علي الرغم من معاناة الاقتصاد الأمريكي بشدة من جراء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الراهنة، وما يؤكده الكثيرون من الخبراء الاقتصاديين حول العام من معاناة الاقتصاد الأمريكي ودخوله في دوامة الركود الاقتصادي قبل حدوث الأزمة المالية العالمية الحالية نتيجة لسوء السياسات الاقتصادية التي اتبعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن ومن استعان بهم من الخبراء الاقتصاديين من أنصار مدرسة شيكاغو الاقتصادية، وكذا لاستنزاف جانب كبير من ثروات البلاد فيما أسماه "الحرب الصليبية علي الإرهابيين المسلمين" ومن وراءهم من جماعات ودول. إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد استطاعت ومنذ سنوات عديدة الانطلاق والتحليق بعيدا عن سرب المتنافسين عالميا علي زعامة العالم اقتصاديا، من خلال احتلالها المكانة الأولي طوال العقود الماضية حتي اليوم محققة ناتجا محليا إجماليا بلغ أكثر من 15 تريليون دولار، لنجد أن الوضع قد تبدل أخيراً بالنسبة للموقع الثاني عالميا في نهاية عام 2010 وهو الموقع الذي طالما كانت تحتله اليابان علي الدوام منذ عام 1968 أي لأكثر من أربعين عاما متصلة لتتركه لمنافستها التقليدية الصين، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي بها العام الماضي 5،474 تريليون دولار، فيما بلغ إجمالي الناتج المحلي الصيني 5،879 تريليون دولار خلال نفس العام. ولم يأت هذا التفوق الصيني من فراغ، فقد ظهرت بشائره خلال الربع الثالث من العام الماضي حين حقق إجمالي الناتج المحلي الياباني 1،29 تريليون دولار، وحقق إجمالي الناتج المحلي الصيني 1،34 تريليون دولار خلال نفس الربع، كما سجلت معدلات النمو في الصين خلال السنوات العشر الماضية ما لا يقل عن 10% سنويا وبلغ آخر معدل نمو في نهاية عام 2010 نحو 10،3% في ظل أزمة مالية واقتصادية عالمية طاحنة ألقت بظلالها السلبية علي دول العالم أجمع.. بينما حقق الاقتصاد الياباني خلال ذات العام معدل نمو بلغ 3،9% معتمدا في ذلك علي التصدير للخارج، بالإضافة إلي اعتماد الاقتصاد الياباني خلال النصف الأول من العام المنصرم علي المساعدات الحكومية المؤقتة لشراء السيارات والأدوات المنزلية الكهربائية منخفضة الاستهلاك للطاقة. إلا أن خفض الميزانية المخصصة لدعم الاستهلاك المحلي في اليابان في النصف الثاني من عام 2010 وارتفاع سعر الين الياباني خلال الشهور الماضية، بالإضافة إلي الانكماش الاقتصادي العنيف من جراء ضعف حركة التجارة الخارجية العالمية، ومن ثم خفض معدلات التصدير متأثرة في ذلك بالأزمة المالية العالمية الراهنة، كان لها آثار سلبية ملموسة علي العديد من الشركات، خاصة تلك التي تعتمد في إيراداتها علي التصدير؛ مما تسبب في تراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنحو 0،3% وكذا إلي انخفاض معدل النمو بواقع 1،1% خلال الربع الأخير من العام وهو الانخفاض الذي يعد الأول للاقتصاد الياباني منذ نهاية عام 2009. وبلا جدال، فإن الزلزال الأخير الذي ضرب البلاد خلال الأيام الماضية قد عمق من الجراح الاقتصادية اليابانية، حيث تشير الخسائر المبدئية إلي ما لا يقل عن 200 مليار دولار، بالإضافة إلي إيجاد حالة من الرعب العالمي من الانبعاث والإشعاعات النووية التي بدأت تتسرب من مفاعلاتها، وما سوف يلقيه ذلك من تأثيرات سلبية علي صادرات اليابان إلي الخارج لمدي زمني طويل وخاصة في مجال المنتجات الغذائية وصناعة الأسماك. وقد علق وزير الاقتصاد الياباني كاورو يوسانو علي تفوق الاقتصاد الصيني وتعاظم إجمالي الناتج المحلي بها مقارنة باقتصاد اليابان - بأن بلاده فضلت التركيز هذا العام علي السياسات التي تعمل علي رفع مستوي معيشة أبناء الشعب حتي وإن لم تؤد إلي زيادة الناتج المحلي للبلاد، مؤكدا ترحيبه الكامل بتقدم وازدهار الاقتصاد الصيني سريع النمو ومعربا عن إيمانه العميق بقدرة الاقتصادين الياباني والصيني معا علي بناء قاعدة اقتصادية إقليمية قوية عملاقة تكون كفيلة بتنمية وتطوير اقتصادات جميع دول منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.