اخيرا اعترف الرئيس الامريكي جورج بوش بالمعتقلات السرية الامريكية التابعة لوكالة المخابرات المركزية في عدد من الدول الاوروبية والاسيوية دول الشرق الاوسط. وكانت هذه القضية قد اثيرت منذ اكثر من عام في الصحف والاوساط السياسية الاوروبية ولكن احدا من المسئولين الامريكيين بما فيهم كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية نفسها لم تعترف صراحة بوجود هذه المعتقلات السرية. وجاء اعتراف الرئيس الامريكي في خطاب اخير له اعلن فيه نقل 14 من زعماء القاعدة والعمل الارهابي من المعتقلات التي كانوا فيها تحت اشراف المخابرات المركزية الي اشراف وزارة الدفاع في معتقل جوانتانمامو في كوبا.. بل ان الرئيس بوش ادلي بتفصيلات حول هذه القيادات الارهابية المعتقلة حيث تم احتجازهم واتسجوابهم خارج الاراضي الامريكية وان هذه المجموعة تضم عددا من الشخصيات الاساسية التي لعبت دورا في التخطيط لضرب وتفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 واضاف بوش انه لن يحدد مكان هذه المعتقلات الخاصة وذلك حتي لا يعطي الفرصة للبعض في الهجوم علي حلفاء الولاياتالمتحدة. وبالرغم من ان الرئيس بوش الامريكي حاول تبرير تواجد هذه المعتقلات السرية تحت دعوي انها كشفت الكثير من العناصر والخطط الخطرة التي كانت تهدد الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية وحلفاء امريكا الا ان المفوضية الاوروبية في بروكسل كذلك المركز الاوروبي لحقوق الانسان اعاد مرة اخري طرح القضية والتحقيق فيها لمعرفة الدول التي كانت تتواجد فيها هذه المعتقلات حيث إنها تعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وللقيم اللبرالية الاوروبية. كما اثار هذا الاعتراف عددا من اعضاء الكونجرس الامريكي نفسه والمحكمة الدستورية العليا التي كانت قد اصدرت حكما بعدم شرعية الاعتقالات بدون محاكمة وطالبت بسرعة الفضل في شأن المعتقلين في جوانتانامو - حوالي 450 معتقلا من جنسيات مختلفة - دون تقديمهم الي محاكم عادية وليست عسكرية. وتقوم وزارة العدل الامريكية حاليا باعداد مشروع قانون للعرض علي الكونجرس وذلك بمحاكمة هؤلاء المعتقلين امام محاكم عسكرية مع وجود ضمانات خاصة بالدفاع والشهود وحقوق المتهمين. كما افرجت قيادة القوات المسلحة الامريكية عن تقرير كان محظورا نشره منذ اكثر من عام خاصة بعد التجاوزات الخطيرة لبعض افراد من الجيش الامريكي المسئولين عن سجن ابوغريب في العراق. ويقضي التقرير بخطر استخدام ثماني رسائل عنيفة لاستجواب المعتقلين وهي خلع الملابس والتحرش الجنسي وتفطية الرأس والعينين والضرب واستخدام الصدمات الكهربائية والاغراق في مياه ساخنة او مثلجة والحرمان من الاكل والماء واستخدام الكلاب اثناء الاستجوابات ويقول البيان. ان المعتقلين الذين كانوا تحت اشراف وكالة المخابرات المركزية كذلك الذين هم تحت اشراف وزارة الدفاع سيعاملون وفقا للقوانين الدولية المادة الثالثة من اتفاقية جينف التي تحدد وسائل التعامل مع اسري الحرب. ومن الطبيعي ان تثير اعترافات الرئيس الامريكي بوش كذلك البيان الذي اعلن اخيرا من قيادة القوات المسلحة الكثير من الانتقادات والتعليقات داخل الولاياتالمتحدة وخارجها خاصة انها تحتوي علي اعتراف صريح باستخدام اساليب غير انسانية ضد المعتقلين في السنوات الخمس الماضية اضافة الي انتهاك سيادة عدد من الدول الاوروبية والشرق الاوسط. وقد نشر المجلس الاوروبي لحقوق الانسان ويضم 46 دولة اوروبية بما فيها دول الاتحاد الاوروبي في تقرير له ان هناك اكثر من 20 دولة تواطأت مع المخابرات المركزية الامريكية في ايجاد شبكة عنكبوتية عالمية من السجون السرية وقامت بحجز ونقل معتقلين مشتبه في تورطهم في اعمال ارهابية كما اشار الي احتمال وجود معسكرات ومراكز اعتقال في بولندا ورومانيا وقد جرت في السنوات الاربع الماضية اكثر من الف رحلة جوية لطائرات تابعة للمخابرات المركزية كانت تحمل المعتقلين من والي هذه البلدان. والتقرير الذي يقع في 65 صفحة يؤكد ان دولا مثل بولندا ورومانيا وتركيا وقبرص واسبانيا واذبيجان شاركت في عمليات نقل غير مشروعة للمعتقلين بينما كان هناك تعاون مع اوساط امنية في بريطانيا والمانيا والبوسنة كما كانت القاهرة وعمان واسلام اباد والرباط وطشقند وكابول والجزائر محطات لعمليات نقل المعتقلين.. وقد دفعت اعترافات الرئيس الامريكي وتقرير لجنة حقوق الانسان الاوروبية عددا من اعضاء البرلمان الاوروبي في ستراسبورج الي مطالبة بضرورة اجراء تحقيقات جادة حول الموضوع والمطالبة بمعاقبة الدول الاوروبية والمسئولين الذين سمحوا بإقامة معسكرات اعتقال خاصة بالمخابرات الامريكية علي اراضيها وحرمان هذه الدول من حق التصويت في المجلس الاوروبي لفترة معينة اذا ثبت ضلوعها في ذلك العمل المشين. وكانت قصة المعتقلات السرية والتعذيب الذي يجري فيها قد بدأت منذ اكثر من عام حيث نشرت مجلة ديرشبيجل الالمانية ان رحلات جوية متعددة لطائرات تابعة للمخابرات المركزية الامريكية عبرت الاجواء والاراضي الالمانية وكانت تحمل معتقلين متهمين بالارهاب وذلك في طريقهم الي بعض معسكرات الاعتقال الخاصة في العراق وافغانستان والشرق الاوسط. واشارت المجلة بشكل خاص الي اختطاف مواطن الماني من اصل عربي في مقدونيا حيث نقل الي افغانستان للتحقيق معه في قضايا تتعلق بالارهاب وتنظيم القاعدة ثم ثبتت بعد ذلك براءته وافرج عنه وحكي الكثير عن تلك المعتقلات السرية وما يجري فيها من تعذيب للمعتقلين. ومنذ اعتراف الرئيس الامريكي اثار البرلمان الاوروبي ولجنة حقوق الانسان الاوروبية ضجة كبيرة حيث اعتبرت ان ما قامت به الولاياتالمتحدة هو انتهاك فج لمواثيق حقوق الانسان ويكشف تناقضا صارخا بين الشعارات التي ترفعها امريكا حول الديمقراطية وحقوق الانسان وبين الممارسات العملية التي تستهدف الهيمنة والسيطرة والاذعان. وفي كل الاحوال مازال الملف مفتوحا ومازالت المأسي التي شهدتها شبكة المعتقلات العنكبوتية تتوالي لتفضح الازدواجية والشيزوافرانيا الامريكية المعاصرة.