أسعدني زماني بأن عاصرت أساتذة عظاما كان لهم - ولا يزال - فضل تعليم جيلي والأجيال التالية لي من الصحفيين فنون الصحافة، وأصول مهنة البحث عن المتاعب، والأهم اخلاقياتها. وقائمة أسماء هؤلاء الأساتذة الكبار طويلة، لكن هناك ثلاثة منهم كان تأثيرهم - ولا يزال - مباشراً وقوياً ومتشعب الأبعاد علي تكويني المهني والإنساني. هؤلاء الثلاثة الكبار هم الأستاذ أحمد بهاء الدين والأستاذ محمد عوده (رحمهما الله) والأستاذ كامل زهيري (متعه الله بالصحة وطول العمر). والأستاذ كامل زهيري، فوق عبقريته ككاتب وفنان - وهي صفة يشترك فيها مع بهاء وعوده - يتميز بتاريخه النقابي الحافل الذي جعله يحمل لقب "نقيب نقباء الصحفيين" عن جدارة واستحقاق . ونحن الصحفيين المصريين علي اختلاف مدارسنا ومشاربنا السياسية والفكرية مدينون لهذا الرجل بحراسته لنقابة الصحفيين ودفاعه دفاعا مستميتا عن وجودها، خاصة عندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات مسحها من الوجود وتحويلها إلي "ناد". كما رفض الخضوع أمام محاولات السلطة السياسية لفصل بعض خصومها بحجة "تطهير الجدول"، ورفع شعاره الشهير "العضوية مثل الجنسية لا يمكن إسقاطها". هذا الأستاذ الجميل كامل زهيري يمر بوعكة صحية جعلته يرقد منذ أسابيع في مستشفي قصر العيني الفرنساوي متأثرا بمضاعفات مرض السكر الملعون، وذهبت لزيارته، وكنت بصحبة الفنان الموهوب والمثقف نصير شمه، فما أن رآنا كامل زهيري حتي هب في سريره وأوسعنا كلاما عذبا بحيث لم نجد فرصة للحديث (كالعادة). وكان كلام كامل زهيري - حتي وهو علي سرير المرض - جذابا وخفيف الظل، وحافلاً بالمعلومات والأسرار التاريخية بالغة الأهمية. وخرجنا - نصير شمه وأنا - من غرفة كامل زهيري - الذي لم يعطنا فرصة الكلام - علي وعد بلقاء قريب علي الأرجح أنه لن يعطينا فيه أيضا فرصة لممارسة لذة الحديث في حضرة رئيس مجلس إدارة علم الكلام الجميل والمفيد والساحر. أستاذي كامل زهيري .. دمت لنا وأطال الله في عمرك ومتعك بالصحة.