لا يخلو أي حديث عن عوائق الاستثمار في مصر من الإشارة إلي بطء إجراءات التقاضي في النزاعات التجارية، وحاليا يتم إعداد قانون المحاكم الاقتصادية المتخصصة الذي سيتم عرضه علي البرلمان في دورته الحالية ليقوم بدور في سرعة الفصل في المنازعات الاستثمارية ومع ذلك تبقي طرق متنوعة للقضاء علي المنازعات التجارية قبل وصولها للقضاء وإن كانت هذه الطرق مازالت غائبة عن السوق المصري، وهو الأمر الذي جعل مجلس أمناء الاستثمار يتجه إلي إنشاء أول مركز للوساطة في النزاعات التجارية تحت مظلة الهيئة العامة للاستثمار وبالتعاون مع المعونة الأمريكية في مصر، ورغم أن كلمة الوساطة "مكروهة" في القاموس الشعبي المصري، إلا أنها في دنيا الاقتصاد وإحدي الوسائل المثالية لتسوية المنازعات، وكما يري القاضي باتريك كينج خبير التحكيم التجاري بالولاياتالمتحدةالأمريكية فإن مصر تتمتع بعدة مزايا لتطبيق ذلك النظام حيث يوضح أن الوساطة التي تقوم علي لجوء الطرفين المتنازعين إلي طرف ثالث يساعدهم في إجراء المفاوضات، وتضمن تحكم الطرفين المتنازعين في نتيجة التفاوض وبالتالي تهتم بمصالح الأطراف المتنازعة أكثر من اهتمامها بالأوضاع القانونية لكل منهما وهو الأمر الذي يحافظ علي علاقات العمل ويساعد علي الوصول إلي تسوية سريعة للمشكلة واحترام للاتفاق الذي توصلوا إليه. التجربة الأمريكية ويؤكد باتريك كينج أهمية الوساطة في تقليل عبء التقاضي في محاكم الولاياتالمتحدةالأمريكية ويشير إلي أن 10% من النزاعات التجارية في أمريكا هي التي تصل للقضاء ويتم حل الباقي عن طريق الوساطة، في حين تصل 85% من النزاعات التجارية المصرية للقضاء وتعاني من بطء اجراءات التقاضي. ويوضح كينج إن نشر الوساطة كآلية لفض المنازعات التجارية في مصر سيؤدي لتحسين مناخ الأعمال للمستثمرين الأجانب ويساعد علي تسوية النزاعات التجارية بأقل التكاليف وفي أسرع وقت. ولتوضيح أكثر لأهمية الوساطة مقارنة بوسيلة أخري مثل التحكيم يشير القاضي باتريك كينج إلي أن التحكيم يعتبر مثل التقاضي في استغراقه لوقت أطول وانتهائه لقرار ملزم بعكس الوساطة التي تكون طوعية، مؤكداً أنه لم يلحظ فشل الاتفاق في أي حالة من حالات الوساطة التي شارك فيها. ويعترف كينج بأن مصر قد تكون بحاجة إلي تشريع يبحث القضاة علي إحالة بعض القضايا للوساطة باعتبارها أمرا ضروريا قبل اللجوء للمحكمة، مشيرا إلي أن هناك اتجاهاً في الولاياتالمتحدة إلي أن ينص العقد بين أي شركتين علي اللجوء للوساطة في حالة نشوب أي نزاع قبل أن يتم اللجوء للمحاكم. مؤكدا أن ما ساعد علي انتشار الوساطة في الولاياتالمتحدة هو قلة تكلفتها مقارنة بتكاليف التحكيم. أفضل من التحكيم ويلفت الدكتور شريف الهجان زميل المعهد الملكي البريطاني للمحكمين الدوليين والمحكم بمركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي إلي أن الوساطة تستخدم لحل المنازعات التجارية في كل الدول المتقدمة، مؤكداً أهمية البدء في تعريف السوق المصري بالوساطة ولو علي نطاق صغير في البداية، ويوضح في نفس السياق أهمية الوساطة التي تتزايد خاصة في ظل المبالغة في تكاليف التحكيم في مصر بالتزامن مع عدم كفاءة الكثير من المحكمين. مشيرا إلي أنه في عام 1995 رسب أربعة عشر محكما من بين سبعة عشر تقدموا لاختبار المركز البريطاني للمحكمين الدوليين في حين نجح أحد عشر محكما من بين اثنين وعشرين عندما أشرف المحكمون العرب علي هذا الاختبار، مما يعكس حالة التراخي في تقييم المحكمين علي المستوي العربي والمصري. ويعتبر شريف أن مشكلة المعاملات التجارية في مصر تنشأ من اعتبار أن "التسويف" هو الأصل في العلاقات التجارية وليس الوفاء بالحقوق، وهو ما يؤكد حاجة المجتمع المصري لكود أخلاقي يطبق بالطريقة الأوروبية بحيث يلتزم الوسيط بالسرية والحيادية التي تكفل نجاح عمله، بالإضافة إلي خبرته وتمكنه من إقناع الطرفين بأن نتيجة الوساطة ستكون في صالح كل منهما. العيب الكبير كما تلفت الدكتورة سميحة القليوبي أستاذ القانون التجاري بجامعة القاهرة إلي أن الوساطة طريقة متبعة منذ سنوات طويلة لحل المنازعات وديا وتحتاج لكي يتم نشرها في مصر إلي الوعي بأهميتها، وتوضح في هذا الإطار أن المحامي الكفء عادة ما يتحول لوسيط من تلقاء نفسه عندما يقوم بالاتصال بمحامي الخصم لمحاولة فض النزاع وديا قبل عرضه علي القضاء. ورغم ذلك تري الدكتورة سميحة القليوبي أن أخطر عيب يقلل من دور الوساطة أن قرارات الوسيط لا تكون ملزمة للأطراف المتنازعة إلا إذا واقفوا عليها كتابياً، وإذا لم يحدث ذلك يذهب كل جهد الوسيط هباء.