قرار غريب اتخذته وزارة التنمية الإدارية منذ شهور ألا وهو السماح للقطاع الخاص بتقديم نحو 950 خدمة من الخدمات الجماهيرية من خلال 500 مركز وكشك اقامتها في العديد من المحافظات بهدف تيسير تقديم تلك الخدمات للمواطنين والقضاء علي الزحام والطوابير والروتين داخل المصالح الحكومية، وتعهد الدكتور أحمد درويش بأن تقدم هذه المراكز خدماتها دون زيادة في الرسوم اطلاقا في الوقت الحالي "يعني حاتزيد بعدين!!"، هذه الاكشاك أنشئت بالأساس طبقا لقرار رئيس الوزراء رقم 146 لسنة ،2002 بهدف التخفيف عن المواطنين في استخراج الوثائق الرسمية مثل تراخيص وتجديد تراخيص المشروعات واستخراج الوثائق الرسمية مثل تراخيص وتجديد تراخيص المشروعات واستخراج شهادات الميلاد والوفاة والاستعلام عن الفواتير ومخالفات المرور، وكانت تابعة في أول الأمر للوزارة "راعية الحكومة الإلكترونية" ولكنها فشلت في تشغيلها ففكرت في طرح التجربة علي القطاع الخاص فأعلنت عن مزايدة لإدارة هذه الاكشاك منذ عدة أشهر وبالفعل فازت بها شركتان من القطاع الخاص وبنك مصر وهيئة البريد. وفي الحقيقة فإن فتح المجال أمام القطاع الخاص لتقديم الخدمات الجماهيرية يحمل العديد من الاسئلة والتحفظات أيضا أول هذه الاسئلة هو مدي نجاح تجربة الحكومة الالكترونية في مصر في تسهيل أداء وانهاء الخدمات للمواطنين من حيث توفيرها له في أقل وقت وافضل سعر وان تصل له هذه الخدمات صحيحة بدون أخطاء الواقع الذي نشهده جميعا -بل نواجهه يوميا- يثبت ان البرنامج اخفق حتي الآن في تحسين الأداء الحكومي أو القضاء علي البيروقراطية والتعقيدات حيث مازالت الأوراق سيدة الموقف في أي تعامل للمواطن مع أي جهة حكومية واصبح علي المواطن اعداد ملف مملوء بعشرات المستندات الأصلية وصورها وما نعانيه في ادارات المرور وكذلك استخراج التراخيص بجميع أنواعها وما يحدث في البنوك ايضا أكبر دليل علي ذلك وبعد الانتظار عدة ساعات واحيانا ايام يدق الموظف علي الحاسب الالي بكل ثقة وسعادة ويستخرج الوثيقة أو البطاقة المطلوبة، وكان الأولي من الحكومة الالكترونية السعيدة بانجازاتها ان تضع برنامجا شاملا لإصلاح الجهاز الاداري المترهل واعادة هيكلة الموظفين داخل المصالح الحكومية وزيادة الاعتماد علي التقنية الحديثة في إنهاء التعاملات وتدريب الموظفين علي استخدامها بشرط تحديث الأجهزة بما يواكب التطور. ويسير الأعمال دون حدوث اعطال متكررة مثلما يحدث خاصة في البنوك ومراكز الاتصالات العامة "السنترالات" مع اختصار الاجراءات للقضاء علي الرشاوي والفساد، كل هذه العيوب لا تنفي نجاح الحكومة في تطوير بعض الخدمات مثل التنسيق الالكتروني الذي حقق نجاحا لا بأس به هذا العام وخدمات استخراج شهادات الميلاد والوفاة وبطاقة الرقم القومي وجوازات السفر، ومع ذلك مازال المشوار طويلا لتحقيق نجاح ملموس في برنامج الحكومة الالكترونية يشعر به رجل الشارع. كما أن الحكومة بذلك تتخلي عن التزامها الاساسي في توفير الخدمات الاساسية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والماء والنقل والسكن وكذلك الخدمات الجماهيرية التي تيسر له التعامل مع الجهات المختلفة، لان هذه الخدمات يجب أن تبقي تحت سيطرة الحكومة لضمان وصولها للمواطن دون استغلال أو مشقة، ولذا لا بديل عن التطوير ولا تلجأ لخصخصة كل شيء كما تنوي أن تفعل في التأمين الصحي، لأن حق العلاج يكفله الدستور لكل مواطن دون تفرقة بين غني وفقير ولأن الحفاظ علي صحة الناس وحماية حياتهم واجب اساسي لأي حكومة في العالم متقدمة كانت أو متخلفة واللجوء إلي الخصخصة المطلقة علي عواهنها في كل المجالات بالتأكيد لا يصب في مصلحة المواطن. وبعيدا عن الاداء المتواضع للحكومة في أداء الخدمات، هناك تخوف حقيقي من الرسوم التي ستقدم بها الشركات جميع الخدمات للمواطنين لان القطاع الخاص لا يدخل مشروعا الا وعينه علي الربح أولا وهذا حقه بالطبع، ولكن مع الطابع الاجتماعي والخدمي للمشروع يجب أن تضمن الحكومة وصول الخدمات بنفس الرسوم المقررة لها في الحكومة حتي لا تتم زيادة الرسوم الي مستوي يفوق قدرة معظم المواطنين وخاصة ان احدي الشركتين الفائزتين بالمشروع اعلنت انها سوف تضخ 34 مليون جنيه لتطوير الاكشاك خلال عامين وهو استثمار ضخم تتوقع الشركة ان تحصل علي عائد كبير منه، مما يستلزم وضع اجراءات تضمن محاسبة المخالفين وسحب الترخيص اذا لزم الأمر، وكذلك ضمان حقوق العاملين في هذه المراكز وزيادة رواتبهم من 450 جنيها إلي 550 جنيها حتي تشجع الشباب علي العمل بها وخاصة في ظل ازمة البطالة التي نعيشها. كما أن هذه الخدمات تعتبر جوهرية بالنسبة للمواطن بدونها لا يستطيع تسيير الكثير من أمور حياته فلا أحد يستطيع قيادة سيارة بدون رخصة أو يثبت ملكية عقار أو أرض دون سند ملكية وتسجيل ولذلك تعد من المسئوليات الأساسية التي يجب أن تؤديها الدولة ولا تتخلي عن آدائها للغير لأهميتها وللحفاظ علي سرية المعلومات الخاصة بالمواطنين والتي قد يتلاعب بها أو يستغلها بعض الذين يعملون في هذه المراكز من ضعاف النفوس فتسبب ضررا كبيرا للمواطنين وقد تهدر امنه وسلامته.بعض المؤيدين للمشروع يروا أنه سوف يوفر علي المواطنين الوقت والجهد ويسهل لهم الحصول علي الخدمة كما أنه سيوفر فرص عمل جديدة وخاصة وأن الوزارة قامت بتدريب 150 شابا وزودتهم باسطوانات ممغنطة تتضمن الخدمات والبيانات والمستندات والرسوم المطلوبة وإذا كانت هذه نقطة ايجابية في المشروع إلا أن عدد الشباب الذين سيجدون فرصة عمل في هذا المشروع لن يتعدي ال 2500 شاب بفرض أن كل مركز سيعمل به 5 أشخاص وهو عدد محدود جدا لا يتطلب خصخصة الخدمات الجماهرية من أجل تشغيلهم وأخيرا يبقي الحديث عن الاعلان عن انتهاء المرحلة الأولي من هيكلة الجهاز الاداري منذ ابريل 2006 والتي استهدفت رفع كفاءة أداء العاملين وتحديد عدد العاملين لكل وظيفة وتطوير الخدمات الجماهيرية ووضع برنامج للتدريب كما أكد رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة في حوار للزميلة للأهرام منذ عام ونصف العام تحديداً في (23/6/2006) مجرد كلام ابن عم حديت حيث لم يشعر المواطن بآثار هذه الخطة التي يبدو أنها لم تنفذ إلا علي الورق فقط، وذلك رغم مرور نحو 6 سنوات علي إعلان بدء تنفيذ برنامج الحكومة الالكترونية في عام 2001 لهدفين رئيسيين هما تحسين الخدمة الحكومية والالتزام بمعايير الكفاءة والجودة والثاني ضمان مكانة مميزة لمصر في عصر المعرفة وللأسف لم يتحقق أي منها!! إن اصلاح الجهاز الاداري يتطلب عملاً جاداً وحقيقيا وليس مجرد كلام وتصريحات للمسئولين، يعمل في المقام الأول علي تحديث الجهاز الاداري بما يتواكب مع العصر وبما يتلاءم مع التغيرات الاقتصادية وزيادة الاستثمار والاهتمام بالجانب البشري بالتدريب والتأهيل وإعادة تسكين العمالة ودمج الوزارات المتشابهة والأهم من ذلك ثورة إدارية من خلال خطة جريئة لتبسيط الإجراءات واختصارها وللتخلص من البيروقراطية والتعقيدات الادارية التي ورثناها عن اجدادنا العثمانيين. [email protected]