وفد علمي أمريكي يزور صيدلة عين شمس    رئيس أذربيجان يدعو شيخ الأزهر لزيارة بلاده    حياة خطاب القمة المصرية لأذربيجية تأتي في توقيت مهم    «زراعة القاهرة» تحصل على شهادة الأيزو الخاصة بجودة المؤسسات التعليمية    "بنك إن بوكس" تعلن عن شراكتها مع بنوك وشركات تكنولوجيا مالية    حماس: عملية النصيرات تشكل خطرًا كبيرًا على المحتجزين    الأهلي يفوز على النجوم وديا بهدف كهربا    ارتفاع حصيلة منتخب السلاح ل 16 ميدالية متنوعة في بطولة إفريقيا بالمغرب    تعليم الإسكندرية تنهي استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة    النيابة تطلب تقرير الفحص الفني ل تريلا مُحملة برخام أعلى الأوتوستراد    هيئة الدواء تكشف حصيلة حملاتها الرقابية في المحافظات خلال شهر مايو    خلال ساعات.. أنباء عن تقديم عمرو دياب اعتذار للشاب محمد سعد أسامة    فتح باب التقديم لجائزة لوريال - اليونسكو 2025 لدعم النساء البارزات في العلوم    مراسل القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تواصل قصف مدينة رفح ومخيم النصيرات    تكريم أبطال فيلم "رفعت عينى للسما" خلال احتفالية القومى لحقوق الإنسان    رشا صالح: الأناقة هي السمة الأساسية في رواية «أنا وعمي والإيموبيليا»    ورش ولقاءات توعوية للأطفال في احتفالات اليوم العالمي للبيئة بأسيوط    تعرف علي موعد عرض فيلم "أهل الكهف"    أفضل الأدعية في العشر الأوائل من ذي الحجة    "جهز نفسك".. أجر صيام يوم عرفة 2024    خالد عبد الغفار يشيد بأول عيادة تجميل تابعة للوزارة في مستشفى العلمين النموذجي    لمرضى السكر.. 8 فواكة صيفية يجب تضمينها في نظامك الغذائي    رئيس الشؤون الدينية بالحرمين: نستهدف توزيع مليون مصحف مترجم خلال موسم الحج    تقارير: باريس سان جيرمان يتفاوض لضم أوسيمين    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    10 أسماء.. قائمة الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    مصر تدين بأشد العبارات الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    ما حكم طواف الإفاضة قبل رمي جمرة العقبة؟.. «الإفتاء» تجيب    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    الإعلام الإسرائيلي يخلق انتصارا وهميا بتحرير 4 رهائن وينسى الانهيار البشرى والاقتصادى لكلفة العدوان على غزة.. الخلافات تسود بين وزراء حكومة تل أبيب.. و"نتنياهو" يواجه "جانتس" فى جولة أخيرة قبل تفكيك مجلس الحرب    أخبار الأهلي : مفاجأة ..ميسي قد يرافق الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في الدورة الثالثة من مبادرة المشروعات الخضراء    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختبار الكروى للوحدة العربية .. ل عبد المنعم سعيد – الشرق الأوسط
نشر في مصر الجديدة يوم 24 - 11 - 2009


منذ كنا تلاميذ فى المدرسة الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة، كنا نخرج بانتظام فى مظاهرات لتأييد فلسطين مرة، والجزائر مرة أخرى، وأحيانا خرجنا من أجل دول عربية أو أفريقية، ولكن ذلك كان يحتاج أحداثا درامية مثل مذبحة فى اليمن الجنوبية أو اغتيال قائد مثل لوممبا فى الكونغو. وأثناء المسيرات والمظاهرات استقلت الجزائر والكونغو، ولم يعودا يحتاجان مساندات نضالية من الأشقاء حتى بعد أن تفرغا لأنواع مختلفة من الاقتتال الداخلي، أما فى فلسطين فقد اختصرت المراحل فذهبت مباشرة إلى الصراع السياسى والعسكرى بين أقطاب وأحزاب فلسطينية دون المرور بمرحلة الدولة. ومع ذلك فلا ندم على ما جرى، وبشكل ما فقد وقفت الدول والشعوب العربية مع بعضها من أجل الاستقلال، وفى مواجهة الاحتلال الأجنبى والإسرائيلى خاصة. وكان هذا التراث الذى قام على قاعدة من علاقات خاصة بين الدول العربية هو الذى أثار طموحات جماعات سياسية للبحث عن مشروع وحدوي. ولكن الواقع كان شيئا آخر، فمن ناحية انتهى جيل معركة الاستقلال المشتركة، وجاء جيل الفشل التنموي، وضاق النفس السياسى للقادة والشعوب نتيجة الفارق الهائل ما بين التوقعات والواقع. وكانت النتيجة أن الطابع الصراعى بات من الظواهر المسيطرة على العلاقات بين الدول العربية، وكانت الأداة الدعائية فى الماضى والحاضر هى الوسيلة الرئيسية التى استخدمتها دول عربية فى إدارة الصراعات مع بعضها، وهو ما هدد بدوره دائما بامتداد وانتقال الصراعات العربية العربية من الدوائر الرسمية إلى المستويات الشعبية، على نحو ما أوضحته «الحالة المصرية الجزائرية» فى صراعهما الكروى للوصول إلى مونديال جنوب أفريقيا 2010. وهناك تعبير بديع لوزير الإعلام الجزائرى عن هذه الحالة قال فيه «أتمنى صعود منتخبى مصر والجزائر معا أو خروجهما معا حتى لا تكون هناك فرصة لشياطين الكراهية لدق الأسافين بين الشعبين الشقيقين». ورغم وجاهة هذا الطرح، إلا أنه يمكن الرد عليه بالقول بافتراض أن أحدهما قد فاز فهو يعنى تمثيلا عربيا فى المونديال، لكن الفائز الوحيد فى المباراة كان طرفا ثالثا اسمه «التعصب الكروي» لم يحسب له أحد حسابا أو حاول التعامل معه من البداية إلى النهاية. إن أحد التفسيرات المطروحة للحالة المصرية الجزائرية هو أن المشتركات التى تجمع الدول العربية ببعضها، بقدر ما تمثل أساسا للتضامن، فإنها تعبر عن رغبة كل مجتمع فى المنطقة العربية للتميز والاختلاف، وهو ما يأخذ شكلا عدائيا فى لحظات المنافسة. ولم تنجح المحاولات التى طرحتها مؤسسات وشخصيات إعلامية وفنية مصرية وجزائرية فى تهدئة الأجواء بين الجانبين المصرى والجزائري، مثل المبادرة التى طرحتها إحدى الصحف الخاصة «المصرى اليوم» فى مصر بتقديم «وردة لكل لاعب جزائري» وذهاب فريق إعلامى من قناة خاصة «الحياة» للجزائر لنبذ التعصب، والبيان الذى أصدره جماعة من المثقفين الجزائريين. وكذلك الحفلة التى أقيمت فى القاهرة وأحياها المبدع محمد منير والشاب خالد من أجل خلق حالة من المشاركة الثقافية والموسيقية تواجه التعصب والتشدد. كما شهدت بعض المواقع الالكترونية دعوات للمصالحة ومحاربة التعصب والغلو والكراهية، لكنها ذهبت دون آذان صاغية. والمدهش هو أن المنافسات الرياضية وخاصة فى مجالات مثل كرة القدم يفترض أن تكون ساحات للتقارب والتعارف وليس للتنافر أو الصدام، على نحو ما أوضحته تجارب دولية سابقة، مثل دبلوماسية البنج بونج التى ساهمت فى ترطيب أجواء العلاقات بين واشنطن وبكين فى عقد السبعينات، لكن فى الحالات العربية، تنعكس الخلافات السياسية على العلاقات الرياضية، وهناك سوابق تشير إلى ذلك. فقد ألغيت مباراة مصر وليبيا فى إطار دورة الألعاب الأفريقية التى نظمتها الجزائر فى صيف 1978، نتيجة تشابك اللاعبين بالأيدى وتدخل عناصر من قوات الأمن الجزائرية وضربوا لاعبين مصريين، وهو ما دفع رئيس الحكومة المصرية حينذاك اللواء ممدوح سالم بسحب الفرق المصرية المشاركة فى الدورة. كما برزت حوادث اعتداء من جانب الجمهور الجزائرى على اللاعبين المصريين فى استاد عنابة عام 2001 أثناء تصفيات كأس العالم. ولكن المسألة لم تعد كلها رياضة وتعصبا كرويا غير محمود، فثمة مؤشرات محددة على حدوث تأزم فى البعد الشعبى للعلاقات المصرية الجزائرية، أو ما يطلق عليه البعض «المساس بنخاع الشعوب»، ظهر فى التأثير السلبى على استقرار الكيانات الأسرية. فهناك واقعة نشرتها العديد من الصحف المصرية والعربية، وهى ابتعاد مواطنة مصرية عن زوجها الجزائرى قبل مباراة القاهرة، لحدوث خلافات بينهما حول توقع نتيجة المباراة. كما رفض موظف بمصلحة عقود الزواج فى بلدية الجزائر الوسطى توثيق عقد زواج مواطنة جزائرية من مصرى انتظارا لنتيجة المباراة. وتعددت مسارح العمليات العنيفة، سواء خلال الفترات التى تسبق المباراة وأثناءها وبعد انتهائها، وهو ما اتضح فى رشق أتوبيسات الفريقين بالحجارة من جانب «قوى متعصبة» على الجانبين. وكذلك حدثت إصابات بين جمهورى الفريقين عقب المباريات، رغم عدم توافر بيانات دقيقة حول أعدادهم. علاوة على ممارسة مشجعى منتخب الجزائر لأنماط من العنف اللفظى والمادى أثناء مغادرتهم مطار القاهرة الدولى حتى أن أربعة من الركاب المصريين قاموا بإلغاء سفرهم على نفس الرحلة المتوجهة للجزائر. وجرى استهداف للمصالح المصرية الاقتصادية الرئيسية، من خلال إحداث قطاع من الجمهور الجزائرى إصابات بالغة بمقر شركة مصر للطيران وبعض شركات الاتصالات والمقاولات المصرية، الأمر الذى يؤثر على حركة تدفق الاستثمارات المصرية فى الجزائر والتى بلغت 6.2 مليار دولار وكان يتوقع لها الزيادة إلى 8 مليارات دولار فى العام المقبل، حيث تتصدر مصر قائمة الاستثمارات العربية فى الجزائر، وتعمل فى قطاعات مواد البناء والمقاولات والكابلات والاتصالات والصناعة والزراعة والخدمات، فضلا عن التأثير الذى يطول أوضاع العمالة المصرية بالجزائر والتى بلغت أعدادها 15 ألفا. فقد قام آلاف الجزائريين فى ولايات العاصمة والجلفة ووهران وعنابة بالاعتداء عليهم ومحاصرة سكنهم، بما وضعهم تحت ضغط نفسى وعصبي. وبشكل ما عكست الواقعة المصرية الجزائرية ما قيل عن أن كرة القدم هى استمرار لمعارك الأمم بشكل سلمي، وعبر عن هذا المعنى المفكر جورج أويل قائلا «إن كرة القدم لا تمارس فقط لمجرد متعة قذف الكرة، بل لأنها فصيل من فصائل القتال». لكن الإعلام الرياضي، ساهم فى «عسكرة» المباراة، لدرجة وصلت إلى سك تعبيرات شديدة العدائية مثل «إعلان الحرب ضد مصر» و«أن ما حدث للجزائر هو مجزرة القاهرة» و«عندما تصبح تل أبيب أرحم من القاهرة» فى مانشيتات بعض الصحف الجزائرية مثل الخبر وأخبار اليوم والشروق، فضلا عن إذاعة معلومات مغلوطة ونشر أنباء كاذبة وصورا مفبركة لأحد المواطنين الجزائريين وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهناك من يشير إلى أن هذه الصورة قد نشرت فى مناسبات مختلفة لضحايا طاحونة الإرهاب فى الجزائر. إن العلاقات المصرية الجزائرية تتسم بكونها تاريخية، ولا يعبر هذا عن كلمات رومانسية، وإنما هى حقائق واقعية. فقد تعرضت مصر للعدوان الثلاثى عام 1956 من جراء الدعم المصرى المتواصل فى الحقبة الناصرية للثورة الجزائرية بالمال والعتاد، حتى حصولها على الاستقلال والتحرر من الاستعمار الفرنسى فى عام 1962، وصدر أول بيانات الثورة من إذاعة صوت العرب، فضلا عن الدور الذى لعبه الجيش الجزائرى فى مساندة مصر فى حرب أكتوبر 1973، وما قدمته الجزائر من دعم مادى وتسليحى لمصر أثناء الحرب. وعلى الصعيد الفني، هناك أدوار ناعمة توازى الأدوار الصلبة، وأبرزها قيام الموسيقار المصرى محمد فوزى بتلحين النشيد الوطنى الجزائرى الذى كتبه الشاعر الجزائرى مفدى زكريا، فضلا عن دور المدرسين المصريين فى استعادة الاهتمام باللغة العربية التى كان الاستعمار الاستيطانى الفرنسى يمنع التدريس بها. ولكن كل ذلك ينتمى للماضي، أما وشائج الحاضر من علاقات سياسية واقتصادية فقد ثبت أنها لا تنفع كثيرا، وربما كانت المسألة كلها أننا نتوقع أكثر من اللازم من دول وشعوب لا يزال أمامها طريق طويل حتى تصل إلى مرحلة النضج، أم أن الموضوع كله هو كرة القدم ومصائبها؟!.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.