ما نسمعه دائماً جدل وحوار حول نسبة الفقر في مصر، وكلام رنان حول تحسين مستويات المعيشة. ولكن الأمر يختلف تماما عندما نشاهد الفقر نفسه علي الوجوه في زوايا البيوت.. وعلي جلود الناس.. وفي نظرات عيونهم التي ترفع النداء إلي الله بأن يرفع غضبه ومقته عنهم. ووجدت العالم اليوم "الأسبوعي" في هذا الإطار أنه من المهم طرح هذه القضية مجددا علي القارئ.. وعلي المسئول والمنظمات المعنية، ليس بتكرار ما سبق أن قالوه وذكرناه.. ولكن من خلال زيارة ميدانية ترصد علي الطبيعة أحوال أفقر القري في مصر من خلال اتباع خريطة الفقر في مصر التي رصدت أفقر ألف قرية في مصر. وهكذا كانت الزيارة.. ورؤي الخبراء لمواجهة هذه المأساة التي تلطخ وجه مصر الحضاري.. ليس في وجود الفقر.. ولكن في تجاهله. وقبل أن نبدأ من المهم أن نشير إلي أن من الغرائب التي أوضحها التقرير الأخير للبنك الدولي عن أفقر 1000 قرية في مصر الذي تم إعداده بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بعنوان خريطة الفقر في مصر لتحديد أفقر ألف قرية في مصر وأن أفقر قرية في مصر بنسبة قد تصل إلي 100% كانت قرية كمال الدين صلاح بمركز بدر بمحافظة البحيرة والمفاجأة هنا أن هذه القرية غير موجودة علي الخريطة واندثرت منذ 15 سنة حيث هاجر أهلها وقامت شركة استصلاح زراعي بالحصول علي الأرض، ورغم هذا التبرير المنطقي إلا أن الأنباء والتفسيرات تضاربت حول موقعها فالبعض قال إنها في بني سويف وليس البحيرة والبعض الآخر قال إنها في البحيرة إلا أن الأخيرة وعلي ما يبدو هي الأصح. بلاد المشاهير ووفقا للتقرير يبلغ عدد الفقراء في الألف قرية نحو 5.10 مليون فقير موزعين بين 14 محافظة وكان الصعيد وكالعادة يحتل النصيب الأكبر من كعكة الفقر المدقع حيث تحتل محافظة المنيا المركز الأول في الصعيد وبها 314 قرية فقيرة.. والمثير للدهشة أن القري الفقيرة التي وضعها التقرير تضم أعداداً ليست قليلة من الشخصيات المرموقة في المجتمع حيث تعتبر مسقط رأس زعماء ورجال أعمال ومحافظين ورجال دين فالزعيم الراحل جمال عبد الناصر من مواليد قرية بني مر التابعة لمركز الفتح بمحافظة أسيوط والتي تبلغ نسبة الفقر فيها 47% واللواء عبد السلام المحجوب وزير التنمية المحلية من مواليد قرية منية محلة بالدقهلية وتبلغ نسبة الفقر بها 53% والدكتور عثمان محمد عثمان وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية نفسه من مواليد قرية درنكة بأسيوط ونسبة الفقر بها 43% أما د. عبد العظيم وزير فإن مسقط رأسه هو قرية بني هاشم من بني سويف ويبلغ نسبة الفقر بها 50% أما أحمد بهجت رجل الأعمال الشهير فإن مسقط رأسه هو قرية عزبة الشنطور مركز سما بمحافظة بني سويف ونسبة الفقر بها 40% أما د. سيد طنطاوي شيخ الأزهر من مواليد قرية طما محافظة سوهاج ونسبة الفقر بها 70%. الزيارة اختار "الأسبوعي" مركز العياط لزيارته والذي يضم قريتي كفر حميد ويبلغ نسبة الفقر بها 91% وقرية البليدة ونسبة الفقر بها 89% ولم تكن الأحوال في كفر حميدة بالشيء السار حيث يعيش سكانها علي بعد 40 كيلو مترا عن القاهرة وتعتبر البامية هي المصدر الأساسي للرزق لهذه القرية البائسة حيث يتم تجميع البامية وتجفيفها بطريقة بدائية وبيع الكيلو ب 10 قروش وحتي يحصل المواطن علي الحد الأدني لشريحة ما تحت خط الفقر فإن عليه أن يبيع 60 كجم من البامية المجففة ليحصل علي 6 جنيهات أي ما يعادل دولار تقريبا علما بأن الحد الأدني لهذه الشريحة وفقا للأمم المتحدة 2 دولار يوميا.. ويوجد بهذه القرية مدرسة واحدة ابتدائي وأخري إعدادي والفصل به 70 طالبا!! أما قرية بليدة والتي خصها "الأسبوعي" بزيارة مفصلة بعد أن تم تغيير مسار الزيارة التي كانت تستهدف كمال الدين صلاح التي ثبت اختفاؤها من علي الخريطة، واعادتنا الزيارة إلي قرية البليدة إلي صورة سينمائية للأرياف المصرية خلال حقبة الخمسينيات فكل ما يحدث في هذه القرية هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وعلي مرأي ومسمع من الجميع ويبدو أن القرية تحتاج إلي آلة زمن علي طريقة أفلام هوليوود حتي تنتقل إلي الألفية الجديدة والتي اقتربت من الاحتفال بمرور العقد الأول منها دون أن تتغير الأحوال، ومازلنا ننتظر الخطة الخمسية لاستهداف الفقر في هذه القري العطشي وسط توقعات بتزايد رقعة الفقر وسط اتهامات للحكومة بالفشل في السيطرة علي هذا الشبح بحجة قلة الموارد.