من انتهاك حقوق الإنسان إلي انتهاك حقوق الحيوان! نشرت الصحف المصرية خبرين هما من وجهة نظري أسوأ من بعض وكل الأخبار السيئة تأتي من اهمالنا الذي فاق كل تصور فلم نعد نعلم كيف ندير مصالحنا وكيف نكسب، فقد احترفنا الخسارة في كل شيء والرسوب أصبح لدينا صفة وعدم التفكير للصالح العام أصبح جرثومة لا نبتعد عنها قدر الإمكان وحتي لا يتوه معي القارئ، ماذا نشرت الصحف؟ أولا صورة سائح ينحني تعاطفاً مع طفل يحمل فوق رأسه قفصين مملوءين بالخبز المكشوف ولسان حال السائح يقول "يا عيني علي الطفل المسكين الذي يحمل كل هذا الثقل ويا عيني علي الذين سوف يصابون بالأمراض نتيجة الخبز المكشوف" مما يعني أننا قوم قساة القلب نتمتع بجهل صحي عظيم ثم نقول ملء الفم نريد سياحا يالا العجب أما الخبر الثاني فهو اعلان المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا ونفري أنها تعتزم القيام برحلة قريبا إلي اسرائيل استجابة لدعوة كاتب روائي أمريكي يهودي بارز إلي هنا والخبر عادي لكن الذي أثار حفيظتي في هذا الخبر أنه ذكرني عندما كنت مستشارة اعلامية في السفارة المصرية في واشنطن من 1992 وحتي 1995 وطالبت بل وألححت علي المسئولين في تلك الفترة توجيه دعوة للمذيعة الأمريكية الشهيرة بما لها من قوة تأثير طاغية علي أكثر من أربعين مليون مشاهد مما يساعد في عرض وجهات نظرنا واطلاعها علي ثقافتنا وحضارتنا حتي لا نترك المجال فقط لخصومنا جميع المجالات، ولم يتحرك ساكن ولا مسئول بل واعتبروا هذا الطلب محجوبا.. ما رأي هؤلاء المسئولين الآن؟! ان الاعلام الخارجي وخاصة في عصر العولمة مهم جدا وضروري واقتحام الاعلام الغربي لن يكون إلا بالاحتكاك ولكي نتقرب من الشعوب الأخري لابد ان نحاكيهم ويحاكون والاستهانة بدعوة اشهر فريق في الدنيا خطأ ولعلنا لم نر ونقرأ أن تعاطف العالم كله مع قضية جنوب افريقيا وتعاطف الشعب الامريكي والأوروبي الذي جاء من خلال برنامج أوبرا.. ووصل الاهتمام بحث اغنياء العالم للتبرع بإقامة المدارس وعلاج الايدز.. والأهم هو نقل صورة واقعية عن المجتمع الجنوب افريقي زادت معها السياحة والبرامج وتصوير الأفلام السينمائية بمواقع كثيرة في جنوب افريقيا حتي أصبح حلم أي أمريكي وأوروبي هو زيارة جنوب افريقيا يوما ما، كل هذا وأكثر حدث عندما دعا العبقري نلسون مانديلا أوبرا ونفري لزيارة جنوب افريقيا هذا ما أعنيه من دعوة كبار الاعلاميين الذين لهم تأثير في الرأي العام ويشكلون وجدانه ورأيه وتعاطفه أو رفضه، هكذا فعل تدكوبل وهو أشهر مذيع في قناة ايه.بي.سي الأمريكية والذي كان له الفضل في ايقاف مذابح البوسنة والهرسك ولا أعتقد أن انسانا شاهد برامجه حول أطفال البوسنة يمكن ان ينسي هذه المأساة وأنا هنا لا أتكلم عن الأمور السياسية ولكني اتكلم واتحمس لحوار الحضارات والذي يبني أساسا باحترام الإنسان لنفسه ثم لثقافة وحضارة الآخر، لماذا تعج الصحف بالسخرية من ثورة بريجيت باردو علي قتل الحيوانات في مصر بلا رحمة؟ لماذا نربط بين المطالبة بالرحمة بالحيوان وبين الإنسان في مصر وبين أطفال الشوارع إلي غير هذا من هموم مصر الكثيرة. إن محاكاة المصريين والجمعيات الأهلية والبرامج الثقافية والإعلام عموما يلعب دورا مهما في حوار الثقافات.. ويمكن الحل ليس بالسخرية من ثقافة الآخر خاصة لو كانت هذه الثقافة تصب في مصلحة وجه مصر الحضاري. لقد كانت مصر من أولي دول العالم التي اهتمت بصحة الحيوان وأسست كثيرا من الجمعيات وأنشأت المستشفيات وليس ذنب بريجيت باردو اننا شعب أصبح لا يهتم بصالحه وبصحته وانسانيته فكلنا يستنكر ما يحدث للحيوان من معاملة قاسية ونتأذي من الاساءة إليه ولا نفعل شيئا عندما فضحنا أنفسنا نلوم كعادتنا الآخر ونتهمه ونسخر منه.. ويا للعجب. إن الثقافة لا تفرق بين شعب وآخر ولابد أن نؤمن بهذا لكي يتم نقل مصر إلي المصاف العالمية وهي التي كانت جزءا لا يتجزأ من ثقافة العالم لقرون طويلة وكانت رائدة للمنطقة العربية والافريقية بدلاً من ان تبدو اليوم معادية لحقوق الإنسان والطفل والحيوان أو تتخلي عن ريادتها في فتح حوار مع الآخر بعمق وفلسفة واطلاع العالم علي الثقافة المصرية ممثلا في محاكاة كبار كتابنا بكتاب العالم وفنانينا وأهم مقدمي البرامج في العالم وأن نتحلي بصفاتنا التي كانت تبهر العالم وهي القدرة علي امتصاص الثقافات وصهرها وبالتأكيد ليس من بينها انتهاك حقوق الإنسان والحيوان.