من الكتب التي لم تقدر حق قدرها رغم أننا في عصر الإعلام كتاب (المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية ) تأليف أ.د. عبدالرحمن بن زيد الزنيدي أستاذ الثقافة بجامعة الإمام (الطبعة الأولى 1430- داركنوز إشبيليا)وقد سألت أكثر من 50 مثقفا وأستاذا جامعيا فأجمعوا على عدم قراءة هذا الكتاب أو معرفته ولذا فقد قمت بتلخيصه في 35 صفحة وهذا عرض تعريفي له في ثلاث صفحات ثم يليه المختصر في ثلاثين صفحة وهو لا يغني عن قراءة الكتاب ذي الثلاثمئة صفحة وإنما يعرض لأفكاره الأساسية وقراءة الكتاب تمنح القارئ عمقا وتشبعا بحكم كثرة التفاصيل والأمثلة والشروح. وقد تميز الكتاب برصد وتحليل واقع المثقف العربي ومساراته خلال هذا العصر كما تميز بعمقه مع بساطة عباراته واختصاره وتوازنه واعتداله. كتاب المثقف العربي يقع في فصلين/ الأول عن الثقافة نظريا (مفاهيمها وعناصرها) و عن الثقافة تطبيقيا وعمليا وواقعيا من خلال التأمل في واقع النخبتين المثقفتين-في العالم العربي- الإسلامية والليبرالية. والثاني عن مرتكزات العمل الثقافي للمثقف المسلم.. في بداية الفصل الأول يورد المؤلف تعاريف الثقافة ويحدد عناصرها الأساسية في:تفسير الوجود – القيم – النظم ويبين علاقة الثقافة بالدين وبالعلم.. وفي المبحث الثاني يعرف المثقف ويحدد عناصر المثقف مبينا أنها : الصنعة الفكرية (وهي القاعدة التي يقوم عليها تميز المثقف عن غيره) والتكيف الشخصي ( العملي ) وفق المستوى المعرفي ( الفكري ) الذي يحمله ،وامتلاك رؤية تشتمل على منظومة مفاهيم في تفسير الوجود، والواقعية الاجتماعية، والنزعة النقدية قدرة وفعلاً . ثم يحدد مواصفات المثقف المسلم بأنه شخص يملك صنعة فكرية وسمتا شخصيا متسقا معها ورؤية شمولية في الإصلاح وواقعية اجتماعية ونزعة نقدية.وأنه منطلق من الإسلام منهجاً وموضوعاً . ويوضح وظيفة المثقف من خلال عدة تصورات وآراء. كما يبين الفرق بين المسلم والإسلامي ويعرض عددا من الألقاب المتداخلة مع لقب مثقف ؛كالعالم والمفكر والداعية مبينا الفروق بينها وبين وصف المثقف وفي المبحث الثالث يتحدث عن النخب المثقفة في العالم العربي واحتكاكاها بالغرب عن طريق الابتعاث وغيره وانقسامها مابين منبهر ومتماسك ويصف عموم النخب المتأثرة بالغرب بالعصرانيين منطلقا من أن هذا العصر هو عصر الغرب. ثم يشير إلى أبرز ثوابت الرؤية التي توجه الحضارة الغربية المعاصرة . ثم يعدد إيجابيات النخبة العصرانية ويعرج على سلبياتها وعلى رأسها أنها لم تحقق للأمة التقدم في المسيرة النهضوية خطوة للأمام مدللا بالاعترافات وبالواقع المتمثل: بسقوط حضاري واجتماعي(قيم) وثقافي(هوية) وسياسي(حرية) وعسكري (إسرائيل) ومعنوي (ذل) . ومن شواهد فشل النخبة العصرانية الليبرالية عقم إبداعهم في كتاباتهم وضعف سمتهم الشخصي أخلاقيا وانعزالهم عن المجتمع واضطراب علاقتهم بالإسلام وتفاوتها تفاوتا بينا فكانت النتيجة لكل ذلك هي الإفلاس والفشل وافتقاد ثقة المجتمع والأزمة والغربة وشلل الفاعلية: تهور- هزائم عسكرية - حكم منفرد مستبد - فشل الوحدة - النزاعات -انتهاك حقوق الإنسان - تفشي الفقر - تفكك سياسي - تغرب ثقافي - حروب إقليمية - تبعية اقتصادية. ثم يعرض لمسار ما بعد السقوط للنخبة العصرانية مبينا تحولهم لعدة مسارات طرائق قددا؛ مابين تائب، ومتعولم ومنسحب , ومنتحر، ومهاجر للغرب ،وملتحق بطوابير العمالة الصريحة ،ودارس للتراث من منطلقات غربية ثم ينتقل للحديث عن النخبة الإسلامية مبينا مسارها التاريخي المعاصر بدأً من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والسنوسية والمهدية ثم المدرسة الإحيائية (الأفغاني وعبده ورضا وابن باديس) ثم الحركات والجمعيات والعلماء والدعاة التي تشكلت في تيارات إخوانية وسلفية وعلمية وفكرية ويحدد خمسة قواسم مشتركة بينها.. بعد ذلك ينتقل لبيان مميزات النخبة المثقفة الإسلامية: الإخلاص للأمة بالانطلاق من الإسلام - القناعة الكاملة بالإسلام -أنها خلقت ثقافة شرعية- أوجدت أمانا نفسيا- قاومت الغزو الثقافي- سعت نحو النهوض بالأمة- بعثت الاجتهاد- خطابها جامع بين النخبوية والجماهيرية- التدرج نحو التوازن بين المثالية والواقعية- رد الاعتبار العلمي للنص الديني الأساسي ( القرآن والسنة) كما يكشف أبرز سلبيات النخبة الإسلامية وهي: الجمود المنهجي في التحول الذي تقتضيه ضرورات التطور- تغير نمط التحديات وجمود نمط الاستجابة لتلك التغيرات- تآكل القطعيات الاجتهادية- اضطراب المفاهيم في التعامل مع المصطلحات المعاصرة كالديمقراطية- معاناة التعامل مع الواقع- الضمور الشديد للإبداع- نقص العلمية والتحليلية- نقص النقد الذاتي- التطاوح بين الثنائيات-الجمود على اجتهادات سابقة.. ثم يتناول النخبة الإسلامية والمستقبل مبشرا أن المستقبل لها ومعددا أسباب ذلك (كفشل العصرانيين وفشل التنمية بلا ثقافة ولأصالة مرتكزها وهو الوحي ولتجاوب الجماهير معها ولتطورها وإن كان بطيئا في منهج حراكها ولقدرتها على توليد قيادات متوالية ومتنوعة ولاستجابتها للمستجدات , وللمبشرات على مستوى الأمة والعالم. ثم بين ضمانات تحقيق المستقبل المنشود للنخبة الإسلامية:مثل تحرير منهج العلاقة بالمرجعية وهي الكتاب والسنة بصورة محكمة- لملمة التشتت في الأهداف والبرامج نحو التقارب والتنسيق- تجاوز السلبيات-الشجاعة في الاجتهاد والتجديد- الفرز بين الأشياء المختلفة- الانفتاح على مختلف قوى الأمة وتحديد القواسم المشتركة. الفصل الثاني عن مقومات ثقافية المثقف المسلم التي تجعل جهد هذا المثقف إسلاميا وواقعيا ومعاصرا. ويعدد أهداف المثقف المسلم بأنها: التذكير- البناء – المساوقة – المغالبة - استثمار المنجز الإنساني. ثم يبين الأسس المنهجية لثقافة المثقف المسلم وهي :1 – الصنعة الفكرية 2 – الإيمان بالإسلام مرجعية للثقافة 3– فقه الدين 4 – فقه الواقع . ويرى المؤلف أن الصنعة الفكرية تتجلى في أمور هي : المعرفة التخصصية في فن من فنون العلم , والمنهجية العلمية في تخصصه بإتقان وفي المناهج الأخرى بالاستيعاب , والإبداع والاجتهاد , والبناء العلمي على قواعد وحقائق صحيحة. وفي حديث المؤلف عن مرجعية القرآن والسنة يبين أن خلل الانتماء الثقافي للإسلام هو منطلق الأزمات التي يعاني منها المثقف المسلم العصراني . وأزمة العصراني جهله بجوهر الإسلام لا بتفاصيله والنتيجة أنه يرى إسلامه من خلال رؤية استشراقية أو تأمل في التدين الشعبي في مجتمعه أو قياس على أديان أخرى خاصة النصرانية. ويحدد تجليات الانتماء الثقافي للإسلام في خمسة محاور:: الأول : تفسير الوجود: دنيا وآخرة – غيب وشهادة - عقل ووحي- أصل الإنسان وحكمة وجوده ومصيره. الثاني : التوحيد : وهو التوضيح التطبيقي لتفسير الوجود. الثالث : هيمنة الوحي على التفكير. الرابع : الشمولية في مقاصد الشريعة وميادينها وعناصرها. الخامس : ثبات المعيارية والإطلاق لأنه يرتكز في نظرته للأشياء على حقائق الوحي .. وفي المبحث الثالث يتحدث المؤلف عن فقه الدين مبينا أن الفقه في الإسلام جهد بشري يتجلى في ثلاثة أنواع : فقه النصوص الشرعية ، وفقه الكون والحياة والوجود الإنساني ، وتكييف الحياة وفق منهج الله . ثم يفصل منهج الفقه في الدين مبينا ارتكازه على صحة النص وصحة الدلالة محذرا من تحريفات دلالات الألفاظ الشرعية المعاصرة والقديمة كما يحذر في حديثه عن الاجتهاد من بعض المنهجيات المعاصرة في دراسة النصوص والقراءات التأويلية المعاصرة للنص الهادفة إلى تحطيم الوحي أن يكون مرجعية موجهه وتفتيت الرؤية الموحِدة للعقيدة . وداعيا في الوقت نفسه إلى تفاعل إيجابي مع الدراسات اللغوية المعاصرة التي وضعت مناهج لدراسة النصوص دراسة استيعابية نقدية . وفي المبحث الرابع يتحدث المؤلف عن فقه الواقع. ويحدد لفقه الواقع ثلاث صور:: 1- هي التصور الصحيح المتماسك لمجريات الحياة. 2- تصور صحيح للواقع كما هو قائم بأنساقه الفكرية والتنظيمية ثم صياغة هذا الأنساق صياغة إسلامية ففقه الواقع هنا في الصورة الثانية ينزل إلى الساحة فيصبغها بفعل الحلال ومنع الحرام في مقابل فقه الصورة الأولى الذي يسير خلف المجتمع في تحولاته يصدر أحكامه على هذه التحولات بالحل والحرمة والصحة والفساد . 3- العلم بسنن الله في الآفاق والأنفس في الكون المادي والحياة الإنسانية . والذي من خلاله يتعرف الإنسان على التغيرات وطبائعها وآلياتها وفقه السنن هو أقرب المعاني لمدلول اللفظة في القرآن إذا جاءت منفية عن الكفار والمنافقين. ثم يلقي المؤلف نظرة تاريخية على فقه الواقع من حيث الاعتقاد وسنن الله ملاحظا انفصال الفقه عن الواقع العملي شيئا فشيئا بعد عهد الصحابة. كما يلاحظ محاولات التجديد في فقه الواقع منذ عصر النهضة الحديث : بدء من جهود فكرية لرواد مدرسة الإحياء إلى رسائل علمية جامعية ومجامع فقهية ومؤسسات. ويشير المؤلف إلى عدد من العناصر المهمة في فقه الواقع للمثقف المسلم وهي : العلم بحقيقة الطبيعة الإنسانية – العلم بالسنن الربانية الكونية والإنسانية – كما يدعو إلى توازنات مطلوبة في التعامل مع الواقع : بمراعاة شرائح المجتمع والتوازن بين المطلقات التعبوية والبرامج العملية ورعاية التوازن بين العلم وقدرات العمل. ثم يختم المؤلف بالحديث عن إشكاليات فقه الواقع. هذا عرض سريع لكتاب المثقف العربي وهو يهدف للتعريف بقيمة هذا الكتاب وبيان أهمية قراءته لكل مثقف عربي. إعداد أبوسلمان إبراهيم بن عبدالرحمن التركي