لا تواجه أوروبا أزمة دول اليورو فقط ولكنها أيضا تواجه أزمة نمو وذلك لأنها ليست حريصة علي تشجيع رجال الأعمال الطامحين أصحاب الشركات الناشئة.. وتقول مجلة "الايكونوميست" بوضوح إن أوروبا ذات ثقافة مناهضة لنشوء الشركات ومناهضة أيضا لتحول الشركات الناشئة إلي شركات كبري. وربما تصادف أماكن مثل مقهي سانت أوبرهولز في شرق العاصمة الألمانية برلين الذي تحول إلي مركز حاضني للشركات الناشئة وملتقي لأصحاب رأس المال المخاطر وأصحاب الأفكار والابتكارات الراغبين في تحويلها إلي شركات وفي سانت أوبرهولز لاتجد التمويل فحسب ولكنك أيضا تجد المأوي لمشروعك في فترته الأولي علي الأقل وهو مأوي يصلح لأن يكون مكتبا أو حجرة نوم بمعني أنه مأوي بسيط ولكنه علي أية حال لافت للنظر والمشكلة أن وجود اوبرهولز استثناء وليس قاعدة. كذلك فإن نمو المشروعات الناشئة في أوروبا يصطدم بعقبات كثيرة بعد أن تشب عن الطوق وتحاول الخروج من اوبرهولز وأشباهها إن وجدت. ففي أوروبا يعاني أصحاب المشروعات الناشئة من أجل الحصول علي مدراء محترفين لأن القادة التنفيذيين الأوروبيين لا يحبون المخاطرة. وبجانب ذلك سرعان ما يتبين أصحاب الشركات الصغيرة أن الشركات الأوروبية الراسخة تعزف عن التعاون معهم. وأن معظم نافذ التمويل لا ترحب بهم وأن القواعد الحكومية تعرقل حركتهم. وأنهم حتي عندما يتعثرون لا تتاح لهم إجراءات افلاس سهلة تتيح لهم أن يبدأوا من جديد. فالتعثر والافلاس في أوروبا يتحول إلي وصمة عار قد لاتزول أبدا. وإذا دخلنا إلي العصر الرقمي فستجد أن أوروبا تعاني من نقص في ثقافة المخاطرة وأن هذا هو الذي عوق قدرتها علي إنجاب شركة مثل جول أونيس بوك أو ما شابه ذلك من شركات الإنترنت. ولا أحد ينكر أن أوروبا تزخر بقصص الثراء العصامي ولكن رجال الأعمال الطموحين من مؤسس الشركات الناشئة يتركون أوروبا ويهاجرون إلي أمريكا.. ففي وادي السيليكون الأمريكي 50 ألف الماني ونحو 500 شركة ناشئة أصحابها فرنسيون موجودة في منطقة خليج سان فرانسيكو. وأحد الحريات التي وجدها الألمان والفرنسين في أمريكا هي حريتك في أن تفشل وتظل لديك الفرصة لأن تبدأ من جديد. وهذه حرية غير ميسرة في أوروبا. ومن العوائق أيضا نقص التمويل فمن السهل أن يحصل الأوروبي علي مليون يورو (1،2 مليون دولار) ليبدأ مشروعه ولكن ما هو أكثر من ذلك أي ما بين 1،5 4 ملايين يورو يحتاج إلي تمويل منظم وهو مسألة صعبة. المبلغ الأول يمكن أن تحصل عليه من الأهل والأصدقاء أما المبلغ الثاني فيحتاج إلي تمويل مؤسس. وقد يكفي أن تعرف أن جملة رأس المال المخاطر الذي يعمل في أوروبا لم يكن يتجاوز 8،2 مليار دولار عام 2007 هبط في العام الماضي 2011 إلي 4،1 مليار دولار والمشكلة أن كثيرا من مؤسسات الاستثمار تعتبر توظيف جزء من أموالها في مجال رأس المال المخاطر خطأ يجب تحاشيه. وتزداد صعوبة الأمر إذا كان المبلغ المطلوب أكبر أي عندما تدخل الشركة الناشئة مرحلتها الثالثة وتحتاج 20 مليون دولار مثلا أو نحو ذلك. ومن سوء الطالع بالطبع أن معظم الشركات الأوروبية الناشئة تصطدم بالحواجز المدمرة قبل أن تدخل تلك المرحلة الثالثة. ولكن يبدو أن الأزمة العالمية التي لاتزال تداعياتها تعض أوروبا والعالم حتي الآن ستحول المشهد الأوروبي لصالح الشركات الناشئة. فساسة أوروبا ادركوا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي أفضل أدوات محاربة البطالة وبدأت معظم أن لم يكن كل الدول الأوروبية تزيح العقبات التي تحول دون إنجاب المزيد من الشركات الصغيرة والمتوسطة بهدف أساس هو محاربة البطالة واستئناف النمو من جديد.