في مسار التقدم العلمي والانتاجي علي مر السنين تحدث قفزات في العلم والتكنولوجيا كل حقبة من السنين او كل جيل أو كل عقد أو عقود من السنين، وفي مسار التقدم فإن معدل القفزات العلمية والتكنولوجية يتسارع ويتسارع معه نمط الانتاج، ولعلنا درسنا الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر من النسيج إلي البخار وصناعة الصلب والكهرباء ثم الاتصال السلكي واللاسلكي وتم في العقود التالية الماضية تكنولوجيا الكمبيوتر وتأثير كل ذلك علي انماط التصنيع والدور الذي تلعبه تكنولوجيات الانتاج ليس فقط في رفع مستوي المعيشة بل ايضا في التوازنات الاقتصادية والتجارية واسعار السلع في السوق العالمي ثم ايضا بدرجة متعاظمة في قوة الدول وأمنها القومي. القفزة القادمة بل الجاري حاليا احداثها هي دراسة المادة في أدق اشكالها دراسة المادة في أبعاد النانو والنانو هو واحد من مليون من المليمتر وفي نفس الوقت يتم دراسة الفيمتوثانية والفيمتوثانية هو واحد علي ألف مليون من الثانية. هذا المجالان العلميان سوف يقرران التطور العلمي والتكنولوجي الجديد في الحقبة القادمة، العالم مقبل علي ما يمكن تسميته مصانع تكنولوجيا النانو التي تعتمد علي القدرة علي تخليق مركبات يجري تصميمها وصناعته جزيئاً جزيئاً ومثل هذه القدرة باستخدامها سواء في الطب أو الزراعة او الاتصالات او الحرب تمثل في المستقبل القريب احتمالات لا تقل خطورة عن الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر أو ثورة الكمبيوتر وتأثير ذلك علي الاقتصاد والأمن القومي يمثل خطورة لا يمكن تجاهلها. الانفاق علي البحث العلمي في مجال النانو يتصاعد بصورة مذهلة، الولاياتالمتحدة تنقل 7.3 مليار في المتوسط سنويا، اليابان 750 مليونا، السوق الأوروبية 2.1 مليار، الصين ارتفع نصيبها من الأوراق الأكاديمية المنشورة عن علوم النانو من 5.7% إلي 3.18% عالميا من 1995 إلي 2004 أكثر من 400 شركة علي النطاق العالمي تقوم بالبحث والتطوير في مجال النانو في صناعة الغذاء فقط! انفاق وزارة الدفاع الامريكية في الثلاث سنوات الماضية يتراوح بين 360 و450 مليون دولار. تخرج علينا الجرائد كل حين بأخبار تبعث علي الغصة ولا تسر القلب كلية العلوم بجامعة الاسكندرية تقرر انشاء قسم لعلوم النانو، مجلس جامعة الاسكندرية يوافق علي انشاء قسم علوم النانو.. المفاجأة ان مجلس الجامعات الأعلي يرفض انشاء هذا القسم علوم الفيمتوثانية حصل العالم زويل علي جائزة نوبل فيها، زويل حضر إلي مصر وعرض انشاء مركز دراسات لعلوم الفيمتوثانية وهي فرصة للدخول في مجال احدث العلوم وتطبيقاتها التكنولوجية، فماذا حدث لقد قوبل بكل مظاهر التكريم من حفلات استقبال ومقابلة كبار رجال الدولة حتي الأندية الرياضية - اما انشاء مركز علمي فتم نسيانه تماما في الوقت الذي استفادت اسرائيل من أبحاثه وفي آخر الأمر قرر انشاء هذا المركز في احدي امارات الخليج. الباحثون في مدينة مبارك للأبحاث العلمية يتوصلون إلي انتاج علاج للعفن البني في البطاطس، العفن البني أكبر معوق لتصدير البطاطس ووصل الأمر أن السوق الأوروبية حصر المناطق التي يمكن قبول شحنات بطاطس للتصدير من مصر، وتقدر خسارة التصدير نتيجة لذلك ثمانمائة مليون جنيه قوبل هذا الانجاز بالتجاهل من وزارة الزراعة حتي وصل الامر كما تقول الجرائد ان الباحثين عجزوا عن مقابلة المسئولين عن مثل هذه البحوث في الوزارة قصة القمح هي الاخري غريبة فقد تم تهجين سلالات قمح يصل انتاجها في مركز البحوث التجريبية إلي سبعين اردباً في الفدان اما في أرض الفلاحين فيصل إلي خمسة وثلاثين أردباً، تم تجاهل هذا الانجاز بل وصل الأمر إلي اتلاف محصول الاكثار في الوقت الذي يذاع بمنتهي الفخر ان انتاج القمح وصل إلي عشرين أردباً في محصول العام الماضي. غير ان قصة القمح لها فرع اخر فالدكتور مستجير رحمه الله تمكن من تهجين القمح والارز والذرة مع نبات الغاب - البوص - الذي ينمو في ملاحات مريوط فهذه النباتات تجمعها عائلة نباتية واحدة بل وصل الدكتور مستجير إلي انتاجية في الزراعة علي المياه المالحة مياه البحر إلي محصول يقارب انتاج الارض المزروعة علي المياه الحلوة. اليس هذا الانجاز مما يجب ان يكون مشروعا قوميا وان يتم الانفاق عليه حتي تكتمل نتائجه، فماذا حدث إلا التجاهل والاهمال. فلنتصور ماذا يحدث في اقتصاديات الحبوب لو تم زراعة ملايين الفدادين في الصحراء ليس فلقط في مصر بل في بلاد العلم الفقيرة، لقد انفقنا آلاف الملايين في توشكي حتي نحصل علي عشرين ألف فدان جار تمليكها للأجانب، اما أكثر الاخبار مدعاة للسخرية ما نشر من الاتجاه إلي خصخصة أرض البحوث الزراعية. الغريب كثرة الكلام عن تشجيع البحث العلمي وكيف نصل بما ينفق عليه إلي واحد بالمائة من الدخل القومي في الوقت الذي نتجاهل الامكانيات المتوافرة فعلا لعلمائنا والأغرب اننا نحتفل بالمعونة الاجنبية في تكنولوجيا الرخام والجلود أي في صناعة الشمس الغاربة وهي تكنولوجيا ما أسهل نقلها بالجهود الذاتية بواسطة الاخصائيين والعلماء المصريين ونحن لا ندرك أن ما نحي هذه المعونة لا يهدفون إلا لحصر التقدم والتنمية في مصر في صناعات الشمس الغاربة وعدم دخولها في مجال العلوم الجديدة والتكنولوجيات الجديدة، الخواجة لا يبيع لك إلا جهلك وهو أغلي السلع.