بدأ العام الجديد بدخول العالم العربى عصر المظاهرات والاحتجاجات الجماعية العنيفة. وثبت أن معظم الدول العربية على فوهة بركان ساخن وأن مشاكلها واحدة وقضاياها تدور فى نفس الفلك حول البطالة وارتفاع الأسعار. فالمظاهرات فى الجزائر كانت بالغة العنف وتسببت فى خسائر للاقتصاد تزيد عن ستة مليارات من الدولارات، والمظاهرات فى تونس أجبرت الحكومة على إغلاق المدارس والجامعات فى إشعار آخر وأوقات أكثر من 20 قتيلا، والمسيرات الاحتجاجية فى الأردن تسعى لإسقاط الحكومة.. والأمر لا يختلف فى بقية الدول العربية التى تنتظر الإشارة والتوقيت اللازمين لبروز الاحتجاجات الشعبية. والأسباب واضحة وراء الغضب الشعبى العربى، فهناك نقص مستمر فى الوظائف المتاحة وزيادة هائلة فى أعداد العاطلين وعجز عن مواجهة متطلبات الحياة المعيشية فى ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائىة عالميا ومحليا، ولعجز الدول العربية عن تحقيق الاكتفاء الذاتى فى حاصلاتها الزراعية. ولأن معظم الدول العربية لا تملك استراتيجيات واضحة للتنمية ولا تستطيع التعامل مع متغيرات العصر بمرونة وواقعية فإنها تستمر فى ضخ الدعم لتهدئة المواطنين إلى أن تواجه عجزا ماليا فى دخلها القومى فتضطر إلى رفع أسعار الخدمات والمواد الغذائىة لتواجه الاحتجاجات المتوقعة. وحتى فى الدول العربية النفطية فإن الأمرلا يختلف كثيرا، إذ أن الشكل الظاهرى للرخاء والاستقرار يخفى فى داخله نيرانا مشتعلة من الغضب الشعبى والمطالب الفئوية، ولكنه غير قادر على التعبير عن نفسه أمام الوفرة المالية فى اقتصاديات هذه الدول التى تخفى وتحجب وتمنع تفاقم أىة مشاكل. وسوف تمتد مظاهرات الغضب إلى العديد من الدول العربية لأن الاحتجاج على الأسعار وعلى البطالة سوف يكون مقدمة لاحتجاجات أعنف تتناول القضايا السياسية وتثير قضايا أهم مثل غياب الممارسة الديمقراطية والفساد، وتفاوت الدخول وهى قضايا ينظر إليها البعض على أنها السبب الأساسى لعجز هذه الحكومات عن التنمية وتحقيق الرخاء لشعوبها. إن المواجهة الأمنية لهذه الاحتجاجات سوف تخلق ردة فعل أكثر عنفا ودموية، ولا حل إلا فى العدالة الاجتماعية ومزيد من الحريات والمشاركة الشعبية الفعالة فى صنع القرار وتحمل نتائجه وعواقبه.