أثار الخلاف بين الحكومة والاسلاميين أثناء زيارة بعثة صندوق النقد الدولي ردود فعل واسعة وما اعقبها من تصريحات لمرشحين للرئاسة ذوي مرجعية دينية مثل عبدالمنعم ابو الفتوح الذي قال في نهاية الاسبوع الماضي إن البنوك وسعر الفائدة حرام شرعاً ووضع إلغاء سعر الفائدة هدفاً استراتيجياً له ضمن برنامجه الانتخابي تدريجياً. ولم يفلح تناول البرامج الاقتصادية لأحزاب ذات مرجعية إسلامية، لبنود اقتصادية في طمأنة الوسط المصرفي من تحول في التوجه الاقتصادي ومشاكل مستقبلية فيما يخص أنظمة الفائدة والتعاملات البنكية والقروض والودائع، في ظل ارتباط تلك الأوساط بعقود واتفاقيات وتعاملات مالية تتخطي الحدود المحلية، ويبني كثير من هؤلاء قناعتهم بأن تلك التعاملات ليست من عمل الشيطان، علي الاختلاف الفقهي المتجذر بين علماء الدين فيما يخص إباحة فوائد البنوك، وهو الخلاف الذي لم ولن يحسم في المستقبل القريب علي الأقل، فكل طرف لديه ما يكفي من الحجج لإثبات أنه علي حق، ومع ذلك فإن نقطة التماس بين العقيدة الدينية للمتحكم في التعاملات المالية وبين نظريات الواقع المعاصر قادمة لا محالة، ومن ثم نحاول فيما يلي أن يجيب عن عدد من تلك الأسئلة التي تدور في صدور هؤلاء الذين ينتظرون الحكم الإسلامي والآخرين الذين يسعون إليه. البنوك التقليدية والمتخصصة في مصر عدلت من سياساتها المصرفية قبل ثورة 25 يناير، وبعد الثورة جاءت كل المؤشرات لترجح كفة صعود التيارات الإسلامية وتغير السياسات المصرفية لمواكبة التقلبات والتغيرات التي يمر بها المجتمع المصري بعد سقوط النظام السياسي السابق، ورأت البنوك أن قطاعا ليس بالقليل من العملاء يميل إلي المعاملات الإسلامية فقامت بإنشاء فروع أو قطاعات للمعاملات الإسلامية وأحد أبرز هذه البنوك هو بنك مصر، حيث أنشأ فرعاً خاصاً للمعاملات الإسلامية لمواكبة التغيرات. واستطاعت البنوك الاستعداد لصعود أسهم التيارات السياسية الدينية وانعكاسها علي معاملات البنوك، وتعاملت معها بحكمة وقسمت أعمالها بين التجارية والمعاملات الإسلامية. الديموقراطية خبير الصيرفة الاسلامي الدكتور سمير الشيخ قال ان أهم مبادئ ثورة 25 يناير والتي انتفض الشعب المصري لأجلها، هي الديمقراطية، وأهم ملامحها هي تقبل رأي الأغلبية.. ومع تنامي صعود الإسلاميين، خلال الفترة الماضية، يتوقع البعض ان ذلك سوف يضر بأعمال البنوك التجارية، ولكن القطاع المصرفي المصري، يمتلك العديد من الفروع الخاصة بالمعاملات الإسلامية، والتي تتواجد في بنوك مثل الأهلي ومصر والبركة وفيصل الإسلامي، والبنك الوطني للتنمية والمصرف المتحد، وبعض البنوك الأخري لا تمتلك فروعاً للمعاملات الإسلامية، ولكن تقدم خدمات ومنتجات مصرفية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وفي النهاية العميل له حرية الاختيار بين المنتج التقليدي ونظيره الإسلامي، وهناك فتوي صادرة عن دار الإفتاء المصرية أجازت تعاملات البنوك التجارية وأعطت للعميل مشروعية في التعامل مع البنوك، مما يوضح أن البنوك التجارية سوف تتواجد مع نظيراتها الإسلامية، حال وصول الإسلاميين للحكم، أو حصولهم علي الأغلبية البرلمانية، وتنمية وتطوير الأداء والعمل بالبنوك التجارية يدعم الاقتصاد المصري ويسهم في تمويل المشروعات بمختلف أحجامها. خوف وهمي ويري الدكتور يوسف إبراهيم خبير الصيرفة الاسلامية إلي انه ليس هناك ما يبرر الخوف من سيطرة الاحزاب الإسلامية علي اللجنة الإقتصادية خاصة ان هناك جذور للاقتصاد الإسلامي في مصر منذ عقود، وتتمثل في البنوك الإسلامية والفروع الإسلامية للبنوك التقليدية ولا ضير من تطبيق نظام اقتصادي شهد العالم بأسره علي صموده في الازمة العالمية الحالية. وعن اقوال بعض الخبراء عن احتمالية انهيار القطاع المصرفي إذا الغيت الفائدة، يقول إبراهيم عما تردد حول ايداعات البنوك التقليدية إن تطبيق الإقتصاد الإسلامي علي البنوك ليس مستحيلاً، خاصة وان ليست كل الإيداعات ربوية، وذلك لان هناك بنوك شرعية وتقليدية تتوزع عليها تلك الإيداعات لمن يرغب في إيداع شرعي ومكانة البنوك الشرعية ولتوسيع حجم المعاملات الإسلامية يري يوسف إنه يجب علي البنوك ان تحذو حذو بنك مصر والاهلي إذ يتعدي فروع الاول 30 فرعاً متخصصاً في المعاملات الإسلامية. الاستقرار المالي ويلتقط أطراف الحديث الخبير المصرفي الدكتور عبدالرحمن يسري خبير الصيرفة الاسلامية قائلاً ان البنوك بشقيها تستهدف شرائح مختلفة من العملاء، ومن ثم تواجدهما معًا يحقِّق نوعًا من التكامل داخل القطاع المصرفي، ويضيف: ان من يطالب بأسلمة البنوك كلها غير متخصص ولا يسعي لتحقيق المصلحة العامة، مشيرًا إلي أن العميل نفسه هو الفيصل في ذلك، فإذا أراد التعامل مع بنوك إسلامية فهي موجودة وقائمة بالفعل، وإذا أراد أن يتعامل مع البنوك التقليدية فلن يمنعه أحد أو يجبره علي شيء غير مقتنع به. ويتابع: طبيعة العمل في البنوك التقليدية أو التجارية لا تختلف كثيرًا عنها في البنوك الإسلامية؛ حيث إن الدعائم وآليات العمل المصرفي متشابهة جدًّا بين البنوك الإسلامية والتجارية، وفي كل الأحوال النوعان من البنوك موجودان، محذرًا من البحث عن نقاط خلاف في كل القطاعات تعوق عملها، لا سيما وأن نقاط الاتفاق كثيرة. ويتابع يسري قائلاً إن الاقتصاد الإسلامي له أسس واضحة، والبنوك الإسلامية كلها تعمل بشكل اقتصادي محترف جدًّا، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. ويوضح أن البنوك الإسلامية لا تتعامل إلا في الاقتصاد الحقيقي الأخلاقي الذي ينمي موارد الدولة والمجتمعات، ويوفر فرص العمل، ويزيد دخول البنك والمستثمر كشريكين، سواء في الأرباح أو الخسارة، مشيراً إلي أن نجاح البنوك الإسلامية في الوقوف في وجه الأزمة المالية العالمية خير دليل علي أنها لم تتعرض لتخفيض تصنيفها الائتماني، سواء في مصر أو أي دولة أوروبية. ويقول يسري، إن مؤسسة التمويل الإسلامي أكثر استقرارا، لأنها لا تضمن سداد الأصل والفائدة في جانب المطلوبات كما تفعل مؤسسات التمويل التقليدي، وبذلك لا تؤدي الاهتزازات في جانب الموجودات إلي اهتزازات موازية في جانب المطلوبات، تعصف بمؤسسة التمويل. ويتابع أن الديون الناتجة عن التمويل الإسلامي يقابلها تسليم سلع وخدمات، وهي ليست قابلة للزيادة ولا للتداول. ولذلك ليس لدينا سوق منظمة للديون تكون مصدرا للاختلالات الناجمة عن انتقال رؤوس الأموال الساخنة، وناقلة للعدوي من بلد لآخر. كما أن التمويل الإسلامي لا يعرض الاقتصاد للتضخم، لأنه يمول العرض والطلب بالتوازي. ويضيف الدكتور علاء ميسرة الخبير الاقتصادي أن التمويل الإسلامي يقدم في غالبه مشاركات أو سلعا وخدمات، ولا يقدم أموالا للمقترضين، فهو إذن أقل عرضة من التمويل التقليدي لمخاطر سوء الاختيار والنزوع السيئ، ويستثني من ذلك التمويل بالمضاربة والوكالة، حيث لا بد من المزج بينهما وبين غيرهما من العقود، درءا للمخاطر حيث إن التمويل التقليدي يشبه مباريات النظارة، مثل كرة القدم، حيث تنشط مجموعة قليلة من اللاعبين المحترفين، بينما يكتفي الحشد من النظارة بالمتابعة من الخارج وهذا يجعل الاقتصاد مفككا وقابلا للانهيار، أما التمويل الإسلامي، فهو أقرب للمباريات الجماعية أو التشاركية، مثل مسابقات الجري الجماعية، حيث يشارك كل فرد في اللعب، ولا يهتم أحد بمجرد المشاهدة، مما يجعل الاقتصاد متماسكا كالبنيان المرصوص. انتقادات لاذعة لكن الخبير المصرفي د. رشاد عبده قال ان البنوك الاسلامية تتعامل بشكل صحيح حيث ان البطاقات التي تقدمها حاليا البنوك تدخل في اطار البطاقات التقليدية، وأنها تطبق احتساب الفوائد بطرق أخري، حتي إنها فاقت في بعض الاحيان بطاقات الائتمان التي تقدمها البنوك التقليدية من حيث زيادة الفوائد. وقال إن البنوك تدعي أنها تقوم بعملية تورق وبيع سلع نيابة عن العميل في الأسواق العالمية وقبض الثمن وتسديد مستحقات البطاقات علي أن يقوم العميل بتقسيط المبالغ المتبقية علي البطاقة، مؤكدا أن المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الأخيرة شن هجوما حادا علي من يجيز مثل هذه البطاقات. ويشاركه الرأي الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف سمير قائلاً أن البنوك الإسلامية لم توفر منتجات مصرفية إسلامية حقيقية، بل اطلقت بدلا من ذلك اسما إسلاميا علي منتجات البنوك التجارية؛ لاستقطاب العملاء الذين لا يريدون التعامل بالفائدة. وعزا عبدالمنعم أسباب انتقاده للبنوك الإسلامية في جميع أنحاء العالم إلي كونها تقدم نفس المنتجات، التي تمر بنفس القنوات الاستثمارية، مثلها مثل منتجات البنوك التجارية من قبيل التوريق والصكوك والمرابحة. وأضاف عبدالمنعم، أنه علي مدي السنوات الثلاثين الماضية التي هي عمر المصرفية الإسلامية، لم يتم تأسيس سلطات رسمية يمكنها إطلاع الهيئات الدولية المعنية، مثل صندوق النقد الدولي علي إحصاءات رسمية عن المنتجات المالية والاستثمارية. ومن ثم فليس هناك أحد لديه صورة إحصائية.