ربما تكون الاضطرابات السياسية في الدول المصدرة للنفط أبرز العوامل التي بني عليها المحللون تفسيرهم لارتفاع أسعار النفط فمن تأثير هجمات المتشددين في نيجيريا علي تخفيض صادرات البلاد من النفط إلي سيناريوهات الضربة الأمريكية لايران بسبب برنامجها النووي والتي تبدو للكثيرين أكثر ترجيحا مع تصاعد الأزمة بين الطرفين انتهاء بالتوتر الأخير بين تركيا واقليم كردستان العراق الغني بالنفط بسبب ممارسات حزب العمال الكردستاني علاوة علي أن صناعة البترول في العراق بأكمله تواجه مأزقا منذ احتلال الولاياتالمتحدة للبلاد وغياب الاستقرار عنها حتي الآن. ليست الاسباب سياسية فقط فهناك أسباب تقنية أيضا تتعلق بالأعطال المفاجئة في مصافي تكرير النفط في الولاياتالمتحدةالأمريكية علاوة علي نقص المعروض من نفط دول الأوبيك في نهاية العام الماضي وهو ما تراجعت عنه بإعلانها زيادة إنتاج النفط 500 ألف برميل يوميا كما تعتبر معدلات النمو الهائلة في العديد من الدول النامية خاصة دول جنوب شرق آسيا وارتكاز هذا النمو علي الصناعات المستهلكة للطاقة أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار ارتفاع اسعار البترول علي المدي الطويل إلا أن هناك عاملا اقتصاديا اعتبره البعض مؤثرا في أسعار البترول علي المدي القصير وهو تراجع قيمة الدولار وهو ما شجع علي عمليات الشراء في مختلف السلع الأولية. يقول خالد جاسر نائب رئيس لجنة الطاقة بجمعية شباب رجال الأعمال إن هناك الكثير من التحليلات تتوقع أن يستمر ارتفاع اسعار البترول الي ان يتعدي حاجز ال 100 دولار للبرميل مشيرا إلي أنه وإن كانت الاضطرابات السياسية تلعب دورا محوريا في أسعار النفط إلا أن هذه تقع الاضطرابات تقع في مناطق محدودة بينما تتسم دول أخري منتجة للبترول كالسعودية وروسيا وكندا وأمريكا بالاستقرار، علاوة علي أن الاضطرابات السياسية تتسم دائما بأنها مؤقتة وإن طال مداها إلا أنه يري أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع اسعار هذا الخام يعود إلي معدلات الطلب القوية علي هذه السلعة والذي يأتي في مواجهة معدلات متناقصة من الاستكشافات البترولية وحجم من الاحتياطي الدولي يهدد بأزمة في الطاقة في المستقبل. فبسبب الطفرة الصناعية وازدهار حركة النقل في دول جنوب شرق آسيا خاصة في الصين والهند تضاعف استهلاك آسيا منذ عام 1975 ثلاث مرات وارتفع حجم الاستهلاك في مناطق أخري ايضا مثل أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط حتي قارة افريقيا والتي لم تظهر علي خريطة الاستهلاك بقوة كما تظهر هذه الأيام بسبب ارتفاع معدلات الاستهلاك في دول مثل جنوب افريقيا وساحل العاج والسودان، كما ارتفاع حجم الاستهلاك العالمي سنويا من 60 مليون برميل في عام 1975 الي 84 مليون برميل هذا العام، بينما بلغ حجم الاستكشافات البترولية في العشرين عاما الأخيرة معدلات أقل من معدلات حقبة الخمسينيات والستينيات وتسبب ارتفاع الطلب بشكل تدريجي خلال الثلاثين عاما الماضية من ارتفاع الاسعار من مستوي أقل من 20 دولارا للبرميل سنة 1973 الي الأسعار الحالية التي تتجاوز حاجز التسعين دولارا، فيما تشير الدراسات إلي أن حجم الاستهلاك العالمي سيصل عام 2030 الي 118 مليون برميل بينما سيكون الاحتياطي 2 مليار برميل وهناك مخاوف بنفاد الاحتياطي العالمي علي المدي البعيد اذا لم تظهر اكتشافات جديدة تقابل معدلات الاستهلاك المتزايدة. ويشير جاسر الي ان حجم الاحتياطي العالمي يجعل قرار دول النفط بزيادة انتاجها لمواجهة الاسعار يتسم بالخطورة ويحتاج للتأني في اتخاذه. الطفرة في النمو ويري محمد البيلي رئيس مجلس ادارة شركة بينتال للخدمات البترولية ان سعر برميل النفط قد يصل خلال العامين المقبلين الي 150 دولارا بسبب معدلات النمو المتزايدة في الدول النامية خاصة ان هذا النمو يأتي مدفوعا باستثمارات الشركات الغربية في هذه الدول ويري ان الاضطرابات السياسية في الشرق الاوسط ليست توقعات هي التي رفعت من اسعار النفط ولكن توقع دول كبري كالولاياتالمتحدة وبريطانيا ارتفاع اسعار النفط في المستقبل هو الذي اجتذب جيوش هذه الدول للسيطرة علي المنطقة لحصول هذه الدول علي النفط بطرق غير تقليدية وهو الاسلوب الذي تنتهجه الصين ايضا بتوسعها في عمليات استخراج النفط في دول مثل السودان والجزائر للحصول علي النفط بسعر اقل من سعر السوق وتأمين مصادر الطاقة لديها.