شهدت صناعة الأسمنت في الدول العربية طفرات قياسية خلال السنوات القليلة الماضية وتجاوز عدد مصانع الأسمنت بالدول العربية المائة مصنع خاصة بعد اتجاه عدد كبير من الدول العربية لطرح "رخص" جديدة لإنشاء مصانع للأسمنت وبخاصة في كل من مصر والمملكة العربية السعودية والتي أضافت مصنعين جديدين خلال العامين الماضيين حيث يتواجد بها أكبر مصنع لإنتاج الأسمنت في العالم. ويبلغ حجم الانتاج الفعلي للأسمنت في الدول العربية- طبقا لبيانات الاتحاد العربي للأسمنت واحصاءات وزارة الصناعة المصرية- نحو 125.3 مليون طن سنويا حتي نهاية عام 2006. ونحو 1078 مليون طن من الكلينكر- الخام الرئيسي للأسمنت- من خلال 100 مصنع في ذلك الوقت منها 11 شركة في مصر صاحبة أكبر إنتاج بين الدول العربية بنسبة 26.8% من الأسمنت و31.1% من الكلينكر. تليها المملكة العربية السعودية والتي تستحوذ علي 21.5% من إنتاج الأسمنت عربيا طبقا لبيانات 2006. وفي سياق متصل وعلي صعيد الأزمات التي تمر بها صناعة الأسمنت حاليا طالب خبراء ومراقبون بضرورة تنظيم صناعة الأسمنت في مصر لاسيما في ظل الارتفاعات غير المبررة في أسعاره من حين لآخر وفي ظل الاتهامات المتبادلة بين أطراف اللعبة "المنتجين والوكلاء والموزعين والمستهلكين أيضا" وذلك من أجل معالجة الخلل حفاظا علي المستهلك وعلي هذه السلعة الاستراتيجية وإنقاذ خطط التنمية من التوقف. وأشار الخبراء إلي أن تنظيم صناعة الأسمنت في مصر أمر ملح للغاية في هذه المرحلة نظرا للأهمية الاستراتيجية لهذه الصناعة وضخامة استثماراتها التي تتعدي حاجز الخمسين مليار جنيها وتزيد مبيعاتها السنوية علي 22 مليار جنيه تعتمد عليها أكثر من 90 صناعة وتوفر نحو 3.5 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة كما ترتبط بها خطط التنمية بالاضافة إلي ذلك الاقبال الكبير من قبل المستثمرين علي الاستثمار في هذا القطاع الحيوي- علي وجه التحديد- لقدرته علي توليد أرباح تتراوح بين 60% و 112% جعلت مصر تأتي في المرتبة الأولي عربيا والحادي عشر عالميا في مجال إنتاج الأسمنت من خلال 11 شركة تنتج أكثر من 40 مليون طن سنويا. ويري الدكتور إسلام عزام استاذ الاقتصاد بإحدي الجامعات المصرية أن هناك ضرورة لتدخل الحكومة لإنقاذ هذه الصناعة خاصة في ظل تذبذب الأسعار علي نحو غير مسبوق وبدون مبررات حيث ارتفعت الأسعار من 400 جنيه وفي بعض المناطق 1000 جنيه للطن في الشهرين الماضيين وهو ما أثار تساؤلات عديدة سبقتها علامات استفهام وأكد أن هناك "ثغرات" في حاجة إلي تدخل حكومي فوري لتنظيم العلاقة بين المنتج والوكيل والموزع والمستهلك أيضا لاسيما في ظل الاتهامات المتبادلة فيما بينهم وإلقاء كل منهم بالتهم علي الآخر. واقترح إنشاء جهاز لتنظيم صناعة الأسمنت وتكون مهمته القضاء علي الممارسات الاحتكارية التي تنشأ نتيجة لزيادة الطلب أو انخفاض المعروض ويقوم الجهاز أيضا بمراقبة الجودة والوصول إلي السعر العادل بين التكلفة والعائد أسوة بجهاز تنظيم الاتصالات. يذكر أن وزارة الصناعة قامت خلال اليومين الماضيين باحالة مسئولي شركتين لانتاج الأسمنت إلي النيابة العامة بتهمة تعمد زيادة الأسعار بلا مبررات. وكان قطاع التجارة الداخلية بوزارة الصناعة المصرية قد شن حملات تفتيشية مكثفة علي سوق الأسمنت شملت شركات انتاج الأسمنت والوكلاء والموزعين والتجار أسفرت عن تحرير 47 محضرا في يوم واحد بمختلف محافظات الجمهورية ضد مجموعة من الشركات والوكلاء والتجار بالاضافة إلي احالة 16 تاجرا بالإسكندرية إلي النيابة العامة للتحقيق الاسبوع الماضي لزيادة أسعار البيع وعدم الاعلان عن الأسعار وعدم اصدار فواتير للكميات المبيعة وعدم وجود سجلات منتظمة في إطار سلسلة الحملات المكثفة التي يقوم بها قطاع التجارة الداخلية لمتابعة تنفيذ قرارات وزير التجارة والصناعة المنظمة لحركة تداول وبيع الأسمنت. ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من إصدار وزير الصناعة المهندس رشيد محمد رشيد عدة قرارات من شأنها ضبط وحماية سوق الأسمنت المصري وزيادة درجة المنافسة بها وتشمل هذه القرارات احالة شركات إنتاج الأسمنت مرة أخري لجهاز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لفحص هيكل سوق الأسمنت وآليات المنافسة. وعلي الرغم من الأزمات الطاحنة التي يشهدها قطاع الأسمنت المصري منذ عام 2002 وحتي الآن وبالرغم من الزيادة المتوقعة في الطلب علي الأسمنت خلال العام الجاري 2009 إلي 46 مليون طن ومن ثم توقعات بزيادة ارباح شركات الأسمنت إلا أن أسهم الأسمنت من الأسهم "البطيئة" وضعيفة الحركة ولا تستجيب لاية أخبار أو معلومات من شأنها التأثير علي الاسهم ومن ثم دفعها نحو الصعود أو حتي الهبوط- وفقا لما أكده الخبراء-ومازالت أسهم الأسمنت في البورصة تؤدي بشكل "عشوائي" وغير مقنع ومن ثم انصرف عنها المستثمرون متوجهين إلي أسهم أخري تتسم بطابع "المضاربات" أو حتي أسهم تتأثر بالمعلومات والأخبار المثارة حولها وهو من العوامل المهمة والضرورية التي تجذب انتباه المتعاملين في البورصة. وأشار الخبراء إلي إنه ونظرا لأن البورصة شهدت ركودا كبيرا وانهيارا حادا علي مدار عشرة أشهر متتالية وتحديدا منذ منتصف شهر يونيو من العام الماضي 2008 وحتي نهاية شهر مارس الماضي وبعد الخسائر الفادحة التي تكبدها المتعاملون جراء الاستثمار في البورصة علي صعيد جميع القطاعات وصلت في كثير من الاحيان أكثر من 80% من محافظهم المالية بات المتعاملون منشغلين بطرق أخري أسرع وأسهل في تحقيق الربح أو علي الأقل التقليل من حجم الخسائر التي تكبدوها. ومن ثم ظهرت الأسهم الصغيرة وأسهم المضاربات محدودة السيولة وبات نجمها يلمع بقوة إلي أن تمكنت من جذب السواد الأعظم من المتعاملين بالبورصة حتي الأجانب والعرب أيضا دخلوا أمور اللعبة وانصرف الجميع عن الأسهم الدفاعية- ومنها الأسمنت طبعا- والأسهم القيادية والنشطة.