تسببت الحرب العالمية الثانية في ايجاد مشكلة الألغام بمصر، فقد قامت القوات الالمانية والانجليزية التي تصادمت في معارك العلمين الشهيرة بزرع حوالي 17.2 مليون لغم بمنطقة العلمين بمفردها. ثم قامت اسرائيل بزرع ملايين الالغام في منطقة سيناء وحول قناة السويس. وقد حاولت مصر منفردة إزالة هذه الألغام وتمكنت قواتنا المسلحة من ازالة 11 مليون لغم. عن الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء حقول الالغام وعن أهم طرق ازالة هذه الألغام، صدر أخيرا كتاب "الألغام في مصر، المشكلات والحلول" للمهندس عبدالحميد عامر الحاصل علي ماجستير الكترونيات من جامعة "اس. ام. يو" الأمريكية وعضو مجلس ادارة الشعب العامة للمصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية. وأوضح المؤلف ان قضية الألغام في مصر لها ابعاد بالغة الاهمية والخصوصية حيث تعد مصر من أكثر دول العالم تضررا من الألغام والاثار المترتبة عليها من خسائر في الارواح للالاف من المدنيين وإعاقة الاستفادة المثلي من جميع الموارد المتاحة في المناطق التي زرعت بها الألغام. وطبقا لإحصاءات الكتاب يوجد حوالي 22.7 مليون لغم واجسام اخر قابلة للانفجار تم زرعها في الاراضي المصرية خلال الحرب العالمية الثانية.. مما يمثل ما يزيد علي 20% من اجمالي الألغام المزروعة في العالم.. ومنها حوالي 17.2 مليون لغم بمنطقة العلمين بالصحراء الغربية. وذكر المؤلف أنه رغم ضخامة هذا العدد فإن القوات المسلحة قامت وحدها بتطهير 3 ملايين لغم من مساحة 38730 هكتارا في الصحراء الغربية منذ عام 1981 حتي الان بتكلفة تقدر بحوالي 27 مليون دولار اضافة إلي ازالة الالغام في سيناء ومنطقة قناة السويس وبلغ اجمالي الالغام المزالة بواسطة القوات المسلحة 11 مليون لغم حتي الان. وأوضح أن الكميات الهائلة من الألغام التي تغطي مساحة 248 ألف هكتار يتطلب الكشف عن مواقعها وازالتها حيث تمثل أكبر عائق امام عدم استفادة مصر علي مدي أكثر من 60 عاما من مناطق واعدة للتنمية بسبب الألغام وتوقف استصلاح حوالي مليون فدان. هذا إلي جانب البعد الانساني المهم لمشكلة الالغام في مصر حيث تسببت في احداث وفيات واصابات بالغة لأهالي المنطقة المتضررة حيث تشير البيانات إلي ان اجمالي الخسائر البشرية منذ عام 1982 في نطاق الصحراء الغربية بلغت 8313 فردا منهم 696 قتيلا و7617 جريحا مصابا بجانب الحالات غير المسجلة، كما بلغت الحوادث المسجلة لانفجار الالغام أكثر من 50 حادثة سنويا. وأوضح الكتاب انه في ضوء قرارات اللجنة القومية الخاصة بإعداد استراتيجية التعامل مع قضية الألغام قام مجلس الوزراء باعتماد الخطة التي أعدتها اللجنة تضم رؤية استراتيجية شاملة لمنطقة الساحل الشمالي الغربي حتي عام 2022 بإجمالي استثمارات 60 مليار جنيه. تعطل الزراعة في العلمين وتركزت الخسائر الفادحة الاقتصادية بسبب الالغام نتيجة توقف التنمية واستغلال الموارد الاقتصادية في مختلف الاماكن فمثلا منطقة العلمين تحتوي علي مليون وربع المليون فدان صالحة للزراعة ولا يمكن استغلالها، وايضا الالغام تسببت في ايقاف العمل في منخفض القطارة لتوليد الكهرباء. ويشير المؤلف إلي أن هناك اضرارا أمنية لمشكلة الألغام حيث تمثل حقول الألغام الارضية في الصحراء الغربيةوسيناء احد مصادر حصول الجماعات المتطرفة علي المتفجرات. أين دور مؤسسات المجتمع المدني وكشف المهندس عبدالحميد عامر في كتابه عن أن أكثر التعقيدات والصعوبات التي تواجه عملية إزالة الألغام في مصر وهي النواحي المالية والفنية والتكنولوجية نتيجة ضاَلة دور مؤسسات المجتمع المدني في معالجة هذه المشكلة وغياب الخرائط والمعلومات الدقيقة بشأن مواقع الألغام.. مشيرا إلي أن تكلفة إزالة اللغم الواحد تتراوح ما بين 300 وألف دولار رغم أن ثمن اللغم ذاته لا يزيد علي 3 دولارات. وأشاد المؤلف في كتابه بتطورات السياسة المصرية تجاه مشكلة الألغام والعمل علي ازالتها حيث بدأ أول مشروع منظم لإزالة الألغام عام 1955 بالصحراء الغربية وشهد عام 1981 اهتماما جادا لحل هذه المشكلة من خلال تنظيم العمل من خلال القوات المسلحة، ومنذ اواخر الثمانينيات بدأت مصر في اجراء الاتصالات مع الجهات الاجنبية للمساهمة في تمويل وتنفيذ الخطة خاصة ان مصر أكبر دولة متضررة من الألغام الارضية وتستحق اهتماما دوليا أكبر.. ولكن مازال التجاوب الدولي ضعيفا. ثم بدأت مصر في طرح القضية علي الرأي العام الدولي بصورة مكثفة منذ التسعينيات خاصة ان تكلفة ازالة الألغام الارضية المتبقية في مصر تصل إلي 2 مليار دولار. وحول مستقبل عملية ازالة وتطهير الالغام في مصر اشار المؤلف إلي العناصر التي تركز عليها السياسة المصرية خلال المرحلة المقبلة وتشمل استكمال عملية الرصد الجغرافي لحقول ومواقع الألغام في الصحراء الغربيةوسيناء وقناة السويس، وتحديد الطرق الملائمة للإزالة والتطهير، والعمل علي توفير المعدات اللازمة حيث تشير تقديرات المسئولين إلي أن مصر تحتاج حوالي 300 جهاز استكشاف متطور للألغام من طراز "فورستر" و2000 كاسحة ألغام، بالإضافة إلي العديد من الملابس والاحذية الوقائية لفرق التطهير والحاجة إلي تنظيم دورات تدريبية متقدمة للمهندسين في مجال ازالة الألغام. كما تتضمن الخطة مساعدة ضحايا الألغام في مصر من خلال زيادة دور المجتمع في توفير فرص عمل للمصابين، وتطوير نظام التأمين الاجتماعي للتعامل مع تلك الحالات. غياب الخرائط وأفرد المؤلف احد الفصول حول الطرق المقترحة في إزالة الألغام التي تعد صعبة ومعقدة وطويلة خاصة للمناطق التي لا توجد لها خرائط أو دلالات وهي عالية التكاليف وخطرة.. وتضمنت بعض الطرق استخدام الكلاب كاشفة الألغام حيث ثبت نجاحها في عدة دول وكانت النتيجة ايجابية خاصة في افغانستان وجنوب افريقيا.. ولكن يتكلف تدريب الكلب الواحد حوالي 8500 دولار، ايضا هناك الازالة اليدوية والميكانيكية وهي الطريقة الاسهل ولكنها الاخطر ورغم ذلك سلاح المهندسين في القوات المسلحة اتبعها في ازالة 11 مليون لغم.. ولكنها تحتاج خرائط لمعرفة اماكن الألغام ومن الطرق الاخري التصوير الجوي لعمل مسح شامل ويمكن التصوير ارضيا بواسطة رادارات مخصصة أو الاشعة تحت الحمراء وتبلغ تكلفة المسح للكيلومتر الواحد حوالي 100 دولار ويمكن تطبيقها في مصر، أيضا هناك طريقة الرادار الارضي والكاشف ذي التردد العالي للكشف علي الألغام العميقة، وكذلك طلمبات الري وقاذف المياه وتستخدم في المناطق الرملية، والموجات التصادمية كأسلوب حديث للكشف ويتعامل مع اللغم من خلال الجو ويمكن استخدامه في حقول العلمين. وأيضا الكشف بطريقة النباتات حيث تتم زراعتها في حقول الألغام فإذا اصطدمت بجسم لغم يتغير لونها، كما أن هناك الإزالة بطريقة استخدام الفئران واثبتت نجاحها وتعد رخيصة التكلفة حيث ان لديها القدرة علي الشم وسهلة التدريب بالمقارنة بالكلاب، وهناك ازالة الالغام بالطرق النووية والرنين النووي لزن هذه المعدات تستطيع الكشف عن المعادن وتعطي اشارات بأماكن اللغم.