من الواضح أن قضية المعتقلات السرية التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية في دول اوروبية وآسيوية وافريقية تدخل مرحلة جديدة من التصعيد بعدما أعلنت منظمة هومان رايت ووتش ان الاراضي الاثيوبية تستضيف عددا من هذه السجون تحت اشراف المخابرات الأمريكية. وفي سابقة تعتبر الأولي من نوعها أصدرت محكمة المانية في الأسابيع الماضية قرارات باعتقال 13 شخصا ساعدوا المخابرات الأمريكية في القبض علي مواطن ألماني من أصل لبناني. وقد قامت المخابرات الأمريكية بترحيل هذا المواطن خالد المصري الي افغانستان وقضي في السجن هناك خمسة شهور تعرض فيها للتعذيب والضرب والاستجواب وعلي أساس انه له علاقة بتنظيم القاعدة ثم أفرجوا عنه بعد أن اكتشفوا انه ليس له أية علاقة بأي تنظيمات سرية. وقد أعاد الحكم الذي اصدرته المحكمة الألمانية فتح ذلك الملف الشائك حول المعتقلات السرية للمخابرات الأمريكية في عدد من الدول في شرق اوروبا وفي بعض الدول العربية وأخيرا جاء الكشف عن وجود هذه المعتقلات في اثيوبيا وتقارير اخري عن وجودها ايضا في كينيا. وكانت المحاكم الايطالية قد وجهت اتهاما الي 25 من عملاء المخابرات الأمريكية منهم رئيس سابق للمخابرات الايطالية بالقيام باختطاف أحد الايطاليين من أصل مصري وتسليمه الي المخابرات الأمريكية. وتجيئ قرارات المحاكم الألمانية والايطالية الأخيرة بعد ان شنت الاحزاب الاشتراكية والليبرالية حملات مركزة ضد موقف الحكومات الأوروبية -المتردد- إزاء هذه القضية خاصة وقد حفلت الصحف الأوروبية وأجهزة الاعلام بتقارير عن أن طائرات الاعتقال السرية الأمريكية استخدمت مطار فرانكفورت كقاعدة للتحرك وكذلك قاعدة رامشتاين العسكرية الأمريكية المتواجدة علي الأراضي الألمانية. وقد ظلت الأوساط الرسمية في الولاياتالمتحدة ملتزمة الصمت إزاء ما تنشره الصحف الأوروبية الي ان اعترف الرئيس الأمريكي جورج بوش بوجود هذه المعتقلات في عدد من البلدان الصديقة حين أعلن منذ بضعة أسابيع انه قد تم نقل 14 من زعماء القاعدة بطالبان من المعتقلات التي كانوا فيها تحت اشراف المخابرات المركزية الي اشراف وزارة العدل الامريكية في معتقل جوانتنامو. وقدم الرئيس بوش تفصيلات عن هذه القيادات حيث تم احتجازهم واستجوابهم خارج الأراضي الأمريكية وانها تضم عددا من الشخصيات التي لعبت دورا اساسيا في التخطيط لضرب وتفجير برجي التجارة العالمية ووزارة الدفاع الأمريكية في نيويورك وواشنطن سبتمبر 2001. وردا علي سؤال حول اماكن هذه المعتقلات السرية قال بوش انه بالطبع لن يحدد مكان هذه المعتقلات حتي لا يعطي الفرصة للإرهاب ولأعداء الولاياتالمتحدة من استثمار ذلك ضد تلك الدول. وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي حاول تبرير تواجد هذه المعتقلات السرية تحت دعوي أنها ساعدت علي كشف الكثير من العناصر والخطط الخطرة التي كانت تهدد الولاياتالمتحدة ودول غرب اوروبا إلا أن المفوضية الاوروبية في بروكسل كذلك البرلمان الاوروبي والمركز الاوروبي لحقوق الإنسان اعادوا طرح القضية والتحقيق فيها لمعرفة الدول التي كانت تتواجد فيها هذه المعتقلات خاصة في أوروبا باعتبار ان ذلك يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وللقيم الأوروبية. وقد نشر المجلس الاوروبي لحقوق الانسان في تقرير له ان هناك اكثر من 20 دولة تعاونت مع المخابرات الأمريكية في ايجاد شبكة عنكبوتية من السجون السرية وقامت بحجز ونقل معتقلين مشتبه في تورطهم في أعمال ارهابية.. وأشار التقرير إلي وجود معسكرات ومراكز اعتقال من هذا النوع في كل من بولندا ورومانيا كما انه قد جرت في السنوات الثلاث الماضية اكثر من ألف رحلة جوية لطائرات تابعة للمخابرات المركزية كانت تحمل المعتقلين من وإلي هذه البلدان. ويضيف تقرير المجلس الاوروبي لحقوق الإنسان ان دولا مثل تركيا وقبرص واسبانيا واذربيجان شاركت في عمليات نقل غير مشروعة للمعتقلين بينما كان هناك تعاون مع أوساط أمنية في بريطانيا وألمانيا والبوسنة كما كانت القاهرة وعمان وإسلام أباد والرباط والجزائر وطشقند وكابول محطات لعمليات نقل المعتقلين. وقد دفعت اعترافات الرئيس الأمريكي وتقرير لجنة حقوق الإنسان الاوروبية عددا من اعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورج الي المطالبة بفتح تحقيقات حادة واسعة حول الموضوع والمطالبة بمعاقبة الدول الاوروبية والمسئولين الذين تورطوا مع المخابرات الامريكية في هذا الصدد وحرمان هذه الدول من التصويت في المجلس الأوروبي لفترة معينة إذا ثبت ضلوعها في ذلك العمل المشين. ثم جاء الكشف الأخير عن وجود معتقلات بهذا الشكل علي الأراضي الافريقية وخاصة اثيوبيا الامر الذي صعد كثيرا من المشكلة وجعلها قضية دولية أو بمعني أصح تضحية دولية كبري قامت بها الادارة الامريكية من انتهاك فج لحقوق الانسان والكشف عن التناقض الصارخ بين الشعارات التي ترفعها تلك الادارة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة الارهاب وبين الممارسات العملية التي تستهدف السيطرة والهيمنة والاذعان بل والقيام بأعمال ارهابية. لقد أصبحت القضية مثل كرة الثلج التي تكبر كل يوم ويتردد صداها عالميا ويعتبرها البعض اكبر هزيمة تلحق بسمعة أمريكا ودورها العالمي ولا تقل عن الهزائم العسكرية المتلاحقة من فيتنام والعراق.