أعادت لي انتخابات تجديد ثلث مجلس جمعية كتاب ونقاد السينما ذكريات كثيرة تخص هذا المكان الذي «تربيت فيه»، وتعبير «تربيت فيه» هو تعبير حقيقي جداً، فلقد ذهبت إلي تلك الجمعية الكائنة في 9 شارع عرابي لأول مرة عام 2001، وكان يرأسها وقتها الأستاذ محمد صالح حيث كانت تنظم دورات كتابة السيناريو ونقد سينمائي..كان ذلك قبل أن تتحول مسألة دورات النقد والسيناريو إلي بيزنس أو شو إعلاني، خصوصاً مع دخول تخصصات أخري كالتمثيل والتصوير والمونتاج وأصبح كل من هب ودب عنده ورشة تعليم «فن» إن كان هناك ما يسمي بتعليم الفن ! أما في ذلك الزمن الآخر أعطتنا الجمعية فرصة الجلوس أمام أساتذة كبار..وعندما قلت في البداية إنني تربيت فيها قصدت تربيت فنياً ونمت ذائقتي من خلال محاضرات الدورات الفنية، بل إن أول مقال نقدي كتبته في حياتي كان في إحدي هذه الدورات وبالتحديد في محاضرة د.رفيق الصبان وكان بعنوان «المهمشون وسيكولوجية الحوار بين الطبقات.. قراءة في فيلم المنسي» وكان ثاني مقال هو «هبوط في منحني الجرس.. قراءة في فيلم رشة جريئة» وكان ذلك في محاضرة طارق الشناوي.. أجل طارق الشناوي ود. نبيل راغب الذي كان عميداً لمعهد النقد الفني وقتها والأستاذ فتحي العشري الذي كان رئيساً لصفحة السينما بالأهرام..هذه هي الاسماء التي تمكنت من خلال الجمعية من الجلوس أمامها وتلقي مبادئ التذوق النقدي والخبرات العملية والحياتية، أما في السيناريو فلقد منحتني الجمعية أهم علاقة في تاريخ حياتي المهنية والشخصية وهي علاقة التلمذة والصداقة التي كانت ولا تزال تربطني بأستاذي محفوظ عبد الرحمن حيث كان يقوم بتدريس مبادئ السيناريو من خلال محاضرات شيقة وممتعة فنياً وحياتياً..إلي جانب محمود أبو زيد ومصطفي محرم الذي كان أول من دلني علي كتاب «فن كتابة المسرحية» وهو أحد أهم مراجع الكتابة الدرامية، وكانت مكتبة الأسرة قد أصدرت وقتها طبعة جديدة منه لا يزال محتفظاً بها كمرجع لا غني عنه لأي متذوق فني أو متخصص درامي..وما بين أيام الدورات كان الذهاب إلي الجمعية يعني أن هناك ندوة جديدة ربما نلتقي فيها بأسامة أنور عكاشة أو وحيد حامد أو نشاهد فيلم «لي لي» في حضور مخرجه وأبطاله ونشتبك معهم..ولكم أن تتصوروا أن الكثير من مرتادي تلك الندوات والدورات لم يكونوا متخصصين أو ينوون التخصص في الكتابة النقدية أو الدرامية بل كان بعضهم يريد فقط أن يلم بالمبادئ ليتذوق ويستمتع وهي أحد الأشياء التي رسبت في تكويني فيما بعد فكرة التذوق الفني القائم علي الإلمام بالقواعد والعناصر الأولية للدراما والتي تتيح للجمهور العادي أن يرتقي بمستوي ما يقدم له من خلال الفرز الوجداني المبسط للغث والسمين..كانت الجمعية وقتها في فترة مزدهرة قبل أن تدخل في غياهب من المشاحنات والقضايا والضديات التي جعلتنا «أنا وجيلي» نهرب خوفاً من أن نشاهد من الرموز والأيقونات التي كنا نقدسها ما لا نحب أن نراه أو نعرفه، ومرت سنوات لم أذهب فيها إلي الجمعية وكنت التقي زميلتي المخرجة آيتين أمين وأقول لها: فاكرة أيام الدورات في الجمعية، فتضحك وتقول: كانت أيام..شعرت حينها بأننا عجزنا ليس لكبر السن أو لبعد المسافة في الوقت ولكن لأن أشياء كثيرة تغيرت ولم تعد موجودة..الآن عندما يتصل بي شاب من هواة الكتابة النقدية أو الدرامية لا أجد ما أدله عليه سوي الكتب!صحيح أن هناك عشرات الأماكن التي تقدم دورات من أول السيناريو حتي التطريز لكن ليست مثل هذه الأماكن التي تربينا فيها.. ليست مثلها أبداً.