أعمال العنف المسلح بين مقاتلي فتح وحماس تتصاعد رغم كل المحاولات التي يبذلها أطراف معتدلون للتهدئة ونزع فتيل التوتر.. نداءات متكررة من عباس وهنية والوفد الأمني المصري في قطاع غزة لم تفلح حتي الآن في نزع هذا الفتيل، والأهم من ذلك أن الأطراف المعنية توافق علي "الهدنات" المتكررة وتعاود اطلاق النار في آن واحد مما يعني أن الوسطاء لم يتوصلوا بعد إلي فتيل الأزمة الذي يتوجب نزعه حتي تهدأ الأمور. ومع ذلك ومع كل الجهود السلمية والأمنيات الطيبة والنوايا الحسنة فإنني لا أظن أن بإمكان الوسطاء في هذه المرحلة نزع أي فتيل حيث أصبح القتال حتميا بين الفصائل بعد أن وصلت الأزمة السياسية إلي مداها وعجز أطرافها عن تقديم حلول جديدة تطيل أمد الوقت قبل الانفجار النهائي. والملاحظ أن دائرة القتال تتسع في كل مرة تسقط فيها الهدنة الهشة ويشارك فيها أعداد أكبر من المسلحين مما يعني أن حشد القوات مستمر من الجانبين المتصارعين بينما يدفع الشعب الفلسطني ثمن اختياره لحماس كي تشكل حكومة في وضع دولي وإقليمي رافض لا يتوافق مع أفكارها، وها هي حماس تحاول أن تفرض سطوتها علي الأرض بقوة السلاح وفي استعراض للقوة لكي تتسق القوة السياسية للحكومة مع قدرتها علي فرض وجودها ونفوذها علي الأرض وحتي تتخلص من المعادلة المعيبة من وجهة نظرها وهي أن تكون الحكومة لا تسيطر علي قوات الأمن بل يسيطر عليها رئيس السلطة ويستخدمها في الإطار الذي يراه مناسبا، وهذا الإطار ربما لا يحقق أهداف حماس ولذلك لجأت إلي تصعيد تشكيلها المسلح وأبرزت ودعمت دور القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية السابق في حكومة حماس. وأدركت فتح أن وجود الميليشيات المسلحة لحركة حماس في قطاع غزة بكثافة يشكل دخولا في نفق لا عودة منه فبدأت المناوءات والمشاحنات وتصاعدت إلي حد الاقتتال في معارك متفرقة ما هي في الواقع إلا عملية جس نبض وعض أطراف الأصابع حتي تتهيأ الظروف لأحد الأطراف فيتخذ قرار المواجهة الشاملة مع الطرف الآخر. المستفيد الوحيد من هذه التوترات هو الاحتلال الإسرائيلي المستقر في الضفة وفي القدسالشرقية والذي يهضم الأرض المحتلة قطعة قطعة بحيث يشكل أمرا واقعا لا يمكن تغييره فيما بعد، ويبدو أن إسرائيل قررت أن تترك غزة لتكون مسرحا للتصفيات بين "المسلحين" لكي تنفرد فيما بعد بالجناح الذي يفوز في معركة الخاسر فيها مثل الفائز تماما يسقط ثمرة ناضجة في أيدي إسرائيل، ولا عزاء للشعب الفلسطيني.