الدروس الخصوصية ظاهرة سلبية بكل المقاييس، ومؤشر خطير علي فساد العملية التعليمية كمنظومة. فاستمرار الدروس الخصوصية في الوجود رغم مخالفتها الصارخة للقوانين، ورغم وعود وتعهدات وتهديدات وزراء التربية والتعليم ووزراء التعليم العالي المتعاقبين بالقضاء عليها والتنكيل بالمتورطين فيها، يعني أن هناك "فراغاً" مخيفاً في نظامنا التعليمي الرسمي تسده هذه الدروس الخصوصية، وأن هناك خللاً بنيوياً في هذا النظام الرسمي لا "يتوازن". النسق العام لهذا النظام الرسمي ولو شكلياً دون هذه الظاهرة التي تشكل نظاماً تعليمياً "موازياً"، شأنها في ذلك شأن جماعة الإخوان المسلمين التي تشكل منظومة سياسية موازية رغم إصرار خصومها علي وصفها بأنها جماعة "محظورة"، وبالمثل فإن الدروس الخصوصية "محظورة" لكن لها وجودها الواقعي الذي يعترف به الجميع بما في ذلك من يحظرونها! وبصرف النظر عن كونها محظورة رسمية أو غير محظورة واقعياً فإن هذه الدروس الخصوصية تخرب العملية التعليمية وتكرس قيماً تربوية متخلفة، فبدلا من أن يكون الهدف الرئيسي للتعليم هو تنمية ملكات التفكير والإبداع والتحليل النقدي أصبح هدف التعليم من خلال الدروس الخصوصية هو الحصول علي "شهادة" فقط بصرف النظر عن المضمون العلمي أو التربوي لهذه الشهادة. ثم إن المنهج الذي يروجه هذا التعليم الموازي هو كيفية الحصول علي أعلي الدرجات بطرق غير مقبولة وغير مفيدة. فالمدرس الخصوصي لا يعلمك أن تحصل علي درجات مرتفعة عن طريق تنمية مهارات البحث الأكاديمي والقراءة المتنوعة والبحث في مراجع متعددة وإنما عن طريق الحفظ والاستظهار لنماذج امتحانات ونماذج إجابات نمطية، وهي طرق تكاد أن تقترب من "براشيم" "غش" "شرعية" تؤدي إلي نجاح التنمية دون أن "يتعلم". لكن هذه ليست الخسارة الوحيدة لهذا التعليم الموازي، بل إن هناك خسارة أخري تتمثل في حساب تكلفة الدروس الخصوصية، قام بحسابها وتقديرها المهندس عزمي مصطفي علي رئيس المكتب الفني للصندوق الاجتماعي للتنمية. وهذا الحساب الذي قام به المهندس عزمي بالغ الاثارة ويستحق أن نتوقف أمامه: أولا: وفقا لهذا التقدير تتمثل التكلفة النسبية للدروس الخصوصية في مصر، والتي أصبحت مع الأسف الشديد نظاما بديلا للتعليم الرسمي من المرحلة الابتدائية وحتي نهاية المرحلة الجامعية، في ثلاثة أنواع من الخسائر. 1 التكلفة الأولي مادية. 2 التكلفة الثانية تكلفة جهد ووقت ضائع. 3 التكلفة الثالثة وهي الأخطر تساوي خسارة مستقبل. ثانيا: فروض حسابات التكلفة: 1 بناء علي تحليل دقيق كمي لمنظومة التعليم وأعداد المنتسبين إليها من طلاب في التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي العام والتعليم الفني والأزهري والجامعي شاملا المعاهد العليا والمتوسطة، نجد أن اجمالي المنتسبين لمنظومة التعليم 20 مليون طالب توزيعهم كالآتي: 17 مليون في التعليم الأساسي. 1،5 مليون في التعليم الأزهري. 1،5 مليون في التعليم الجامعي والعالي. 2 إذا افترضنا أن 50% فقط من العشرين مليون تلميذ وطالب "يتعاطون" الدروس الخصوصية، فإننا نكون إزاء 10 ملايين تلميذ وطالب تشملهم هذه الظاهرة الموازية. 3- يتراوح متوسط تكلفة التلميذ والطالب الذي يتعاطي الدروس الخصوصية ما بين 500 جنيه في السنة الدراسية علي أقل تقدير و2000 جنيه في السنة الدراسية في الأغلب والأعم وصولاً إلي 6000 جنيه في السنة الدراسية في حالات ليست قليلة مثل الثانوية العامة. والمتوسط المرجح لهذه التكلفة هو 3000 جنيه في السنة، أي حوالي 350 جنيها في الشهر الدراسي. ثالثا - حساب التكلفة المادية: اذا كان هناك 10 ملايين يتعاملون مع الدروس الخصوصية ويدفع كل منهم 3000 جنيه في السنة الدراسية في المتوسط فإن التكلفة تساوي 30 مليار جنيه في السنة الدراسية. رابعاً - حساب الجهد والوقت الضائع: المقصود بالوقت الضائع أن منظومة التعليم الرسمي يوازيها تعليم بالدروس الخصوصية أشد انتظاماً. وبالتالي اما أن الوقت المستهلك في التعليم الرسمي وقت مهدر، أو أن وقت الدروس الخصوصية هو المهدر، وهو ما يقدره المهندس عزمي علي النحو التالي مقارناً بالجهد الذي استهلك في بناء السد العالي: 1- تم بناء السد العالي بتكلفة 480 مليون جنيه بأسعار ستينيات القرن الماضي واستمر بناؤه 50 شهرا، وشارك في هذا العمل 10 آلاف عامل يعملون 3 ورديات يوميا. 2- بذلك تكون قوة العمل المستهلك في بناء السد العالي: = 10000 عامل * 50 شهرا * 30 يوما * 24 ساعة = 500000 * 720 = 000.000.360 عامل/ساعة 3 - قوة العمل المستهلكة في الدروس الخصوصية = 10 ملايين طالب * 25 أسبوعاً. دروس خصوصية علي الأقل * 5 ساعات بالأسبوع علي الأقل + 1250 مليون طالب/ ساعة+ 1250 رجل ساعة/ سنة + 3 أضعاف قوة العمل لبناء السد العالي. علماً بأن هذا الحساب السابق لا يشمل وقت وجهد نصف مليون مدرس يعملون في الدروس الخصوصية. خامساً: حساب خسائر المستقبل: وهي أهم خسائر علي الإطلا وهي تساوي جيل فاقد الاعتماد علي النفس في معظمه. فإلي متي تستمر هذه الخسائر.. وهل يمكن أن يتحمل المجتمع تكلفتها أكثر من ذلك؟! نريد إجابة كل من يعنيه الأمر. [email protected]