لم يعد لأحلام الشباب مكان هذه الأيام، كما لم يعد للتفاؤل مجال، ففي الماضي كان الناس في بر مصر يستقبلون يوم تخرج أبنائهم بالفرحة، فقد أصبحوا رجالاً ينفقون علي أنفسهم، واختلف الأمر هذه الأيام، وبالأحري هذه السنوات التي يحصل فيها الشاب علي شهادته وشهادات ودورات أخري من فوقها ليكون جديراً بالحصول علي فرصة عمل، ولكنها تظل حلماً مؤجلاً، ويستمر جلوسهم في أحضان آبائهم وسط الحسرة علي ما أنفقوه من استثمار لتعليمهم، وخيبة أمل الدولة علي مليارات تكبدتها في الانفاق علي تعليمهم ليقعوا في براثن وحش البطالة الذي لم يغادر أبداً أي بيت من بيوت مصر المحروسة. وعندما يصبح الحلم المشروع في الحصول علي فرصة عمل مستحيلاً، يتحول الشباب إلي قنابل موقوتة تهدد الانتماء والمجتمع ليظهر أمامنا سماسرة السفر، وطوفان الهجرة غير الشرعية من أجل الهروب من أحضان وطن بلا دفء ولا مستقبل حتي لو كان الثمن الموت أو الزواج من أجنبيات ولو كن "إسرائيليات" إلي جانب الجرائم سرقة واغتصاب والتي يحاسب عليها القانون والمجتمع. الأحلام الضائعة ومن بين طوفان يمثل ملايين المصريين الشاب عصام، وهو طبيب في مرحلة التكليف يحصل علي 213 جنيهاً وينتظر إنهاء مرحلة التكليف للسفر إلي الخارج. نفس الشيء يوسف رمضان الذي تخرج في تجارة إنجليزي عام 2002م ودعم نفسه بشهادة متميزة في الكمبيوتر والإنجليزي ومازال في انتظار وظيفة وكانت أمنية مروة سمير خريجة تجارة 2005م كما تقول لنا أن تعمل في مجالها ولكنها اكتفت هذه الأيام بالعمل في محل للوجبات السريعة. وتنتشر الملايين من هذه النماذج في كل أنحاء مصر والمثير للضحك ما كشفته نادية سالم مدير إدارة التشغيل الخارجي بوزارة القوي العاملة بأن اجمالي العمالة الأجنبية العاملة في مصر حتي نهاية 2006م بلغ 19 ألفاً و549 من مختلف الجنسيات يعملون في القطاعين العام والخاص بينهم 13 عاملاً إسرائيليا يعملون بشكل رسمي في إحدي الشركات في مصر. البطالة والبطالة تعبير عن قصور في تحقيق الغايات من العمل في المجتمعات البشرية وهناك اختلاف حول رقم ومعدل البطالة، فبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلي أن عدد العاطلين في مصر 78.1 مليون في بداية 2002م أي بمعدل 1.9% في حين أن أرقام البنك المركزي المصري في نشرته الإحصائية الشهرية الصادرة في نفس العام 2002م توضح أن عدد العاطلين في مصر ثابت عند 5.1 مليون عاطل في العام المالي 96/97 وحتي 2000/2001 حيث بلغ 6.7% من إجمالي قوة العمل البالغ نحو 5.19 مليون نسمة. ويمكن الوصول إلي تقدير رقم آخر لحجم البطالة يختلف عن الأرقام السابقة ويستمد من البيانات الموقعة التي أعلنتها اللجنة العليا للتشغيل برئاسة رئيس الوزراء التي أشارت إلي أن ال 170 ألف وظيفة المعلن عنها من قبل الحكومة توضح أن 5.53% من بين 4.4 مليون تقدموا لشغل الوظائف الحكومية لا تنطبق عليهم الشروط والذين مازالوا داخل دائرة من يعتبر عاطلاً وبناء علي هذه البيانات السابقة فإن عدد العاطلين وفقاً لهذا المصدر الحكومي يصبح 436.3 مليون عاطل "أكثر من ضعف الرقم الرسمي المعلن للبطالة" ونجد أن هناك في مصر 660 الف امرأة مؤهلة وقادرة علي العمل وفي سن النشاط الاقتصادي ونحو 440 الف عاطل من غير المؤهلين ونحو 286 الفا من العاطلين من خريجي النظام التعليمي قبل عام ،1984 ويقدر معدل حجم البطالة الحقيقي بأنه لا يقل عن 17% إلي 20% من حجم قوة العمل. ويري الخبراء أن البطالة قنبلة موقوتة فمن جانبها توضح الدكتور ليلي المهدي الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن نسبة البطالة الآن تصل إلي 5.17% وترتفع بين الشباب في الحضر أكثر من الريف وبين الإناث المتعلمات عن الرجال وتصل إلي أعلي معدلاتها في مدن القناة خاصة في بورسعيد 15% بعد اغلاق السوق الحرة والسويس 13% ومحافظة الدقهلية 14% وترتفع البطالة بصفة عامة في الوجه البحري مقارنة بالوجة القبلي. أما الدكتور سعيد المصري مدير الادارة العامة للدراسات التنموية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فيوضح ان هناك تقريرا عن تجربة انشاءالمصرف المصري للتعليم والتدريب والتوظيف وهو نظام معلومات متكامل عن سوق العمل يتم عن طريق جمع وتحليل جميع البيانات المتعلقة بسوق العمل للتعرف علي احتياجاته الحالية والمستقبلية، مشيرا إلي أن 10% فقط من المعلومات يتم استخدامها وان هناك مشكلة في تداول المعلومات حيث تتعدد مصادر البيانات بل ويتم احتكارها من قبل بعض الجهات. التبريرات وتعكس أرقام البطالة تلك الطبيعة الخاصة للاقتصاد المصري الذي يعاني من اختلالات هيكلية داخلية وخارجية تتمثل في الاختلال في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة إلي جانب وجود فجوة كبيرة بين الإدخار والاستثمار وبالتالي الانتاج والاستهلاك مع انخفاض الحصيلة من بيع البترول المصري نتيجة لانخفاض أسعاره إلي جانب قلة حجم الصادرات المصرية الاخري. ويضاف إلي كل ذلك اسطوانة دائمة ترددها الحكومة وتتمثل في ارتفاع معدلات النمو السكانية علي الرغم من ان ماليزيا بلغ معدل البطالة بها نحو 7.3% خلال الفترة من 2000 إلي 2002 مقارنة بنحو 9% المعدل المعلن في مصر في نفس الفترة برغم ان ماليزيا حققت معدلات للنمو السكاني أعلي من مصر منذ عام 1965 وحتي الآن. ويبقي السؤال: وماذا ستفعل الحكومة؟ والإجابة يقدمها وزير التنمية الاقتصادية الدكتور عثمان محمد عثمان الذي أوضح أن الخطط المصرية التنموية تسعي لخفض معدل البطالة من 5.9% حاليا إلي 5% في 2010 مع ملاحظة أن هذه الأرقام تتعلق فقط بالبطالة السافرة فقط.