وتزداد النسبة في الريف خاصة صعيد مصر إلي 77% من جملة الفقراء طبقا للتقرير الصادر عن وزارة الدولة للتنمية الاقتصادية بالتعاون مع البنك الدولي. هذا ما جاء في التقرير السنوي الذي ألقاه الدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عن أداء الحكومة أمام البرلمان قبل أيام قليلة. وهذا التقرير نسخة مكررة عن الاعوام الماضية ويحفل بملاحظات الجهاز عن الاداء الحكومي والاخطاء الجسيمة لهذا الاداء في جميع المواقع.. وكأن التقرير أصبح كلاما انشائيا لا طائل منه بل هو برد وسلام علي قلب الحكومة.. يسمعه كل مسئول في الحكومة وكأنه شيء تعود عليه ويحد ثاردود أفعال بين اوساط المعارضة والمستقلين.. ثم يهدأ شيئا فشيئا.. وتعدد الأمور إلي طبيعتها وكأن شيئا لم يكن. ويرصد التقرير زيادة عدد الفقراء في مصر عاما بعد عاما.. وهذه نتيجة طبيعية لضعف المسئولية التضامنية بين الجهات المسئولة عن إدارة الازمات، وغياب التنسيق بين الاجهزة الحكومية والمحليات "وكل جهة تعمل وكأنها في جزيرة منعزلة" والقصور والتراخي من قبل الجهات التنفيذية.. ويؤكد التقرير أن فشل بعض المسئولين في معالجة العديد من الازمات، وتركها تتفاقم رغم مؤشرات كثيرة كانت تنذر باقترابها.. ويحيل التقرير المسئولية لبعض المسئولين الذين يساهمون في صنع الازمات فلا يجد الناس "الغلاية" أمامهم سوي رئيس الجمهورية يرفعون شكاواهم "انقذنا ياريس" والرئيس مبارك في كل احاديثه ينحاز دائما لمحدودي الدخل من الفقراء والبسطاء، ويوجه اهتمامه لتحسين أوضاع غير القادرين ورفع مستوي معيشتهم. ولكن الحكومة لم تفعل شيئا ازاء الارتفاع المستمر للأسعار والتي تفوق طاقة محدودي الدخل.. ويؤكد تقرير البنك الدولي أن الاداء الاقتصادي الكلي لم يؤد إلي تحسن في مستوي المعيشة. ويزداد الفقراء فقرا.. والحكومة عاجزة علي إحكام السيطرة علي الأسعار، وتتفشي ظاهرة الانفلات والغش والاحتكار وارتفاع الأسعار. ولم يعجب الحكومة ما جاء في التقرير الذي قدمه د. جودت الملط.. ويتصدي له الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية حيث يري أن هناك نسبة انخفاض حول ظاهرة الفقر في مصر بلغت 19% من خلال الفترة من 2005/2008 نتيجة اتساع نطاق المستفيدين من النمو الاقتصادي.. ورد عليه د. جودت الملط بأن التغني بزيادة معدل النمو 7.4% لم يترجم إلي تحسن المستوي في معيشة الفقراء سواء قبل الأزمة المالية العالمية أو بعدها.. وأكد الملط أن جهاز المحاسبات يعتمد علي تقارير دولية من هيئة الأممالمتحدة، وأي طعن من جانب الحكومة يجب أن يوجه إلي مصادر المعلومات وليس إلي جهاز المحاسبات أو جودت الملط. كان رد رئيس الجهاز حاسما كاشفا الحقيقة المرة في تراجع اداء الحكومة الذي تسبب في زيادة نسبة الفقر. من هنا فإن واجب الحكومة ان تراجع سياساتها وتسعي إلي تطوير قدراتها في مواجهة الاخطاء والاعتراف بالتقصير، وتحرص علي معالجة السلبيات.. وان لم تستطع فيمكنها الرحيل. لن نتعرض علي ما جاء بالتقرير من مؤشرات بالغة السوء عن زيادة معدل التضخم وارتفاع الدين الداخلي والخارجي، وعجز الموازنة وسوء حالة التعليم وزيادة ظاهرة الاحتكار وتخبط الحكومة في إدارة الازمات وشبهات كثيرة في اقامة بعض المشروعات.. كل هذه الظواهر المسيئة تقصم ظهر أي حكومة مهما كانت قوتها أو شفافيتها. التقرير لا يعطي أي أمل في الاصلاح.. ولكن تزداد الصورة قناعة.. ويزيد من حجم الاحباط.. وترتفع نسب الفقر والمرض والامية. وأخشي أن يأتي اليوم الذي نصبح دولة متسولة.. تقف علي رصيف الدول الغنية وتطلب الاحسان وتقول "عشانا عليك يارب".