لم تعد الفيضانات والطقس والأعاصير هي التهديد الحقيقي لغذاء الإنسان في العالم.. بل ظهرت أزمة عالمية جديدة نتيجة الارتفاعات الشديدة في أسعار البترول والتي تخطت 145 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي تتمثل في إنتاج الوقود الحيوي من بعض الحاصلات الزراعية خاصة السكر والقمح. فقد نشرت منظمة الغذاء العالمية تقريراً حول قيام الدول المتقدمة بإنتاج كميات كبيرة من الوقود من القمح والذرة.. ورصد التقرير أن الولاياتالمتحدة تأتي علي رأس الدول المنتجة للوقود الحيوي إذ تنتج ما يقرب من مليار لتر من الوقود الحيوي في حين دخلت الصين نتيجة النهضة الصناعية التي تشهدها في هذا المجال والتي تنتج أكثر من 4 مليارات لتر سنويا.. وتبعها في ذلك بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا وتبقي القضية هي لمن تنتج الدول الحبوب "القمح والأرز والسكر والذرة" هل ستتحول من سلع غذائية مخصصة للإنسان إلي سلع تعتمد عليها الدول الصناعية في إنتاج الطاقة.. هذا هو السؤال؟! وتؤكد التقديرات والمؤشرات أن ما حدث في أسعار البترول سوف يحدث في الفترة القادمة في أسعار القمح وبعض السلع الغذائية نتيجة استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي. وكانت منظمة الفاو قد حذرت من خطورة استخدام السلع الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي لدرجة انها سجلت في حوالي 58 دولة أن هناك 54 دولة منها تعاني من المجاعة الشديدة.. كما أن معدل الإنفاق علي الغذاء تراجع بصورة رهيبة.. ففي بعض الدول كان الإنسان يأكل ثلاث وجبات ولكنه أصبح يعتمد حاليا علي وجبتين فقط.. والأغرب من ذلك أن هناك بعض الدول الأخري شعوبها توقفوا عن استهلاك اللحوم لارتفاع أسعارها. المائدة المستديرة التي عقدتها الأسبوع الماضي إحدي المنظمات المتخصصة في مجال الغذاء دقت ناقوس الخطر حول هذه الأزمة كما تناولت العوامل التي أدت إلي زيادة أسعار الغذاء في العالم والتي فاجأت مصر ومختلف الدول كالعاصفة.. وعلي سبيل المثال زادت أسعار الحبوب والزيوت النباتية بواقع 60% عن مستوياتها في العام السابق.. أيضا تعرضت المائدة المستديرة لمدي أخلاقية استخدام غذاء الإنسان في الوقود الحيوي وتأثيره علي أعداد الفقراء والجوعي.. وكذلك زيادة استخدام المحاصيل المهندسة وراثيا ومدي خطورتها علي صحة الإنسان. في البداية تؤكد المؤشرات أنه بالرغم من أن الحكومة بذلت جهودا في سبيل حل أزمة رغيف الخبز إلا أن إجراءاتها في مواجهة أزمة العيش قد تواجه صعوبات شديدة في حالة استمرار ارتفاع أسعار القمح في العالم نتيجة لإنتاج الوقود الحيوي من بعض المحاصيل الزراعية.. وتؤكد مصادر اقتصادية مسئولة أن الحكومة استطاعت توفير اعتمادات إضافية للسلع الغذائية والقمح نتيجة وجود فائض في خزانة الدولة تحصلت عليه من تعديل بعض اتفاقيات تصدير الغاز والبترول أتي للدولة بحوالي 20 مليار جنيه "فروق أسعار" لكن العقبة.. كما يشير المسئوليون الحكوميون ماذا لو استمر ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب.. هذا يعني فرض أعباء مالية جديدة علي الموازنة العامة للدولة لتمويل فروق الأسعار.. خاصة في ظل التوقعات المستمرة بزيادة نسبة استهلاك القمح والمحاصيل الزراعية الأخري نتيجة للزيادة المستمرة في عدد السكان والذي تجاوز ال 82 مليون نسمة. كارثة اقتصادية وتعليقا علي كارثة الغذاء يحذر الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية ووزير التموين الأسبق من توسع الدول الكبري في استخدام المنتجات والمواد الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي.. مؤكدا أن هذا الاتجاه يمثل كارثة اقتصادية لم يسبق لها مثيل وخاصة بالنسبة للدول النامية التي تعتمد في تلبية معظم احتياجاتها الغذائية علي الاستيراد من الخارج. ويطالب د. جويلي جميع الدول العربية البترولية التي أصبحت لديها فوائض مالية كبيرة من جراء الزيادة الكبيرة التي طرأت علي أسعار البترول خلال الشهور الأخيرة من استثمار جزء من هذه الفوائض بمشروعات استثمارية بالقطاع الزراعي في العديد من الدول الإفريقية التي تمتلك الإمكانات الطبيعية مثل الأراضي الصالحة للزراعة والأيدي العاملة الرخيصة ووفرة المياه اللازمة للري.. معتبرا أن القارة السمراء يمكن أن تمثل سلة الغذاء الرئيسية بالنسبة للدول العربية. ويضيف د. جويلي أن الزيادة الرهيبة التي طرأت علي أسعار البترول دفعت الكثير من الدول المتقدمة إلي التفكير في استخدام الفائض لديها من المنتجات الزراعية الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي حيث يعتبر هذا الأمر اقتصاديا بالنسبة لها في حالة زيادة أسعار البترول من 50 دولارا للبرميل.. مشيرا إلي أن بعض الدول مثل مصر لها تجارب رائدة في محاولة إنتاج الوقود الحيوي من أشجار الجاتروفا التي تتم زراعتها علي مياه الصرف الصحي المعالجة حيث أثبتت التجارب أنه يمكن إنتاج وقود الطائرات من هذه الأشجار.