بيع 2300 فيلم مصري لشركات الاستثمار الفني تجربة شركة "جودنيوز" كانت محاولة قوية لدخول سينما القرن الواحد والعشرين كما أثر تأميم شركات التوزيع السينمائي ودور العرض في مصر سلبيا علي الإنتاج السينمائي في مصر حيث تراجع إنتاج الأفلام وهرب عدد كبير من نجوم السينما إلي لبنان وتركيا وسوريا وتكوَّن طابور خامس في لبنان لمحاربة الفيلم المصري -تأثرت السينما في مصر إيجابيا بعد الحرب الأهلية في لبنان؛ حيث هاجر عدد كبير من الموزعين اللبنانيين الذين كانوا يسيطرون علي توزيع الأفلام المصرية خاصة في دول المشرق العربي إذ إن السوق في شمال إفريقيا خاصة في الجزائر وتونس والمغرب لم يرحب بالفيلم المصري كثيرا؛ لأن هذه الدول تهتم بالأفلام التي من إنتاج فرنسا؛ حيث إن معظم سكان هذه الدول تتحدث الفرنسية، كما أنها بدأت إنشاء صناعة سينما مع الشركات الفرنسية بنظام المشاركة.. وعاد الموزعون اللبنانيون خاصة، والسوريون والفلسطينيون والأردنيون عامة إلي شراء الأفلام المصرية؛ حيث طفت علي السطح أسباب كثيرة منها السياسة والتكنولوجيا.. ولأن السينما المصرية تعتمد في التسويق علي دول العالم العربي فقد كان للمقاطعة العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد أثر كبير في موقف السينما بمصر؛ إذ قاطعت الدول العربية السينما وتوقف شراء الأفلام المصرية في أهم أسواق السينما بالعالم العربي، وذلك بعد ظهور تكتل الصمود والتصدي الذي تزعمته العراق ومعها سوريا وانضم إليهما بعض دول الخليج (رغم اشتعال الحرب الأهلية في لبنان الذي كان من أهم الأسواق العربية شراء للفيلم المصري إلا أن المشكلة التي كانت تواجه السينما في مصر في القرن الماضي تكمن في قلة دور العرض السينمائي خاصة بعد تأميمها؛ فقد كان عدد دور العرض في مصر لا يزيد علي 250 دار عرض حتي عام 1963 وكان معظمها من دور العرض الصيفية وكان تعداد مصر في ذلك الوقت 30 مليون نسمة وكان متوسط الإنتاج لا يزيد علي 40 فيلما، وهو ما يعني أن دور العرض لا تتناسب مع عدد اسكان وإذا قارنا هذه الإحصائية مع جمهوريات أخري وبلاد أخري فسنجد أنها أقل من مصر في عدد السكان، والتفاوت الهائل في عدد دور العرض. وعلي سبيل المثال لا الحصر فإن تعداد الدانمارك عام 1963 كان 4،5 مليون نسمة وبها 425 دار عرض وتنتج 20 فيلما كل عام.. والسويد كان يبلغ عدد سكانها في ذلك التاريخ 7 ملايين نسمة وعدد ددور العرض فيها 2498 وتقوم بإنتاج 16 فيلما سنويا، لذلك كانت الخطة التي وضعها د.ثروت عكاشة تقضي بإنشاء 4000 دار عرض ريفية لعرض الأفلام من مقاس 16 مم، وتم افتتاح عدد قليل منها في مشروع قصور الثقافة في المدن والأقاليم التي أنشئت في عهد د.ثروت عكاشة، وكان أول مسئول لها "سعد كامل" ثم أتي بعده سعد الدين وهبة، إلا أن هذه الدور لم تصل نسبتها لأكثر من 5% من الخطة التي كانت موضوعة ثم توقفت بعد ذلك في بداية القرن الواحد والعشرين.. إلا أنه مع بداية الألفية الثانية بدأت السينما تشهد نشاطا ملحوظا خاصة في إنشاء شاشات العرض إذ بدأ "طارق علي صبري" ابن السيد علي صبري نائب رئيس الجمهورية في عهد عبدالناصر في إنشاء مجموعة دار عرض بالمشاركة مع رجل الأعمال نجيب ساويرس كما تم إنشاء شركة إنتاج سينمائي إلا أن المشروع لم يستمر طويلا رغم أن شاشات العرض التي انشأت كانت لا تزيد عدد روادها علي 250 فردًا بينما ارتفعت أسعار تذاكر السينما وأصبحت من 20 إلي 25 جنيها للفرد الواحد. إلا أن هذه الشركة لم تستمر طويلاً وتنازلت عن دور العرض للشركة العربية للفنون والتي كان يرأس مجلس إدارتها إسماعيل هيكل ابن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل ثم تنازلت الشركة عن شاشات العرض للشركة العربية للإنتاج والتوزيع التي أسسها علاء الخواجة بالاشتراك مع رجل الأعمال نجيب ساويرس ومعهما عدد من رجال الأعمال من أبرزهم فتحي القلا وتديرها الفنانة إسعاد يونس.. كما اتجه المخرج يوسف شاهين قبل رحيله ومن بعده جابي خوري وشقيقته ماريان خوري إلي إنشاء عدد من شاشات العرض بنفس شكل شاشات العرض التي أنشأها طارق صبري ورجل الأعمال نجيب ساويرس.. ودخلت أوسكار التي أسسها حسن عبدالله نفس المجال وأيضا كاتب السيناريو فاروق صبري وأيضا جود نيوز التي أسسها الإعلامي الكبير عماد الدين أديب. وإلي جانب شركة التوزيع الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي ثم إنشاء كيان جديد يتمثل في سبع شركات سينمائية لإنتاج وتوزيع الأفلام السينمائية والذي تقلص أخيرا في ثلاث شركات فقط هم أوسكا لأولاد حسن عبدالله والنصر لمحمد حسن رمزي والماسة لأسامة عبدالخالق.. وقد تسبب ازدياد شاشات العرض في ارتفاع إيرادات الأفلام السينمائية لأنه لم يعد يتم عرض الأفلام في ست شاشات فقط وإنما أصبح الفيلم يعرض في أول عرض له في خمسين شاشة عرض وفي بعض الأحيان في ثمانين شاشة عرض كما حدث في أفلام عادل إمام.. ومحمد سعد خاصة في الأفلام الي كانت تحمل اسم الليمبي.. وكان أول فيلم سينمائي حقق إيرادات في ظل هذا الجو فيلم "إسماعيلية رايح جاي" الذي قام ببطولته محمد فؤاد وشاركه البطولة محمد هنيدي حيث حقق الفيلم في عرضه لأول 17 مليون جنيه بينما لم يتجاوز تكاليفه في ذلك الوقت عن 500 ألف جنيه. -6- وتسبب زيادة إيرادات الأفلام في ظاهرتين اظاهرة الأوي ارتفاع تكاليف الأفلام حيث تصل في بعض الأحيان إلي 15 مليون جنيه. والحد الأدني للتكاليف تصل إلي أربعة ملايين جنيه، أما الظاهرة الثانية ارتفاع أجور الفنانين والفنانات بشكل لافت للنظر فقد وصل أجر النجم إلي عشرة ملايين من الجنيهات وفي بعض الأحيان إلي خمسة عشرة مليون جنيه، والحجة التي كانت لدي الفنانين في زيادة أجورهم ارتفاع إيرادات الأفلام حيث يصل إيراد الفيلم من 5 ملايين جنيه في الفيلم المتوسط إلي عشرين مليون جنيه كما حدث في أفلام الممثل أحمد حلمي الأخيرة، إلا أن التخوف لدي السينمائيين من ارتفاع تكاليف أفلام السينمائية وارتفاع أجور الممثلين الذي يقتطع من 60% إلي 70% من ميزانية أي فيلم سينمائي جعلتهم يعودون إلي الماضي عندما قامت الدولة بتأميم السينما حيث خسرت شركات الإنتاج طبقا لتقارير جهاز المخابرات وصلت إلي ثمانية ملايين من الجنهيات وذلك في منتصف الستينات.. ووقتها قامت الدنيا ولم تقعد وأحيل المسئولون في الشركات السينمائية التابعة للقطاع العام إلي التحقيق وتم اقصاؤهم عن مناصبهم.. وجعلت الدولة بغض النظر عن الإنتاج فما بالنا بالمنتج العادي الذي يخسر دائما وبشكل مستمر في الأفلام التي يقوم بإنتاجها حيث إن الأفلام التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة والتي تتراوح تكاليف الفيلم كما ذكرنا ما بين عشرة ملايين جنيه وقد تصل إلي ثلاثين مليون جنيه كما يردد بعض المنتجين وأيضا غرفة صناعة السينما المسئولة عن المنتجين والموزعين أن خسائر السينما في العامين الأخيرين وصل إلي أكثر من خمسين مليون جنيه هو ما يتسبب في كارثة لعدم استطاعة المنتجين علي الاستمرار في الإنتاج السينمائي. وتعود الخسائر التي تلحق بالمنتجين بسبب ارتفاع التكاليف..و سوق التوزيع للفيلم المصري محدود للغاية.. فإنه ينحصر علي عدد من الدول العربية وليست جميعها.. وذلك في دول الخليج العربي إلي جانب لبنان والأردن في بعض الأحيان بينما توقفت في باقي الدول العربية كسوريا مثلا عن شراء الأفلام المصرية إلا فيما ندر لأنها تعتمد علي إنتاجها الذي يتم من خلال مؤسسة السينما التي تشرف عليها وزارة الثقافة وتقوم بإنتاج ما بين عشرة أفلام وخمسة عشر فيلما تكفي احتياجات شاشات العرض المحدودة أيضا في سوريا كما يعتمد علي الأفلام التي يتم إنتاجها في لبنان. ورغم أن آخر إحصائية بالنسبة لعدد سكان مصر الآن كما أعلنته الإحصائيات وصل إلي 91 مليون نسمة وأن ثمانية ملايين منهم يعيشون في الخارج خاصة في فرنسا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدةالأمريكية وكندا إلا أن الموزعين في السينما المصرية لم يهتموا بالتعامل مع الملايين الكبيرة التي تعيش في هذه الدول وحتي في أمريكا اللاتينية خاصة المسكيك والارجنتين حيث توجد جاليات عربية لدرجة أن إحدي شركات السينما في المكسيك قامت منذ سنوات بإنتاج فيلم عن رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ وهو زقاق المدق في فيلم سينمائي وعرضته المكسيك في مهرجان القاهرة السينمائي. وإهمال شركات التوزيع السينمائي للدول التي يمكن أن تحقق إيرادات كبيرة للفيلم المصري تكون عوضا عن الخسائر التي تلحق به يعود إلي أن المستوي الفني للأفلام التي يتم إنتاجها لايرقي إلي المستوي الفني للأفلام التي يتم إنتاجها في دول العالم..إذ إن الموزعين لايدركون أهمية توسيع دائرة تسويق الفيلم المصري في أنحاء العالم. كما أن السينما المصرية متخلفة عن تكنولوجيا العصر.. حيث إن الأدوات التي يتم استخدامها في السينما المصرية أدوات قديمة من حيث كاميرات التصوير والاضاءة وغيرها وآلات العرض السينمائي، وبالنسبة لكاميرات التصوير فإن السينما العالمية بالذات تستخدم الأجهزة الحديثة. والسبب الثالث الذي يتسبب في الخسائر التي تلحق بالأفلام السينمائية هو عدم استخدام أصحاب شاشات العرض التكنولوجيا الحديثة التي تطورت في الآت العرض حيث إن معظم دول العالم المتقدمة لا تستخدم الات العرض التقليدية وانما بدأت تستخدم الكمبيوتر في عرض الأفلام السينمائية التي يتم إنتاجها في حين أنه لا يوجد في مصر سوي 15 دار عرض فقط تستخدم الكمبيوتر في عرض الأفلام السينمائية بينما 90% من دول الخليج التي تعرض الأفلام المصرية يتم عرضها من خلال الكمبيوتر وتستخدم أشرطة بيتكام. لايصل سعر الشريط وسعته ساعتان عرض عن 300 جنيه بينما تكاليف نسخة "البوزتيف" للعرض من أي فيلم سينمائي يصل من 10 آلاف جنيه إلي 12 ألف جنيه. وعالم السينما المصرية مليء بالحكايات التي تدعو إلي العجب فلقد قام أحد رجال الأعمال العرب بتكوين شركة إنتاج سينمائي لممثلة علي أساس أن تقوم ممثلة له علاقة بها لبطولة الأفلام التي يقوم بإنتاجها الشركة. وحدث لي شخصيا من خلال إحدي شركات التوزيع السينمائية الكبري فقد كنت أستعد لاخراج فيلم وكان مرشحا للفيلم واحدة من نجمات السينما في ذلك الوقت وتم التعاقد معها، وقبل التصوير بيومين أمرني الموزع السينمائي والذي اشتري الفيلم من المنتج بأن أقوم بتغيير النجمة التي كنا قد ارسلنا إليها أوردر التصوير علي أن تقوم ممثلة غير معروفة ببطولة الفيلم علي أن تقوم بابلاغ الممثلة المعروفة بارجاء تنفيذ عقدها إلي فيلم آخر، وكان هذا يحدث دائما في الأفلام وعندما ناقشته في ذلك وجدته مصرا علي رأيه وابلغني صراحة أن هناك مصلحة في اسناد البطولة إلي الممثلة غير المعروفة. وقد وافقت لسبب واحد هو انني لو اعتذرت عن عدم اخراج الفيلم واسناده إلي مخرج آخر وما أكثرهم في ذلك الوقت والذين كانوا يتمنون العمل مع شركة التوزيع سيطلقون الشائعات وما أسهل الشائعات التي يرددونها بسرعة البرق وابسطها أن الشركة سحبت الفيلم مني وهذه الشائعة تؤثر علي مسيرتي الفنية وكان ذلك من الدروس المستفادة لي في أن أضيف في العقد الذي اقوم بتوقيعه من المنتج بالا يتم تغيير أي ممثل أختاره إلا بموافقتي. ورغم كل ذلك إلا أن محاولة شركة "جودينوز" المتميزة في الإنتاج السينمائي كانت بداية لبحث جديد للسينما المصرية فلقد عملت الشركة علي إنتاج إعمال كبيرة من نوعية متميزة وتقنيا بل ودعايا. وكان من المفروض أن يتحرك الجسد السينمائي المصري ليساندها بكل قوة حتي يمكن العبور إلي سينما جديدة تحمل الكثير من التميز والوعي الفني الراقي. ومازالت هذه التجربة الكبيرة قادرة علي التجدد رغم كل الظروف وعلي وضع واقع سينمائي جديد لتكون بارقة أمل لعبور السينما المصرية إلي سينما القرن الواحد والعشرين.