في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ الصحافة المصرية فإن احدي المجلات الأسبوعية العريقة قامت بوضع صور بعض الكتاب والمحللين الذي اختلفوا معها في الرأي في احدي القضايا السياسية ونشرت مواقفهم السياسية في شكل ادانة وتذكير للرأي العام بما تعتبره المجلة وصمة عار لهؤلاء الكتاب الذين اتخذوا موقفا مخالفا وكأنه أصبح مطلوبا القاء القبض عليهم ومحاكمتهم بتهمة الاختلاف في الرأي أو أنهم تجرأوا وعبروا عن معارضتهم وانتقادهم للطريقة التي تمت بها معالجة احدي القضايا السياسية. وهو اتجاه خطير ذو مغزي يحمل في طياته تهديدا واضحا لكل من تسول له نفسه أن يبدي رأيا مخالفا أو ينساق في اتجاه لا يتفق مع توجهات وآراء المجلة التي تحمل علي عاتقها تبني سياسات الموالاة والدعم للتوجه السياسي الرسمي. وهو أمر يعني أن علينا جميعا أن نحاذر في ابداء مواقفنا والتعبير عن آرائنا وإلا وجدنا صورنا منشورة بتعليقات كتلك التي تكتب للمطلوب إلقاء القبض عليهم. وما فعلته المجلة العريقة يعكس حال الصحافة المصرية حاليا التي انقسمت ما بين صحف الموالاة وصحف المعارضة. فصحف الموالاة تعتقد أن من حقها أن ترفع السيف للدخول في معارك مع زملاء المهنة الذي يهاجمون أو ينتقدون النظام السياسي وتطالب بانزال أقصي العقوبة عليهم. وصحف المعارضة الحزبية والمستقلة تعتقد أن كل من يقف مع النظام والحكومة هو من العملاء ومن المتعاونين مع أجهزة الأمن ومن الساعين إلي المناصب ومنافقي السلطة. ولهذا نشاهد حاليا معارك صحفية تستخدم فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة بحيث صار الوسط الصحفي ساحة معارك لا تعرف فيها من يقف مع من ضد من؟ ومن هم حلفاء اليوم وإلي متي سيستمر هذا التحالف وما هي قواعده وشروطه وأهدافه؟ وهذا المناخ الضبابي الجديد جعل من الكتابة والتعبير عن الرأي واقعا صعبا ومليئا بالمحاذير والمطبات لأن هناك من يجلسون علي الجانب الآخر متحفزين لاصطياد أي خطأ أو هفوة في التعبير أو في المواقف لينقضوا علي صاحبها تسفيها وتشريحا وتشهيرا في نوع من الارهاب الفكري المدمر والقاتل لكل ابداع ولكل اجتهاد ولكل اختلاف في الرأي. وامتدت الموجة لتشمل العاملين في المجال الإعلامي كله بعد أن كانت مقصورة علي الصحافة فقط، إذ أصبح مقدمو البرامج الاخبارية والاجتماعية في التليفزيونات المحلية والفضائية أيضا تحت رحمة الصحافة التي تشيد بهم وبادائهم أو تنتقدهم وتحط من قدرهم طبقا لمواقفهم السياسية ومن يستضيفونهم في برامجهم أو للموضوعات التي يتناولونها في هذه البرامج وكأنه أصبح مطلوبا من هؤلاء أيضا أن يعرضوا علي الصحافة قائمة بالموضوعات التي يعتزمون التحدث فيها حتي يحصلوا علي موافقتهم ومباركتهم لهم مقدما. وكان من نتيجة ذلك علي سبيل المثال أن مذيعة برامج حوارية متألقة علي قناة فضائية مصرية نالت نصيبها من الاتهامات والانتقادات الجارحة وتلاحقها حملات مدمرة تهدف إلي القضاء عليها أدبيا لمجرد أنها تعاطفت مع موقف سياسي مخالف أو هكذا ظن الذين يتبنون ويدافعون عن الرأي الآخر المؤيد. وسيلاحق سلاح التدمير والاغتيال الأدبي الكثيرين في لعبة اثبات الولاء الدائرة حاليا لأننا لم نتعلم ولم نتقبل أن هناك ثقافة للاختلاف والحوار وان الذين نشرت المجلة الأسبوعية صورهم لادانتهم كانت كل جريمتهم أنهم حاولوا واجتهدوا وابدوا رأيا أو آراء مغايرة ومنتقدة للتحرك الرسمي في قضية من القضايا وكان واجبا أن نقدم لهم الشكر علي هذا الموقف بدلا من التشهير بهم لأنهم بهذه المواقف التي عبروا عنها دفعوا الجهات الرسمية إلي التحرك أكثر جدية وواقعية وكان من نتيجة هذا التحرك احراز انتصار دبلوماسي هام. ان هناك أيضا الكثير من الخلافات الشخصية ورواسب الماضي التي تحكم العلاقة بين ابناء المهنة الواحدة والتي تنعكس في كتابات البعض وتطلعهم إلي تصفية خصومهم ومنافسيهم واخراجهم من الصورة بدفعهم بعيدا بأي شكل من الأشكال وبأي اسلوب كان وهي خلافات ستحول الصحافة إلي ميليشيات واحزاب وستؤدي إلي اضعاف المهنة من الداخل لتواصل مسلسل الانهيار الذي بدأته يوم ظلت بعض القيادات الصحفية في مواقعها لأكثر من عقد من الزمان قضت فيه تماما علي قيادات الصف الثاني والثالث واحاطت نفسها بمجموعات من المنافقين وصغار الصحفيين ودفعتهم دفعا إلي الصفوف الأولي ليفرضوا بنفوسهم المريضة وخبراتهم الضعيفة شكلا آخر علي الصحافة المصرية يخلو من الالتزام بأية تقاليد أو أعراف تحافظ وترعي وتدافع عن شرف المهنة وقدسيتها ورسالتها. ان هذا الواقع الجديد ضعيف ومؤلم وقد يدفع القلة الباقية من شرفاء هذه المهنة إلي التواري والابتعاد واحترام الذات فلا مكان حاليا علي ما يبدو إلا لأنواع معينة من ذوي الوجوه المكشوفة. [email protected]