قد يعجب البعض من هذا العنوان في هذا التوقيت إذ كيف يمكن في وسط موجة الغلاء العالمية وعدم قدرة الأجور لدي السواد الأعظم من الناس علي التعامل معها. ووسط اتجاه الاقتصاد العالمي للدخول في نوبة من نوبات الركود قد تحتاج إلي بعض السنوات للخروج منها والتعافي من مختلف آثارها السلبية علي معظم الاقتصادات العالمية ولاسيما في الدول النامية وذلك راجع في المقام الأول إلي ما تعرض له الاقتصاد الأمريكي "أكبر اقتصاد في العالم" وأدي إلي تراجعه بسبب الأزمات التي أمسكت به. وإذا كانت موجات التضخم سواء في أسعار الطاقة أو أسعار الخامات أو أسعار المحاصيل الغذائية تتأكد كل يوم وتعلن عن أنها سوف تستمر.. فكيف في وسط هذا كله يمكن أن نتكلم عن الأمل واشراقته والتفاؤل ومبرراته؟.. وهل يكون كلامنا من باب خداع النفس؟ أم أنه يستند إلي اعتبارات موضوعية؟ أيها السادة إن المتتبع لحركة المجتمع المصري في هذه الفترة لابد أن يسجل مجموعة من الملاحظات تجعلنا نقول إنه الأمل وليس الخداع ولعل من أهمها ما يلي: 1- أننا أمام أرقام صادقة تقول إن معدل النمو الذي تحقق خلال السنوات الثلاث الأخيرة يشير إلي نقلة مهمة في حركة الاقتصاد الوطني وصلت بهذا المعدل إلي 1.7% في نهاية 2006 2007. وأن هذا النمو قد استند إلي مصادر متعددة وأسهمت فيه قطاعات الاقتصاد السلعي والخدمي في آن واحد وأن هذا التنوع في مصادر النمو يجعل هناك مرونة في قدرة هذا الاقتصاد علي امتصاص الصدمات التي يمكن أن تحدث ونستطيع أن نتوقف هنا عند النمو في قطاعات الصناعات التحويلية والغاز الطبيعي والكهرباء والزراعة وغيره من القطاعات السلعية التي لعبت دورا مهما في تعزيز البنيان الإنتاجي ودفع معدلات النمو. 2- أنه رغم المعدلات العالية من النمو فإن الجميع يتحدث حول أمرين أساسيين نحتاج إليهما معا وهما: أولا: استمرار هذه المعدلات العالية لعدة سنوات مقبلة ولفترة كافية لاحداث التراكم. ثانيا: الحاجة إلي سياسات علي الأجل القصير وأخري علي الأجل الطويل لتحسين عملية توزيع الدخل بحيث تمتد آثار التنمية إلي أكبر قطاع ممكن من المواطنين وإلي مناطق ومحافظات مصر. وهذا كله يأتي في إطار عمليات تحسين نوع النمو وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويكاد يصبح ذلك محل اتفاق عام علي مستوي المجتمع ولم يعد من المستغرب أن نجد الحكومة والمواطنين والاعلام ومختلف القوي الفاعلة في المجتمع تتحدث عن هذا كله وتؤكد علي ضرورة عدالة توزيع الاستثمارات بين مختلف المحافظات وعن أهمية ضبط العلاقة بين الأجور والأسعار وعن ضرورة مراعاة ورعاية الأسر الفقيرة والمناطق الأكثر احتياجا وعن أهمية الابقاء علي الدعم مع ضرورة ايجاد الآليات المناسبة لكي يصل إلي مستحقيه. 3- أن الجميع أيضا أصبح يتفق علي أن أزمة الاسعار وارتفاعها إذا كانت تعود في جزء كبير منها إلي الأوضاع العالمية فإن ذلك لا يعني عدم وجود أسباب داخلية تغذي هذه الظاهرة وتزيد من عبئها علي الناس وأن ذلك يحتاج إلي سياسات وآليات لضبط الاسواق الداخلية ومحاربة الفساد ومواجهة التلاعب بأقوات الناس. 4- أن القيادة السياسية قد أعلنت بكل وضوح وبكل حزم أن البعد الاجتماعي ورعاية محدودي الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية في مختلف صورها أمر له الأولوية ولابد من وضع السياسات وتنظيم الآليات التي تكفل ذلك. 5- أنه يبدو في الأفق أن هناك صلاحيات جديدة ستعطي للمحافظين والمحليات للعمل علي ضبط الاسواق وتشجيع الاستثمارات ورعاية المواطنين وتحسين مستوي الخدمات العامة ومواجهة الفساد وأن ذلك كله سيكون محل متابعة وسيكون الفيصل في تقييم أداء القيادات المحلية.. وهذا أمر بالغ الأهمية لارتباط المحليات بالحياة اليومية للناس وأهم عنصر فيه هو المتابعة والمساءلة. 6- أن منظمات المجتمع المدني ورأس المال الخاص أخذا يتجهان إلي مزيد من الاهتمام بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال بل ويطالب البعض منها بتشريعات تجعل من هذه المسئولية التزاما وليس وجاهة أو تبرعاً وعطية وقد حدثت استجابات رائعة من بعض وحدات المجتمع المدني ورأس المال الخاص تبعث علي الأمل وتفتح باب الرجاء. 7- أن الناس بدأت تتجه نحو الفعل الايجابي في المطالبة بحماية المستهلك ومواجهة الممارسات الاحتكارية الضارة واستخدام السياسات الاقتصادية الملائمة وقد رحبت بشدة ببعض القرارات والإجراءات الحكومية التي اتخذت في هذا الصدد. ونقصد هنا بالفعل الايجابي ذلك التعاون في مواجهة الانحرافات والاستغلال والتلاعب بقضية الأسعار علي غير حق ودون مبرر ويتأتي ذلك من خلال المطالبة بتفعيل جمعيات حماية المستهلك بل ومنحها استقلالية عن الجهاز الحكومي أو من خلال المطالبة بمزيد من التفعيل لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة أو من خلال ما تحمله أجهزة الإعلام من المطالبة والالحاح علي ذلك كله وهذا التحرك الايجابي نتطلع إلي نموه وازدياده في المرحلة القادمة وهو مؤشر يبعث علي الأمل. 8- أن الأزمة قد فرضت علينا إعادة النظر في بعض السياسات والاهتمام باعطاء أولوية لبعض القضايا مثل سياسة الاستثمار في مجال الزراعة واتخاذ التدابير والادوات اللازمة لزيادة المساحة المزروعة لاسيما فيما يتعلق بالمحاصيل الضرورية واعطاء مزيد من الاهتمام لتحقيق الأمن الغذائي في إطار رؤية متكاملة وبرامج واقعية وسياسات داعمة. 9- أن المجتمع المصري لم يعد يتردد في الحديث عن المشكلات التي تواجهه وعن أسباب الأزمات التي قد تقع وأنه أصبح أكثر استعدادا لتفهم تلك الأسباب والمشاركة في علاجها وأن الحكومة لم تعد تري في ذلك ما يغضبها وأن أسلوب الحوار والنقاش المرتبط بذلك يتحسن يوما بعد آخر مما يفتح باب الأمل للوصول إلي توافق وطني حول القضايا الاساسية الاقتصادية والاجتماعية في حياتنا. 10- أن هناك محاولات جادة من جانب الحكومة وانجازات حقيقية قامت بها لاسيما في السنوات الأخيرة كما أن هناك تحديات ومشكلات أيضا يلزم أن توضع لها السياسات الملائمة والآليات الفعالة حتي تحدث مشاركة مجتمعية جادة تفتح كل أبواب الأمل والعمل. كل ذلك النقاط العشر تعني أننا أمام لحظات تاريخية علينا أن نمسك بها لكي نتصارح ونتفق ويشارك الجميع من مختلف القوي السياسية من أحزاب ونقابات واتحادات ومنظمات مجتمع مدني وجامعات ووسائل إعلام ترسم خريطة الطريق ونسير عليها جميعا ونحقق متطلباتها بالأمل والعمل. وصدقونا بدون الأمل لن ينصلح عمل.. ومصادر الأمل لدينا عديدة وأعظمها قدرة هذا الإنسان المصري واستعداده للفهم والمشاركة وبذل الجهد إذا ما تمت مصارحته وطلبت بصدق مشاركته.. فوقتها سيبادر كل فرد ولن ينتظر أو يتردد.