د. جوئل بنين استاذ أمريكي بقسم التاريخ بالجامعة الأمريكية ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط يتحدث العربية بطلاقة وله مواقف معارضة من النظام الأمريكي الحالي الذي يصفه "بالمجرم"، إلا أن له كتابات عدة اهتم فيها بالشأن المصري وتحديدا قضية الاضرابات العمالية التي حيرت الكثيرين في توصيفها ورسم مستقبلها. وفي هذا الحوار فتحنا مع جوئل بنين ملف العمال وحاولنا أن نستشف منه قراءته للظاهرة العمالية في مصر في ضوء الظرف الاقتصادي المصري والعالمي. * لفت نظري الاستهلال الذي قدمتم به مقالكم الأخير علي الموقع الالكتروني لمركز ميريب للدراسات والذي تحدثتم فيه عن أن حركة الاضرابات الأخيرة كانت الأكبر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، فما هو الظرف التاريخي الذين ترون أن حركة بهذه القوة تنشأ فيه؟ ** أولا هناك مخاوف عند العمال من ضياع حقوقهم في ظل برنامج الخصخصة فهناك عمال بالقطاع العام لهم مستحقات لم يحصلوا عليها منذ 10 سنوات وهناك مخاوف من اسقاط مستثمر القطاع الخاص لمستحقات العمال بعد شراء المصنع، والواقع أن مخاوف العمال زادت منذ قدوم حكومة د. أحمد نظيف وتسريعه لبرنامج الخصخصة ثم كانت طلقة الشرارة للحركة العمالية باضراب عمال غزل المحلة فهي شركة ضخمة ومعروفة تاريخيا اسسها طلعت حرب وتعتبر طليعة عملية التصنيع في مصر والوطنية الاقتصادية وتاريخيا اسهمت الاضرابات التي حدثت في هذه الشركة في التأثير علي العمال في مصر كلها. حركة الاضرابات * لاحظت أنك ربطت في مقالك بين حركة الاضرابات العمالية وحالة الحراك السياسي؟ ** ما كنت أعنيه هو أن طلبات هذه الاضرابات ليس لها صلة مباشرة بالمطالبات السياسية في مصر، إلا أنه من الاثار المترتبة علي اضراب عمال المحلة أنهم فقدوا الثقة بنقابتهم لأن اللجنة النقابية لم تؤيد الاضراب لذا طالب بعض العمال بالاستقالة من الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وأنا أعتبر أن طلب الاستقالة من الاتحاد العام له معني سياسي كبير، لأنه منذ أيام الرئيس جمال عبدالناصر عند تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر سنة 1957 كان الهيكل النقابي تحت سيطرة الحكومة كليا وقتها كانت الحكومة تهتم أكثر بمصالح العمال والأجور كانت نسبيا أعلي والمعيشة نسبيا افضل، ولكن عندما يطلب العمال نقابة مستقلة الاَن فهذا في رأيي تغيير سياسي مهم جدا. * ولكن هل تري أن الظروف الحالية تسمح بنشوء حركة عمالية قوية؟ ** من الصعب أن يحدث ذلك في ظل الظروف الحالية فهناك مشكلات عدة منها أزمة البطالة وارتفاع الفقر علاوة علي أن عدد المستعدين لتنفيذ فكرة النقابة البديلة مازال قليلا ولا توجد قيادات عمالية علي المستوي الوطني كما لايوجد برنامج مفصل للعمال. * وهل تري أن قوي المعارضة من الممكن أن يكون لها دور في مساندة الحركة العمالية؟ ** الأحزاب كلها والاخوان لم يلعبوا دورا ايجابيا في هذه الحركة حتي الآن فعلي حد علمي لم يكن هناك اضراب واحد بقيادة أحد منهم، ولكني أري أنه من الممكن أن يكون هناك أمل في نشوء حركة عمالية قوية في حال حدوث بعض التغييرات علي الساحة العمالية فمثلا ممكن أن يظهر زعيم عمالي لديه شخصية جذابة يلتف حوله العمال، أو من الممكن أن يشعر الناس بأن الحكومة فاقدة الثقة بنفسها ساعتها سيشعرون بأن هناك. فرصة للتغيير او من الممكن ان تواجه الحكومة الحركة العمالية بقمع شديد فيكون رد الفعل قوياً. تأثير الخصخصة * ولكن الاحظ ان المشكلة العمالية في مصر حسب تحليلك ترتكز بدرجة كبيرة علي برنامج الخصخصة فهل المشكلة في فكرة الخصخصة نفسها أم في الاسلوب الذي طبقت به في مصر فهو مطبق ايضا في الولاياتالمتحدة ولم تكن له أثار اجتماعية سلبية؟ ** الحقيقة انه كان هناك تأثير سلبي لبرنامج الخصخصة علي المجتمع الامريكي وابرز نموذج علي ذلك ولاية فلينت ميتشجان فقد كانت عاصمة قطاع تصنيع السيارات والآن بها اكثر من 50% بطالة منذ 30 سنة كان فيها اكثر من ربع مليون عامل سيارات الآن لم يعد بها أية عمال والمخرج الامريكي الشهير مايكل مور ابن هذا البلد كان اول فيلم اخرجه كان عن هذا البلد والحال الذي وصل له، ولكن امريكا بلد غني ويستطيع إلي حد ما ان يحتوي مشكلات الخصخصة. وفي مصر كانت هناك فكرة اعطاء العامل المعاش المبكر بعد الاستغناء عنه وهي فكرة إلي حد ما جيدة ولكنها لم تفعل في كل حالات الخصخصة. * وهل تعتقد انه في حال تطور الحركة العمالية في مصر من الممكن ان تعطل برنامج الخصخصة؟ ** الخصخصة قادمة قادمة.. هذا هو العالم الجديد الذي يجب ان نعيش فيه والسؤال هو: ما هي ظروف الناس في هذا العالم هل ستكون السيطرة لرأس المال ام انه من خلال الصراع سيتجه المجتمع للحرية وللديمقراطية الاقتصادية، هذا هو الواقع العالمي بغض النظر عما اذا كنا نقبله او نرفضه، لذا فنستطيع ان نقول اننا نأمل في حركة عمالية قوية تستطيع ان تؤثر علي الاسلوب الذي تنفذ به الخصخصة ومستوي الحقوق العمالية والحرية للفئات. * ذكرت في مقالك ان امريكا تسعي لتطبيق برنامج نيوليبر الي في مصر فما هي أهدافه؟ ** هذا بدأ منذ اول بعثة من صندوق النقد الدولي زارت مصر سنة 76 وقتها نصح الصندوق بتقليل الدعم ورفع اسعار السلع الاساسية وكان المردود احداث يناير 77 وما يطبق الآن هو نفس السياسة التي بدأت في هذه الفترة ولكني لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة فأنا أعتقد أن المؤيدين لهذه السياسات يعتقدون انها سيكون لها مردود ايجابي علي المجتمع ككل، وامريكا نفسها لا تمانع من ان يقل الفقر في مصر بالعكس فهذا سينعكس علي الاستقرار فيها ولكن أمريكا لها اولويات منها الدور الذي تلعبه مصر تجاه الصراع العربي الاسرائيلي ومنها ايضا انها تريد سوقاً حرا مفتوحا لها في مصر لتبيع منتجاتها ولكي تفعل ذلك يجب ان يكون هنا طبقة متوسطة نسبيا كبيرة لتشتري منتجاتهم وهذا هو البرنامج النيوليبرالي إلي وفعلا في ال 20 عاما الماضية.. الطبقة المتوسطة كبرت ولكن من خلال نفس السياسة اتسعت الفجوة بين الاغنياء والفقراء جدا والحكومة تقول الآن ان سياستها سيكون لها مردود علي الفقراء علي المدي البعيد ولكن انا شخصيا لا أري ذلك. * هل تعتقد ان من مصلحة الرأسمالية المصرية ان تنشأ حركة عمالية قوية لتأسيس اقتصاد قوي؟ ** تاريخيا هناك تعارض في المصالح بين الرأسمالية والعمال ولكن هناك ظروفا متاحة لتوافق نسبي.. ففي أوروبا وامريكا في سنوات الخمسينيات والستينيات واوائل السبعينيات كان هناك هذا التوافق فالأجور كانت في ارتفاع مستمر وكذلك الارباح ومستوي المعيشة لأنه كانت هناك تنمية وتوسيع للسوق الرأسمالي وبعد نظر للرأسمالية آنذاك ولكن ابتداء من منتصف السبعينيات عندما حدث كساد في أوروبا وأمريكا توقف هذا التوافق والرئيس رونالد ريجان ومارجريت تاتشر ضربا النقابات في بلادهما وطبقا النيوليبرالية واتسعت الفجوة الاجتماعية في أمريكا وأوروبا ولكن في أوروبا كانت هناك تشريعات وضمانات اجتماعية أكثر من أمريكا جعلت العمال في أوروبا في وضع افضل خلال هذه الفترة، ما أريد أن أقوله هو أنه خلال فترة نمو الاقتصاد يكون لدي العمال فرصة للضغط لصياغة تشريعات اجتماعية ترفع من مستواهم في هذه المرحلة وتحميهم من الضغوط التي يتعرضون لها عندما يخرج الاقتصاد من مرحلة النمو إلي مرحلة الانكماش ولكننا لانري العمال يستغلون النمو الحالي في مصر.