الحكومة الفلسطينية أصبحت الآن جاهزة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في شهر سبتمبر المقبل وهو الشهر الذي تنوي فيه السلطة الفلسطينية تقديم مشروع الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة علي حدود 67 لمجلس الأمن الدولي. الحكومة جاهزة بمعني جاهزيتها لإدارة مؤسسات الدولة، بعدما أنجزت جزءا كبيرا من خطتها لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة التي تركز علي التنمية والإصلاحات وتقليل الاعتماد علي المساعدات الخارجية، وهناك تقرير كامل أعدته الحكومة حول الجاهزية الفلسطينية لإقامة الدولة وما تحقق من إنجازات في هذا الصدد، يتضمن تفضيلات مهمة حول نجاح الحكومة في تقليص الاعتماد علي المساعدات الخارجية بنسبة 35% منذ عام 2009 نتيجة النمو الاقتصادي واتباع سياسات ترشيدية وتحسين الجباية، وبالتالي زيادة الإيرادات التي بلغت عام 2010 ولأول مرة في تاريخ السلطة الفلسطينية ملياري دولار. الحراك الفلسطيني الذي تشهده مؤسسات السلطة هذه الأيام بشأن إعلان الدولة كان لابد أن يقابله قلق إسرائيلي جدي من تسونامي سياسي يتوقع أن يعقب القرار الذي تتخذه الأممالمتحدة في اجتماعها السنوي في سبتمبر المقبل بالاعتراف بفلسطين دولة مستقلة، الأمر الذي يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلي تقديم أفكار جديدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، يتضمن ثلاثة خيارات أبرزها إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكان من الطبيعي المسارعة من الجانب الفلسطيني برفض الأفكار الإسرائيلية واعتبارها محاولة للالتفاف علي العزل الدولي الذي تعاني منه الحكومة الإسرائيلية نتيجة مواصلتها الاستيطان والاحتلال. لكن ما يفكر فيه نتنياهو الآن ويستحوذ عليه هو كيف يعرقل دعم الولاياتالمتحدة ودول أوروبا وغيرها قرار الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة علي أساس حدود عام ،1967 ويدرس بجهد امكانية تنفيذ انسحاب آخر للجيش الإسرائيلي، لم يقرر حجمه بعد من مناطق في الضفة الغربيةالمحتلة يسلم المسئولية الأمنية فيها للسلطة الفلسطينية ينتشر الجيش في مواقع جديدة، بمعني إعادة انتشار جيش الاحتلال، غير أن هذا الانسحاب المتوقع لا يشمل إخلاء أي من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والحديث ما هو إلا خطوة تكتيكية ليس أكثر. وبلا شك فإن رضوخ نتنياهو لدراسة فكرة كهذه لم يأت إلا بعد أن يتقن الرجل أن فرص استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية قريبا ضئيلة، وعليه فهو يريد أن يظهر للعالم أن لديه مبادرات سياسية تضع من خلالها المجتمع الدولي، بمعارضة القرار المتوقع أن تتخذه الأممالمتحدة بالاعتراف بفلسطين، كذلك يدرس نتنياهو فكرة عقد اجتماع دولي بمشاركة إسرائيل والسلطة الفلسطينية ينتهي باستئناف المفاوضات بينهما، فيما تلح عليه فكرة ثالثة تمارس فيها إسرائيل ضغوطا علي الولاياتالمتحدة، والاتحاد الأوروبي ودول أخري لمنع الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة والعبرة بالخواتيم كما يقال، فمصادر موثوقة ذات علاقة مع دول أوروبا والولاياتالمتحدة شككت في جدوي خطة نتنياهو، خاصة أنه يطرح أفكارا تكتيكية صغيرة، وبائسة مقابل معركة استراتيجية كبيرة فنتنياهو يبدو بهذه الأفكار منسلخا عن الواقع، ففي الغرب عموما وأوروبا بشكل خاص يستخفون بمقترحاته، ويعتقدون أن نتنياهو رجل ميئوس منه، ولا يمكن البناء علي وعوده، وهو لا يفهم حقيقة الأجواء الإقليمية "التغيرات في العالم العربي" والدولية ويفاوض نفسه بنفسه ولا يأخذ في الاعتبار الطرف المعني الآخر. ربما يحاول نتنياهو فعلا البناء علي تصرفات فلسطينية خاطئة مثل عملية القتل في ايثمار، وقصف حافلة الركاب بقذيفة فلسطينية من قطاع غزة التي أصيب بها فتي يهودي في السادسة عشرة من العمر، ويستمد التشجيع من الموقف الأمريكي الذي لا ينتفده ولا يهاجمه علنا، غير أن ما يفعله نتنياهو صور ووصف بأنه كمن يقف في مواجهة تسونامي بلوح خشبي فالحملة الغربية للاعتراف بفلسطين دولة في حدود 1967 مع تعديلات طفيفة بحيث تكون القدس عاصمتها، هي بمثابة تسونامي سياسة جارف يحتاج إلي خطة سياسية مقنعة للعالم، وليس خطة يائسة لاتقبلها حتي المعارضة الإسرائيلية.