أصبحنا محاطين بالكاَبة بسبب سيطرة الأخبار السيئة علي حياتنا لدرجة أصابت الناس باليأس. بحثت عن أخبار جميلة اكتب عنها.. عن قيمة إيجابية.. عن حلم أبشّر به.. عن قدوة نحاكيها.. فلم أجد! أين العيب؟ وفيمن؟ العيب فينا أم في حكومتنا؟! الغريب أن المسئولين أنفسهم يتساءلون عن الظواهر السلبية ولا يملكون أمامها إجابة. هم يتساءلون عن سبب زيادة أسعار المنتجات.. عن ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت.. عن الأدوية المهمة التي تضاعفت أثمانها.. ولبن الأطفال وندرته في الصيدليات.. عن اللحوم التي تزور الموائد كالضيف العزيز.. عن الفراخ التي ارتفعت أسعارها علي عكس كل دول العالم التي أصابتها إنفلونزا الطيور فأصبحت لحومها برخص التراب. إن المسئولين في بلدي يتساءلون مثلهم في ذلك مثل المواطنين، ولا يعرفون لماذا ترتفع تلك الأسعار.. ولا ندري من المفروض أن يقدم تفسيرا، ومن يملك حلولا لهذه المشكلات، وماذا يفعلون في مواقعهم ومناصبهم ماداموا يملكون فقط القدرة علي السؤال؟ وقد حكي لي سفير مصري سابق من الوزن الثقيل كان في أواخر الستينيات عضوا نشيطا في الاتحاد الاشتراكي، عن بعض الأدوار التي كانت موكولة له هو وزملائه المتمثلة في جمع المعلومات من مكاتب المحافظات والقري المصرية في شتي الأنحاء، ومنذ الصباح الباكر عن أسعار مختلف المنتجات لرصد الاختلافات ومعرفة إذا كانت بعض السلع تحركت أسعارها.. بكامل الدقة.. وتجد هذه المعلومات طريقها إلي دوائر القرار في مقدمتها الرئاسة. تلك الحقبة نكيل لها اليوم الاتهامات وبعض الأقلام تصفها بأبشع الأوصاف، وبعض المسئولين يتعاملون معها بمنطق الحذف وكأنها خزي وعار في تاريخنا لابد أن ننساها. صحيح أن السياسات تغيرت في العالم، والاقتصاد الموجه أزاح مكانه للاقتصاد الحر، لكن لا مانع من أن نستفيد من تجارب ناجحة حققت توازنا في أسواقنا ومنعت المضاربات وتلاعب التجار بينما لا نجد الاَن حتي المعلومات متوافرة لدي الوزارات وصناع القرار، والفوضي هي السائدة، واستقرار الأسواق مفقود والمتضرر الرئيسي المواطن. وفترة الستينيات، حتي لو كانت لها مزايا قليلة، تمسح حاليا ب "أستيكة" ونتبرأ منها لأنها "كخة"! وليس عيبا أن نغير سياساتنا فهذه سنّة حياة الشعوب وأنظمتها لكن من لا يستفيد من تاريخه وتجاربه يتحول إلي "لقيط" يبحث عمن يتبناه. ومصر صاحبة التاريخ الكبير والتجارب الثرية ليست لقيطة ولا تحتاج إلي الاتكاء علي تجارب الاَخرين لكنها تستطيع أن تستخلص "زبدة" مميزاتها وتجاربها القوية حتي تصنع استمرارية منطقية.. لو توفرت الإرادة الحقيقية لذلك. وبعض الشعوب الناشئة والفتية اقتبست من مصر في فترات ازدهارها الاستراتيجية والخطط التي قامت عليها النهضة الصناعية في الستينيات، وبنت علي أساسها قاعدة تقدمها، وتجاوزتنا بمراحل حاليا.. لأننا في المقابل ضحينا بتلك النهضة وتركناها دون تطوير، وفرطنا في كل المزايا الحلوة التي صنعها أبناء مصر في حقب سابقة. بيع المياه الجوفية للفلاحين لا يبدو أن بيع الهواء سيكون كلمة تعكس المبالغة مثلما كنا نتندر به سابقا للتدليل علي أن الحكومة تبيع كل شيء وأي شيء. نعم.. قريبا قد يتحول ذلك إلي حقيقة.. بعد أن أعدت الحكومة مشروعا لبيع المياه الجوفية للفلاحين، ويشير المشروع إلي أن ما سوف يتم السماح به للاستهلاك في حدود 150 متر مياه جوفية فقط للفدان، وما يزيد علي ذلك سوف يباع للمزارعين بقرش للمتر. ولن يأخذ المشروع الذي تنوي الحكومة تنفيذه قريبا بعين الاعتبار ما تكلفه المواطن من أموال لشراء وتركيب ماكينات للري والشرب التي لا تقل عن 20 ألف جنيه، كما أن الحكومة لن تحاسب نفسها علي تقصيرها في توصيل المياه الصالحة للشرب للمناطق المحرومة في الريف، كما أنها لن تحاسب نفسها عن أن ريف مصر يدخل القرن الواحد والعشرين بدون مياه صالحة للاستهلاك الاَدمي. ورغم كل ذلك فإنها لا "تخجل" من تركيب عدادات علي الماكينات الرافعة للمياه الارتوازية لتحاسب الفلاح عن استهلاكه. ألم أقل لكم إن تعبئة الهواء وبيعه للناس خطوة قادمة هي الأخري غير مستبعدة لأن حكومتنا هي حكومة "البيع" وبامتياز! كباري مصر وحدائقها.. "مبوسة" لست ممن يمكن أن يطلق عليهم "المحافظون" وقد فكرت كثيرا قبل الكتابة عن المال والجنس اللذين أصبحا سمتين أساسيتين في شوارعنا، خاصة كبارينا.. لأني سوف أتهم بسهولة بالرجعية من البعض، لكن مرحبا بالرجعية إذا كانت تعني التصدي للسلوكيات المعيبة. والجنس الواضح في الشارع في "عز الضهر" لا يعكس معاني الحب أو العاطفة.. أو حتي الرغبة.. ولكن يعني فقط حيوانية وابتذالا.. إنه لغة إسفاف انتشرت علي كباري مصر بين الشباب. وقد هالني ما شاهدته من فيلم جنسي فاضح فوق كوبري المنيب الذي يسيطر عليه الظلام ليلا، ويبدو أن رجال الحي أو وزارة الكهرباء تساعد علي "تنمية" تلك الممارسات بالمزيد من إحكام الظلام فوق الكوبري. أما الحدائق فأحيلكم إلي جنينة العشاق في القناطر.. لمن يهوي "المناظر".. فهناك "مبوسة" علي نطاق واسع.. وما بعد ذلك أخجل من سرده. وحذار من اصطحاب من هم أقل من 18 سنة! كما أحيلكم إلي كافيتريات المعادي وتحديدا بالقرب من مطعم "مؤمن" وإياكم اصطحاب أسركم أو أطفالكم لأن المشاهد تتجاوز إيحاءات الفيديو كليب! أما ما يحدث في حديقة الأزهر فلابد أن تغمض عينيك وأنت تتجول فيها، والاقتراح أن يغيروا اسمها.. حفاظا علي قدسية الأزهر! لقد سكتنا عن شرب "البانجو" في الشوارع.. وبالقرب من المدارس والجامعات بل النوادي، وأغمضنا أعيننا عن الشباب الذي يضيع يوميا بين فكي تجار السموم ويأس الحياة وغياب الأحلام مع استفحال البطالة. كما أغمضنا أعيننا عن ال "نت كافيه" وما يحدث داخلها من فرجة علي المواقع الإباحية، والأفلام والمشاهد الجنسية، والتي يرتادها أطفال لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من طلاب الابتدائي والإعدادي.. فماذا ينتظرنا أكثر من هذا وذاك؟