منذ أكثر من احد عشر عاما، وتحديدا في مايو 1999 صدر قانون التجارة الجديد رقم ،17 ليرسي البنية القانونية التي تحكم النشاط التجاري في مصر بشكل مرجعي وثابت وعصري، بعد أن كان يحكمه من قبل قانون للتجارة صدر بالأمر العالي العثماني في 13 نوفمبر من سنة 1883. ولعل أبرز ما تضمنه هذا القانون الجديد من أحكام هو استحداث مواد منظمة للشيك حيث أفرد لها بابا مستقلا ضم 68 مادة مستحدثة، بينما لم يكن ينص في التشريع السابق إلا علي أربع مواد فقط، وهي المواد من 191 إلي 194 ولم يشر فيها حتي إلي كلمة شيك، بل وردت تلك المواد الأربع تحت مسمي الأوراق الواجبة الدفع بالاطلاع، وكان القضاء المصري يعتمد حينئذ علي أحكام قانون جنيف الموحد الصادر عن اتفاقية جنيف عام 1931 باعتبار أن الشيك أداة وفاء فقط، وعلي المادة 337 من قانون العقوبات المصري الصادر في عام ،1937 والتي استحدثت جريمة اصدار شيك بدون رصيد. وفي هذه المواد الجديدة أعاد المشرع للشيك هيبته بعد أن كان يعاني من فوضي غير منظمة بالمرة، تمثلت فيما كان يسود التعاملات المالية سواء بين أفراد المجتمع أو ما بين المتعاملين في السوق من عادات مقننة تسمح باستخدام أي ورقة علي اعتبار أنها محرر عرفي تأخذ قانونية الشيك وترتب عليه مركزا قانونيا بل تعدي الأمر ذلك ليصبح ذلك المحرر العرفي ليس أداة وفاء فقط مثل مثل أوراق البنكنوت، بل ليصبح في أحد أشكاله أداة ائتمان وضمان للسداد الآجل، أي أنه يمكن أن ينظر إلي تلك الورقة المحررة، أو حتي الشيك البنكي علي اعتبار أنه نقود حاضرة جاهزة للوفاء حالا أو أنه كذلك نقود وهمية ستصبح حقيقية في المستقبل الآجل. وكان أن ترتب علي ذلك الوضع المنطقي أن صارت الشيكات المرتدة بدون دفع تشكل ظاهرة علي مستوي التعاملات المالية والتجارية حتي بلغ حجم قضايا الشيكات المنظورة أمام المحاكم في وقت من الأوقات نحو 23 مليار جنيه. وتلافيا لذلك الوضع وعلاجا له في نفس الوقت كان أهم ما استحدثه القانون الجديد بالنسبة للشيك أمران في غاية الأهمية: الأمر الأول: إلغاء الشيكات المكتبية وتعريتها من الحماية الجنائية، علي اعتبار أن عدم صدور هذه الشيكات من البنوك المعتمدة إنما يدل ولأول وهلة علي حقيقة واضحة، وهي عدم وجود حسابات لهذه الشيكات في البنوك أو أرصدة مقابلة لهذه الحسابات، حيث نصت المادة 475 علي أن الشيك الصادر في مصر والمستحق الوفاء فيها لا يجوز سحبه إلا علي بنك، والصك المسحوب في صورة شيك علي غير بنك، أو المحرر علي غير نماذج البنك المسحوب عليه لا يعتبر شيكا. الأمر الثاني: إلغاء الشيكات الآجلة، حيث اعتبر الشيك واجب الدفع بمجرد الإطلاع، أي حال تقديمه للصرف، وبصرف النظر عن تاريخ استحقاقه، حيث نصت المادة 503 الفقرة الأولي منها علي أن يكون الشيك مستحق الوفاء بمجرد الإطلاع وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن. ونظرا لما كان قد مضي وقت طويل تغلغلت فيه الشيكات بكافة أشكالها البنكية والمكتبية في أوصال التعاملات، وعلي اعتبار كونها أحيانا إحدي وسائل الضمان لتنظيم البيع الآجل، فقد رؤي إعطاء مهلة لتطبيق المواد الخاصة بالشيك الواردة بقانون التجارة، حيث نصت مادة الإصدار أن يعمل بالأحكام الخاصة بالشيك اعتبارا من أول أكتوبر سنة ،2000 إلا أن الحالة المزمنة لهذا الوضع استدعت تأجيل التنفيذ لأكثر من أربع سنوات أخري، ورغم كل سنوات التأجيل هذه فإنه لم يتم التنفيذ علي الوجه المرجو منه، أو كما كان يأمل المشرع، رغم ما لجأ إليه من وسائل تشريعية بقصد ترسيخ التعامل بالشيك، علي اعتبار أنه أداة وفاء فقط وليس أداة ائتمان وقد تمثلت ذلك الجهود التشريعية في وسيلتين مهمتين: 1- جرم القانون المستفيد من الشيك بموجب المادة 535 وذلك في حالة حصوله بسوء نية علي شيك وهو يعلم بأنه ليس له مقابل وفاء، حيث يعاقب المستفيد عندئذ بغرامة لا تتجاوز ألف جنيه، وسواء كان هذا المستفيد شخصا طبيعيا أو معنويا، وفي هذه الحالة الأخيرة يكون رئيس مجلس الإدارة لهذه الجهة الاعتبارية هو المسئول المباشر الذي ينفذ عليه القانون. ولعل المقصود من تلك العقوبة هنا هو عدم اللجوء بتاتا إلي استخدام الشيكات كوسيلة ضمان لسداد أقساط أو أي مستحقات آجلة وليس لها مقابل وفاء في الوقت الحالي أي في لحظة تحريرها، إلا أنه رغم هذا الإصرار والتمسك من جانب القانون بتحقيق الغرض الذي يسعي إليه، فإن مردود هذه العقوبة لم يكن بذي بال، وقاومه بشدة جميع الأطراف المتعاملة مع الشيك، وأصرت علي أن يظل الشيك أداة ضمان أيضا بجانب كونه أداة وفاء، مجردين القانون من جوهره ومضمونه، وتغلبت في النهاية إرادة الواقع والحياة العملية بكل ما تحمله من توصيف للفكر المجتمعي بظروفه الراهنة لتصد أي تغيير قادم، مهما كان نبل مساعيه. ونزولا علي تلك الرغبة الجارفة فقد استلزم الأمر إجراء تعديل جوهري في هذا القانون، يمكن أن نعتبر -بدون مبالغة-