشلونة يعزز وصافة الدوري الإسباني بانتصار على ألميريا    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    بهذه الطريقة.. اضبط تردد قناة كراميش 2024    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    سعر الفراخ البيضاء والبيض البلدي بعد ارتفاعه الجمعة 17 مايو 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    رد ناري من شريف الشوباشي على يوسف زيدان بعد تصريحاته عن طه حسين (فيديو)    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لراحة القلب والبال.. أفضل دعاء في يوم الجمعة «اللّهم ارزقني الرضا وراحة البال»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود صلاح يكتب: صاحب الجلالة في الزنزانة (6)
نشر في البوابة يوم 12 - 01 - 2015


رسائل التابعي لروز اليوسف من الزنزانة !
تسلل نور الشمس ضعيفا إلى زنزانة التابعي فتح عينيه واستيقظ مرة واحدة.. وكأنه يكتشف لأول مرة أنه في السجن.. كانت دائما هي اللحظة الأولى التي يفتح فيها عينيه.. فلا يعرف إن كان نائما في بيته أم في مكان آخر! ولكن شتان بين فراشه وفراش السجن ! وحتى فراش السجن هذا رغم حالته المزرية لم يكن من حقه.. فقد أمر كبير أطباء السجون بإحضاره لع باعتبار أنه مريض.. لكن كان في الامكان أن تسحبه إدارة السجن في اية لحظة. مد التابعي يده والتقط القلم الرصاص والمفكرة الصغيرة من على الطاولة المتواضعة المجاورة للفراش.. وبدأ يكتب رسالة أخرى لروز اليوسف قال لها فيها: "لقد سمحوا لي امس بدفتر وقلم رصاص بناء على طلبي.. لكي أدون فيه ملاحظاتي الادبية على ما اقرأ.. ولكن هذا الدفتر سوف يعرض على مصلحة السجون.. قبل الإفراج عنه لكي تفحصه ثم ترده لي أو تبقيه عندها حسبما ترى. وقد بدأت امس كتابة قصة للسينما سوف ابدأ اليوم أو غدا أن شاء الله بوضع السيناريو وتصوري كيف سيكون الإعلان عن هذا الفيلم "وضع القصة والسيناريو في السجن الاستاذ فلان ".
وكانت روز اليوسف قد اشترت اربعة روايات وارسلتهم للتابعي في السجن لكي يشغل وقته بالقراءة فيها. فكتب يقول لها في نفس الرسالة: لابد أن تكون هناك غلطة أو سوء فهم ي ثمن الروايات الاربع.. اذ من المستحيل أن يكون ثمن الواحدة 35 قرشا كما تقولون.. وإلا كان حسين أكبر راو يهودي في التاريخ.. رواية واحدة منها ثمنها 16 قرشا كما هو مكتوب بالقلم الرصاص في داخلها.. والثلاث الباقية يزيد ثمن احداها على ثمانية قروش ؟. فيكون ثمن الاربع 40 قرشا على أكثر تقدير.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذين المؤلفين من اشهر مؤلفي انجلترا، روايتهما تملأ المكتبات، فكيف تقولون انكم لم تجدوا لهما سوى هذه الروايات واحداها سبق لي قراءتها قبل السجن ؟! اتركي حسين جانبا وكلفي بهذه المهمة عبد الرحمن ولاحظوا الا تستروا نفس الروايات.. ويمكنكم أن تطلبوا لي من اية مكتبة التي جنب بقالة جروبي مثلا.. كشفا بأسماء الروايات وهو مطبوع.. وتعطوه لإدارة السجن لكي تعرضه على.. وانا اؤشر لكم بالرصاص على ما تشترون. وحقيقي أنه مصرح لي فقط بثلاث روايات في السجن.. لكن ليس هناك ما يمنع من أن تعطوا إدارة السجن أي عدد من الروايات.. تحفظ عندها تحت طلبي وكلما انتهيت من قراءة كتاب اسلمه لها وتعطيني الإدارة بدلا منه. وهاكم مثلا اسماء بضعة روايات لم اقرأها فابحثوا عنها واشتروها لي لأنه لم يبقى عندي اليوم ما اقرأ فيه..و كل هذه الكتب من تأليف "اوبنهاين" وله عشرات سواها لم اقرأها.. وعلى كل حال يلزمني كل أسبوع اربع أو خمس روايات.. ويقول التابعي في نفس الرسالة لروز اليوسف واعذريني إذا رجوتك مرة أخرى.. أن تعاودي الكرة على وزير الحقانية من أجل السماح لي بالسرير والاكل في الخارج.. لأنني الآن معتبر مريضا وملحقا بالمستشفى.. ولكن بمكن للطبيب في أي وقت أن يقول انني شفيت من المرض، وبناء عليه احرم من السرير. اما الطعام الذي آكله فقد جئت السجن منذ 9 ايام.. فهو طعام المرضى، شوربة العدس ولبن ورز.. أو ارز بلبن فقط. ولقد كنت قبل السجن من أنصار شوربة العدس.. لكنني الآن اصبحت اكرهه "عمى" ! واسأل: لماذا يرفض وزير الحقانية ؟
لقد كانت حجته يوم زاره وفد الصحافة من أجل توفيق دياب.. أن توفيق محكوم عليه بالحبس مع الشغل.. وان القانون لا يسمح له بالسرير ولا بالاكل في الخارج، وابدى وزير الحقانية يومه اسفه.. معتذرا بهذه الحجة.. اما انا فالأمر على العكس.. القانون يسمح لي بمنحي هذه الامتيازات فلماذا يمتنع ؟ هل يريد أن ينتقم مني لأنني قذفت في حقه، واطلقت عليه لقب " وزير الفاصوليا " ؟!
في اليوم التالي..
كتب امير الصحافة محمد التابعي رسالة أخرى إلى روز اليوسف قال فيها: عزيزتي..
عرفت الآن انهم قبضوا على محرري "الشبيبة" و"الصريح" امس.. لا تخافي.. انا اعرف كما تعرفين منذ زمن.. أن الحكومة كانت تتربص لهم، وتنوي الإيقاع بهم.
اما قضية محمد محمود.. فهي كما قلت لك هايفه جدا.. وليس فيها كما علمت سوى الصورتين وعلى كل حال ماطلوا فيها وأجلوا حتى يمر الصيف وينتهي هذا الجو غير الملائم لقضايا الصحف.. أي إلى ما بعد أن تنتهي "هوجة" النيابة !
كنت قد احضرت لي اربع روايات.. احداها سبق لي أن قرأتها قبل السجن.. وقد انتهيت مساء امس من قراءة آخر رواية.. وارسلت اطلب غيرها فقيل لي غير موجود.. كده ؟
في أول أسبوع ؟
مع اني كنت موصيك، تكون ذخيرتي من الكتب والروايات أولا بأول.. وكما قلت لك امس يلزمني على الأقل 4 أوو 5 روايات كل أسبوع.. وها انا اقضى اليوم نائما على ظهري، لا شيء اتقل به على مرور الساعات الطويل البطيئة. كنت اخبرتني أن توفيق دوس باشا وعدك بإثارة مسألتي في مجلس النواب.. فهل تفعل ؟
على كل حال ليس في مصلحة المجلة أن تكون اثارة المسألة منه هو بالذات نظرا لكثرة الاشاعات التي زاعت كذبا عن علاقتنا به.. والافق أن تتصلي مثلا بعبد العزيز الصوفاني. وهو صديه لمصطفى النشاشيبي.. وترجينه أن يقدم هو السؤال.. ويستطيع أن ينضم اليه عبد العزيز نظمي..ومصطفى بك فوده والمجيد نافع حتى والسعيد حبيب.. والسؤال إذا تقدم من كثيرين كانت له أهمية. والموضوع أو السؤال.. مادام القانون يصرح لوزيري الداخلية والحقانية بكذا وكيت في حقه المحكوم عليهم بالحبس البسيط.. فهل صرح الوزيران للتابعي بذلك ؟ واذا لم يكونا قد صرحا فما السبب ؟ هذا هو لب السؤال !
وكعادته في كل رسالة لروز اليوسف.. لا ينسى التابعي أن يتحدث عن أمور العمل في مجلة روز اليوسف فيقول لها: لم تصلني اخبار جديدة حتى استطيع أن اجعل منها موضوعا لصورة أو صورتين - يقصد رسومات كاريكاتيرية.. وقد اشتهرت بها روز اليوسف المجلة – وعلى كل حال ارسلت لكم هذا الأسبوع.. أي للعدد القادم صورتين. واقترح عادة قصة الأسبوع بدلا من باب الطلبة أو الالعاب الرياضية... التي ستقف بمناسبة الصيف.. وتوجد في الإدارة بضعة قصص موجودة في الدرج الثاني إلى اليمين في مكتبي.. لكن افحصوها جيدا حتى لا تنشروا ما يكون مخالفا للآداب. وفي نفس الدرج توجد أيضا مقالات أخرى تنفع الملزمتين الاخيرتين.. ويوم تنشرون قصة الأسبوع.. سوف لا يمضي أسبوع حتى تنهال عليكم القصص من القراء.. وفي وسعكم أن تضعوا على القصص صورا كاريكاتيرية من باب التحسين ولفت الانظار.
ووصيتي أخيرا.. هي أن تجعلي الخوف من النيابة يتسلط عليك وعلى المجلة.. لئلا تضعف مادة المجلة ويتهمنا الجمهور بالجبن ونهبط في السوق. وفي وسعكم أن تنشروا كثيرا من الاخبار التي خطر منها.. ابعدا فقط عن الأعمال الحكومية واتهام الموظفين ومنهم طبعا الوزراء بتهم معينة.. اما التنكيت أو القفش للوزراء فلا خوف منه. قبلاتي لك وشوقي.. ابلغي تحياتي للوالدة والشقيقة وزوجها والجميع.. وسلامي للإخوان واحدا واحدا..
ظهر السبت 7 يونيو 1933..
كتب التابعي في الزنزانة الرسالة التالية لروز اليوسف.. معذرة مرة ثانية.. عن لهجة خطابي قبل الأخير.. فأنت تعلمين انني افتدي بكل ما املك.. أي الم تحسينه.. وانه ابعد ما يكون عن خاطري أن اسبب لك لحظة حزن واحدة.
ولكن مر امس وأول امس.. وما قاسيته من العطش.. ثم وصول خطاب مصطفى أمين الذي يقول فيه انك تحسدينني على ما انا فيه من الراحة كل هذا اقام الشيطان في صدري.. فكتبت ما كتبت.
علمت انك زرت السجن اليوم..
ولم يسعدني الحظ برؤيتك.. ولقد زارني اليوم الاستاذ صبري أبو علم المحامي.. من أجل أن يسألني عن رأيى في النقض.
فقلت له: انا لا اريد نقضا.. اللهم إذا رفعت النيابة نقضا.. ففي هذه الحالة يجب أيضا أن اعمل نقضا..ولكن النيابة فيما اعتقد لن ترفع نقضا. ولقد وعدني صبري أبو لم بأنه سيكلم بسيوني بك نقيب المحامين.. لكي يقابل وزير الحقانية.. من أجل السماح لي بتناول طعامي من الخارج. ومن جهة مقابلتك مع مدير السجون.. وقوله لك أنه لم اشتك من شيء.. ونصيحتك لي بأن اقدم طلبا اطلب فيه الاكل الذي اريد.. ما فائدة هذا مادام هو اكل سجون مطبوخ في السجن. هل تظنين أن قلة الاكل أو إضافة هو ما اشكو منه ؟ كلا.. قد يقدمون لي فراخا وحماما.. ولكن لا استطيع أن آكله.. لأنه ولو مؤاخذه كله وسخ وزي ال..... ! الذي اطلبه هو لقمة نظيفة ولو كانت عيش وزيتون وجبنة. ومع ذلك فقد سبق لي أن طلبت رسميا أن يسمحوا لي بكرسي اجلس عليه.. بدلا مخن نومي على ظهري طول اليوم في السرير.. فرفض مدير مصلحة السجون.. فهل تظنين أن طلباتي الاخرى تكون احسن حظا ؟ لقد كان كلامه لك من باب "فك المجالس".. والذوق ليس إلا..
قبلاتي لك..
وتحياي للجميع.. وصحتك قبل كل شيء.
وفي نفس اليوم..
علم التابعي أن روز اليوسف سوف تزوره بعد يومين في السجن.. واخبره صاحب الخبر أن فكري اباظة بدأ يكتب في روز اليوسف.. فجلس صباح اليوم التالي ليكتب لها:
عزيزتي:
سرني جدا اشتراك فكري اباظة في التحرير لأنه أولا خفيف الروح.. وثانيا له لسم معروف ومحبوب عن القراء.. واعتقد أن اشتراكه في المجلة يقاوم هبوط الصيف وهبوط غيابي انا.. " ولا مؤاخذه في الغرور " لكن يهمني أن يحرر فكري اباظة صفحتي 4،5 واعتقد أنه في امكانه كتاباتهما حول ملحوظاته الشخصية السياسية على حوادث الأسبوع.. بدون أن يخرج على مبدأه الحزب الوطني أو مبدأ المجلة الوفدي. على كل حال كلميه في المسألة.. ويمكنكم من باب الذوق ومراعاة خاطره.. أن تكفوا عن المجلة على حافظ رمضان والحزب الوطني حتى لا تحرجوا مركزه.. في خطاب سابق كنت قد اقترحت أحمد جلال علشان الملزمتين الاخيرتين.. ونسيت "محي الدين: وباقي اسمه فاسأليه عنه.. اظنه اوفق من أحمد جلال خصوصا وان جلال غير موظف.
عزيزتي..
عرفت بأمر زيارتك لي غدا.. اهلا وسهلا.
بس خسارة ذقني طويلة ولن تحلق إلا يوم الثلاثاء.. وعلى كل حال فهي تحلق بماكينة الشهر زي الأسود تماما. ولا ينسى التابعي الصحافة..
كانت هناك انفجارات وقنابل في القاهرة.. وكانت هناك مجلة حكومية ضد الصحافة والصحفيين.. فكتب محمد التابعي في الرسالة فكرة كاريكاتير لغلاف مجلة روز اليوسف يصور وزير الداخلية القيس باشا على شكل شاويش وهو يمسك بيديه صحفيين قبض عليهم.. وامامه شخصية المصري افندي.. يقول المصري افندي: مش عيب عليكم يا باشجاويش كل يوم تترمى قنبلة ومش عارفين تمسكوا الفاعل ؟
يرد عليه القيس باشا: وانا فاضي ؟ رايح الاحق قنابل وإلا صحافة ؟ ما انت شايف بعينك ايدي الإثنين مليانين أهو.. وصاحب بالين كداب !
وبعد يومين..
يعود التابعي ليكتب إلى روز اليوسف رسالة أخرى ردا على خطاب تلقاه منها يقول لها فيه:
عزيزتي..
هل افهم من رسالة امس انكم قطعتم الامل في موافقة وزير الحقانية نهائيا ؟ ومعنى هذا انني سوف اتناول طعام السجن طوال الاربعة شهور. تتكلمون عن المستشفى وطعام المستشفى.. كأن طعام المستشفى ليس هو من طعام السجن.. ومن نفس المطبخ ونفس الطباخ.. ام ترى تظنون أن للمستشفى مطبخا خاصا وطاهيا خاصا ؟
امس وجدت في شوربة العدس قملة "بالقاف" لا نملة.. قملة طولها أكثر من نصف سنتي !
هل حاولت أن توسطي البنان ؟ أنه يعرف كثيرين ولعله يجد واسطة لدى وزير الحقانية وأيضا لو أن بعض النواب ممن ذكرت لكي اسماءهم زار وزير الحقانية وكلمه في الأمر.. فربما كانت هناك نتيجة.. فأنني اطن أن الوزير إنما يرفض مراعاة خاطر المجلس.. وللنظرة الحمراء التي ينظر بها النواب في هذه الايام للصحافة:
على كل حال..
لم تخبروني بعد عن الأسباب التي يرفض الوزير من أجلها السماح لي بإمتيازات ينص عليها القانون ؟!
وعلى ظهر نفس الرسالة:
كتب التابعي لروز اليوسف.. ارجوك أن تعطي "ف" جنيها واحدا شرط أن يكون كله انصاف فرنكات واظن أن في وسعك الحصول على هذا من الفهلوي أو من أي بنك..
وأخيرا..
ليس السجن كما تتخيلين.. اكل وراحة ونوم ! لقد بدأت جيوش البق مع طلائع الحر..
ولقد قتلت حتى اليوم أكثر من عشر بقات على جدران الزنزانة.. واليوم فقط وجدت واحدة في بيجامتي.
ولهذا ارجو أن تضعوا غسيلي الوسخ مباشرة في الماء الساخن.. خوفا من انتقال البق إلى الشقة..
تحياتي لك..
صحتي لا بأس بها.. ولكن نومي قليل جدا واظن أن وزني نقص ولكن مش كتير..
اقبل يدك..
أيام.. في مستشفى السجن !
كانت القاهرة تكتوي بحرارة شهر يونيو في عز الصيف..
ولم يكن الحر وحده الذي يعذب محمد التابعي في زنزانته بسجن قرة ميدان.. وإنما كانت تلك الساعات والأيام التي تمضي عليه بطيئة ثقيلة في السجن..
وفي تلك الليلة..
وهي ليلة لم يستطع التابعي نسيانها طوال عمره.. أطبق الحر الخانق عليه في الزنزانة.. وهو راقد مستيقظا رغم غمه في الفراش.. يسبح في العرق الذي يسيل من أنحاء جسمه..
وشعر أنه يختنق..
فأسرع بخلع البيجامة وقام بملابسه الداخلية.. أو حاول أن ينام.. لكن الحق أنه قضى الليل بطوله يتقلب.. من الحر وشدة العطش.
ونظر إلى زجاجة الماء "الفتيل" الموضوعة على المائدة الصغيرة فوجدها قد سخنت حتى أصبحت تماما مثل ماء الحمام الفاتر..
وكان قد بدأ يشعر بالعطش بعد الغروب.. لكنه تجلد وقاوم.. ثم أكل برتقالتين كان يحتفظ بهما عادة للإفطار..
وشعر بالعطش..
فشرب زجاجة المياه الملاينة الساخنة..
لكن عطشه ازداد من سخونة الماء..
وظل يقاوم إحساس العطش حتى الساعة العاشرة مساء..

لكن مقاومته ضعفت بعد أن شعر أن لسانه أصبح مثل قطعة من الخشب.
* * *
لكن التابعي رغم ذلك يكتب في صباح اليوم التالي رسالة إلى روز اليوسف يقول لها فيها:
كيف صحتك أنت ؟
يهمني جدا أن أسمع عنك وأنك مبسوطة.. وأن العمل سائر على ما يرام..
وإطمئني من جهتي.. أنا مرتاح ولا ينقصني شيء سوى طعام المنزل.. لأنني طول هذه الفترة لم أتناول سوى شوربة العدس والأرز في الغذاء والعشا.. أما الإفطار فهو قهوة ولبن وعيش والحلو برتقالتين..
هل دعيتم إلى التحقيق في النيابة في شكوى محمد محمود ؟
ولا تنسى أن تأخذي موافقة الداخلية على تعيين محمود يوسف رئيسا للتحرير من باب الاحتياط.
* * *
صباح يوم الأحد التالي..
يكتب أمير الصحافة رسالة إلى روز اليوسف يقول لها فيها:
عزيزتي..
عرفت أمس مساء أنك استدعيت للتحقيق في النيابة.. ولا أعرف ماذا سألوك ولا بماذا أجبت ؟!
ولكن دفاعك فيما أعتقد يجب أن يكون على القواعد الآتية:
أولا: اللغة أو اللهجة التي كتبت بها "السياسة".. وهي ضد الوفدين.. واتهامها لهم بالخيانة والتفريط في حقوق البلد.. وانتهاك الحريات بل والسرقة.
ثانيا: اللهجة التي كانت تكتب بها "السياسة إلى عهد قريب ضد وزارة صدقي.. وضده هو بالذات..
ثالثا: لهجة الصحف الحكومية على العموم أثناء وزارة محمد محمود باشا.. وما كانت تكتبه ضد الوفد وزعماءه.. وضدنا نحن بالذات..
هذا هو القسم العام في الدفاع..
والغرض منه هو أن نثبت.. أنه إذا كان للهجات الصحف مقياس ودرجات في مناقشة خصومها.. أو الحملة عليهم.. فإن "السياسة" وهي لسان حال الحزب الذي يرأسه محمد محمود باشا.. قد وضعت هذه القاعدة.. وهي تزيد من شدة لهجتها عشر مرات على الأقل.. عن اللهجة التي كتبنا نحن بها.. والتي يشتكي منها دولته اليوم.
وبالنسبة للقسم الخاص في الدفاع المنصب على موضوع الشكوى.. فعلى الرغم من الأذية التي لحقت بنا من محمد محمود باشا ووزارته.. فإنه لم يكد يقف في صف المعارضة.. حتى كنا نحن أول من رحب به وبحزبه.. وكتبنا نطلب من الصحف الوفدية أن تكف عن الحملة عليه.. وعلى الأحرار الدستوريين (راجعوا الأعداد الأولى من "الصرخة" وهي في شكل مجلة وتجدونها في أواخر أكتوبر وفي نوفمبر سنة 1930).
وهذا يقطع بحسن نيتنا وأن خصومتنا مع دولته وهي من أجل المصلحة العامة، فنحن هاجمناه وهو مع الوزارة.. ودافعنا عنه يوم انضم إلينا.
إنه في الميثاق القومي وقرارات المؤتمر الوطني يتعهد بالذود عن الدستور، وأن الأغلبية هي التي تحكم، لكنه يعود بلسان جريدة حزبه.. ويطلب تسوية المشكلة السياسية، أي المفاوضات قبل تسوية مشكلة الدستور، ثم يطلب وزارة قومية.
ونحن نعترف بأننا نقول أن محمد محمود باشا يرضى اليوم بأقل مما يطلب الوفد، أي الأمة، ويرضى بالوزارة القومية التي نعتبرها فكرة إنجليزية لمصلحة إنجلترا.
* * *
ورغم إنشاله في القراءة داخل زنزانته كل يوم..
فإن محمد التابعي يشعر يوما بعد يوم بمرارة الوحدة وقسوتها..
كانت هناك زنزانات واسعة في نفس الطابق من السجن الذي توجد به زنزانة التابعي.. ويقيم في كل زنزانة منها.. عدد لا يقل عن عشرة أو خمسة عشر سجينا..
لكن هؤلاء السجناء لم يكن مسموحا لهم بالاختلاط بالتابعي..
وكتب إلى روز اليوسف رسالة على قصاصة ورق صغيرة.. يقول لها فيها:
عزيزتي..
انتهيت إلى ضرورة دخولي المستشفى.. أولا: لأن أجنابي تنفر منذ يومين.. وهذه علاقة على تحرك رصد الكلى بسبب العرق.. وتيارات العمداء التي أتعرض لها في زنزانة.. يتقلب فيها الجو بين حر النهار الخانق وبرد الفجر.
وثانيا: لأن الحبس الانفرادي يكاد يحطم أعصابي..
وأنا مستعد للتنازل عن كل ما ترسلونه لي الآن.. ما عدا روايات كامل.. فعليكم أن تجدوا حلا لإيصالها.
وأنا تعبان جدا من شدة الحر في الزنزانة.
وقبلاتي لك !
* * *
ويصمم التابعي على فكرة دخوله سجن المستشفى.. هربا من وحدة الزنزانة.
وفي صباح اليوم التالي..
يطلب من الحارس استدعاء طبيب السجن.. ويحضر الطبيب فيشكو له التابعي ما يحس به من وحدة.. ويطلعه على رغبته في الانتقال إلى مستشفى السجن.. ويقول له أن كبير أطباء السجون سبق أن فحصه وشخص الأمراض التي يعاني منها.. فهو مريض مريض.
يرد عليه طبيب السجن: لني يا أستاذ تابعي لا أنصحك بأن تفعل ذلك.
ويسأله التابعي: لماذا ؟
يقول الطبيب: مؤكد أنك لو دخلت مستشفى السجن، سوف تشعر "بالقرب" والاشمئزاز من السجناء المرضى في مستشفى السجن.
يقول له التابعي: ولو.. أنا مستعد لأن أقرف واشمئز !!
وغادر الطبيب الزنزانة لدقائق..
ثم عاد ومعه مأمور السجن.. الذي أعاد النصح على التابعي بأن يبقى حيث هو في زنزانته أفضل.
لكن التابعي يصمم على دخول مستشفى السجن..
وقال له مأمور السجن: من ناحيتي لا مانع عندي.. لكني أخشى معارضة مدير مصلحة السجون.. وسوف نرى..
وذهب مأمور الجن واتصل بالدكتور عبد المجيد محمود كبير أطباء مصلحة السجون.. وأبلغه برغبة التابعي في الانتقال لمستشفى السجن.. فوافق الرجل.
وتم نقل التابعي من زنزانته إلى المستشفى..
وكان في مستشفى السجن جناحان.. بكل جناح نحو ثلاثين مريضا.. ومعظمهم يشكون من أمراض باطنية.. البعض الآخر أجريت له عمليات جراحية.
وكان مأمور السجن رجلا طيبا.
فأصدر أمرا بوضع جميع مرضى الباطنية في جناح واحد.. وجميع الذين أجريت لهم عمليات جراحية في الجناح الثاني.
ووضعوا للتابعي فراشا تحت نافذة في جناح المصابين.. بالقرب من الحمام ودورة المياه.
وزيادة في إكرام التابعي..
وضعوا بين سريره والسرير المجاور له..وكان فيه سجين نشال سوداني وضعوا ستارة تفصل بينهما..
وقال مأمور السجن للتابعي وهو يبتسم.. هذه أول مرة توضع فيها مثل هذه الستارة لسجين مريض.. وعلى فكرة يا أستاذ تابعي الستارة أحضرناها من مكتبي الخاص.
* * *
كان فراش التابعي في مستشفى السجن تحت النافذة مباشرة..
وكانت النافذة تطل على ميدان "قرة ميدان" في باب الخلق..
وكانت بعض المقاهي تنتشر في الميدان.
وكان في إحدى هذه المقاهي جهاز "فوتوغراف".. ولأول مرة منذ دخل التابعي السجن.. سمع أغنيتين قديمتين لأم كلثوم.. عبر "فوتوغراف" المقهى.. وهما "اللي حبك يا هناه".. والأخرى "إمتي الهوى يجي سوا".. وهي من تلحين الشيخ زكريا أحمد.
وكان أمير الصحافة يتسلى طوال النهار برؤية المارة في ميدان باب الخلق الواسع.. وإما بالقراءة..
وكان مسموحا للتابعي أن يدون في الدفتر الصغير الذي حصل عليه من إدارة السجن ما يريد من أفكار وخواطر.. ماعدا السياسة.
وقد احتفظ التابعي فيما بعد بهذا الدفتر الصغير.. وعلى غلافه ختم السجن وإمضاء المأمور محفوظ ندا..
وكان فكري أباظة قد أرسل للتابعي في مستشفى السجن كتابه "الضاحك الباكي".. بعد أن تطوع بكتابة المقال السياسي الذي كان يكتبه التابعي في روز اليوسف.
وكان فكري أباظة أقدم أصدقاء التابعي وبعده من الأصدقاء القدامى كان الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي زار التابعي في السجن.
لكن أيام التابعي في مستشفى السجن لم تدم طويلا.
وسرعات ما عاد إلى الزنزانة من جديد.
* * *
ذات يوم..
فوجئ التابعي وهو راقد على فراشه برجل أحمر الوجه يقف باعتداد بنفسه أمام الفراش..
وقال له: أنا الباشا مدير عام مصلحة السجون !
ونهض التابعي واقفا تأدبا لسعادة الباشا مدير مصلحة السجون..
سأله الرجل: هل تشكو من شيء.. هل لك طلبات.
رد التابعي: كلا
تناوله مدير مصلحة السجون بعض الكتب الموجودة على المائدة بجوار السرير.. وأخذ يقلب صفحاتها.. ثم تناول المفكرة الصغيرة.. وأخذ يقرأ بعض ما كتبه التابعي فيها.. وكانت أفكارا أو أفكار قصص قصيرة..
ثم غادر المكان في صمت.
لكن في اليوم التالي..
فوجئ التابعي باللواء صالح حرب باشا وكيل مصلحة السجون يزوره.. وكانت بينهما علاقة لم ترقى لمستوى الصداقة.. وفوجئ التابعي بأن وكيل مصلحة السجون علم بأن هناك اتصالا بين التابعي في سجنه وبين الخارج.
وسأله: هل تتصل بالسيدة "فلانة" ؟
ولم يكن التابعي أصلا يعرف هذه السيدة..
فقال: لا
سأله صالح باشا حرب: هل تقسم بشرفك كوفدي على أنك لم تتصل بها ؟
رد التابعي: أقسم على ذلك.
وكان صادقا..
فتركه الرجل وانصرف..
لكنه أصدر أمرا بعودة التابعي إلى زنزانة السجن !
* * *
كأن شهر أغسطس يقترب من نهايته..
ولم يكن قد تبقى من عقوبة التابعي سوى شهر واحد أو أقل..
وعادو به إلى الزنزانة مرة أخرى..
وهناك كان قد شعر بالسأم من طعام السجن.. فقرر أن يكف عن تناول العدس واللحم والأرز في العشاء.. وأن يكون عشاءه قطعة حلاوة طحينية مع الخبز.
وانتبه التابعي في المساء عندما أحس بخفقان شديد في القلب.. والمعدة..
وأسرع ينادي على الحارس..
وذهب الحارس وأبلغ ضابط السجن..
وأحضروا له من صيدلية المستشفى زجاجة كورامين.. وصبوا له 20 قطرة في كوب ماء..
واسترح التابعي قليلا.
وفي الصباح أخبره طبيب السجن بعد أن فحصه.. أن خفقان قلبه سببه غازات ضغطت على جدار القلب.
وسأله الطبيب: ماذا أكلت ؟
رد التابعي: حلاوة طحينية.
قال له الطبيب: هي دي السبب !
ومن يومها امتنع التابعي عن تناول الحلاوة الطحينية طوال حياته.
* * *
في تلك الأيام..
علم التابعي وهو داخل السجن أن مصطفى أمين.. ينوى السفر إلى الخارج.
فكتب له رسالة يقول له فيها:
" عزيزي مصمص"..
وكدت أن أسميك لظلظ وأسحب اللقب !
كيف تفكر في السفر ؟
وتهرب من الميدان في هذه الظروف.. وتترك "الأستاذة" وحدها ؟
أل تعلم أنك أثناء غيابي تعتبر شريكها في الجهاد ؟
اعتذر إلى "أم البلد".. وأمك – ولا مؤاخذة – بأي عذ ولا تسافر.
أقبلك..
واعترف أن لك عندي "شلن" !
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.