هناك بالضرورة شئ خاطئ في الغابة التي تستطيل كل شجرة فيها حتي تبلغ عنان السماء، ولكن قلة منا فقط هي التي توقفت لتتساءل امام الازدهار الاقتصادي الساحر الذي تمتعت به كل بلاد العالم تقريبا ابتداء من عام 2003. لقد كان هناك بعض التشكك في امر النمو الذي يقوده قطاع الاسكان في الولاياتالمتحدة أما الآن فقد اصبح واضحا ان ما تزامن معه من تسارع للنمو في البرازيل والهند وحتي الصين كان اساسه ايضا يرجع إلي فقاعة الائتمان العالمية، وهذه كما تقول مجلة "نيوزويك" حقيقة مؤلمة بشكل خاص للعالم النامي الذي كان يعقتد ان ازدهاره الاقتصادي نتاج لقوة العولمة والتعدين المتزايد والادارة الافضل لسياسات الاقتصاد الكلي ويري روتشير شارما رئيس قسم الاسواق الناشئة في بنك الاستثمار مورجان ستانلي إن هذه المقولات فيها اكثر من عنصر من عناصر الصدق ورغم ذلك فمن الصعب ان نتجاهل الاستنتاج القائل بأن قفزة النمو سالفة الذكر ترجع اساسا إلي الائتمان السهل والرخيص. ان اتجاه النمو في الاقتصادات النامية اظهر زيادة ملحوظة ابتداء من عام 2003 حيث تضاعف معدل نمو الاقتصادات النامية إلي 7.3% بعد ان كان 3.6% فقط سنويا في المتوسط خلال الفترة بين عامي 1980 و2002. ولم تكن مصادفة ان يحدث ذلك مع بدء ازدهار قطاع الاسكان الامريكي فبعد انفجار فقاعة شركات التكنولوجيا عام 2000 قام بنك الاحتياط الامريكي بخفض اسعار الفائدة بشراسة لكي يصنع دورة نمو جديدة. ولكن بنك الاحتياط الامريكي لم يكن يحدد اسعار الفائدة الامريكية فقط وانما كان ايضا يقرر مصير الاسعار العالمية للنقود وقد تدفق رأس المال علي كثير من البلدان النامية كما انخفضت تكاليف رأس المال علي مستوي العالم كله وفي عالم تتدفق فيه رءوس الاموال يصبح من الصعب وضع سياسة نقدية مستقلة. وتقول الارقام إن صافي تدفقات رأس المال علي الاسواق الناشئة في الفترة من 2003 2007 زاد إلي 7% سنويا من اجمالي الناتج المحلي لهذه الاسواق بعد ان كان يمثل 4% فقط سنويا في المتوسط خلال الفترة من 1980 حتي عام 2002. ونتيجة لذلك زادت التزامات الاسواق الناشئة للمستثمرين الاجانب سواء كانت في شكل اوراق مالية أو ديون لتصبح اكثر من 5 تريليونات دولار في عام 2007 أو نحو 40% من اجمالي الناتج المحلي للعالم النامي في حين ان هذه النسبة لم تكن تتجاوز 22% عام 2002. ومع سهولة الحصول علي الائتمان لجأت شركات العالم النامي إلي تحويل خطط نمو طموح عن طريق الاستدانة أو بيع الاوراق المالية للمؤسسات المالية الغربية وقد كانت السنة الماضية 2007 سنة مترعة حيث تدفق خلالها علي الاسواق الناشئة 435 مليار دولار من القروض المصرفية ونحو 150 مليار دولار قيمة اصدارات سندات خارجية قامت بها الشركات إلي جانب 210 مليارات دولار قيمة اصدارات اسهم اولية طرحتها الشركات ايضا في الخارج اي ان اجمالي تدفقات رأس المال الاجنبي علي شركات العالم الثالث في عام 2007 وحده يناهز 795 مليار دولار. ولاشك ان اثر هذه التدفقات الرأسمالية الاجنبية في تنشيط النمو الاقتصادي للاسواق الناشئة يتجاوز الارقام المذكورة. فهذه التدفقات دعمت النمو كميا بزيادة الثقة المحلية ازاء احتمالات النمو المستقبلي وحفزت روح المخاطرة بتقديم رأس المال المخاطر إلي المشروعات الكبيرة ودعمت اسعار صرف العملات. والآن بدأت البنوك الغربية في بعض الاقاليم تخفض ميزايناتها النقدية لدي فروعها في الاسواق الناشئة تحت وطأة الحاجة إلي تقليص وازاناتها في المركز الرئيسي وهذا معناه ان صنبور السيولة الدولية قد اغلق فجأة تاركا العديد من شركات الاسواق الناشئة دون ملجأ وهكذا انكشفت المشكلة الرئيسية لنمط النمو الذي اتبعته الاسواق الناشئة. لقد اعتمدت هذه الاقتصادات بكثافة شديدة علي رأس المال الاجنبي لتمويل نموها وهذا جعلها عرضة للاصابة بالدورات العالمية للازدهار والانكماش وكانت نوبات جفاف مماثلة قد ضربت الاقتصادات النامية في ثمانينيات القرن الماضي بسبب ازمة الجهاز المصرفي الامريكي آنذاك ثم في بداية هذا العقد عند انفجار فقاعة شركات الانترنت. وتقول مجلة "نيوزويك" إن المشكلة لا تكمن في انخفاض المدخرات فمعدل الادخار في شرق آسيا كان عاليا قبل ازمة 1997 1998 كما ان كثير من الاسواق الناشئة لديها الآن بحيرة من خبرات كبيرة. ولكن المشكلة تكمن في عدم فعالية انظمة الائتمان التي لا تحسن استخدام هذه المدخرات، ومن المأمول ان يؤدي انخفاض امكانية الحصول علي رأس المال الاجنبي في السنوات القادمة إلي حدوث تغيير في نمط أو نموذج النمو اكثر اعتمادا علي المدخرات الداخلية بدلا من الخارجية. أما في الوقت الراهن فسيكون علي الاسواق الناشئة ان تتعامل مع الحقيقة القاسية التي تقول إن نموها الهائل في السنوات القليلة الماضية كان مجرد نتاج وهمي للسيولة والمتوقع في تقدير الخبير شارما ان يعود معدل النمو في الاسواق الناشئة إلي ما كان عليه في الفترة 1980 2002 اي في حدود 3.5 4% سنويا خلال المستقبل المنظور. وهذا امر ليس بالغ السوء في زمن ستعاني فيه الولاياتالمتحدة وكثير من العالم المتقدم بسبب المديونية الثقيلة من فترة طويلة من النمو السالب كما ان هذا الركود الذي يسود في الغرب قد يزيد من الجاذبية النسبية للاستثمار في الاسواق الناشئة علي عكس ما سبق ان حدث في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما كانت الولاياتالمتحدة تنمو بمعدل 3% سنويا اي بنفس سرعة العالم النامي تقريبا إلي جانب نموها تبدو ذات مخاطر اقل كثيرا من العالم النامي. وباختصار فإنه إذا كان الغرب يقول وداعا للعصر الذهبي للنمو 2003 2007 فإن معدل النمو في الاسواق الناشئة سيكون عليه هو الآخر ان يعود إلي مستواه السابق قبل عام 2003 إلي حين إشعار آخر.