مازالت أرض "الضبعة" المخصصة لاقامة حلم المشروع النووي المرتقب تقف حائرة بين معسكرين متضادين يدعو أولهما بقوة وعنف إلي نقل موقع هذه المحطة، في حين يري المعسكر الآخر انها الموقع الوحيد المناسب لاقامة ذلك المشروع لتدارك عواقبه الوخيمة علي حلم عملاق آخر لتنمية الساحل الشمالي والاستفادة من موقعه الفريد. تناقش "العالم اليوم" في هذا التحقيق هذه القضايا المتشابكة من خلال أطرافها الأصيلة، والمصادر المختلفة المرتبطة بها، حيث طرح البعض الاتجاه نحو الطريق الثالث الذي لا يمنع الجمع بين تحقيق المشروعين العملاقين في وقت واحد. وحتي تحسم الحكومة قرارها بشأن اقامة المحطة النووية أولاً. ثم حسم موقفها بشأن موقع المحطة ثانيا كان ذلك التحقيق. هناك اتجاهان علي الساحة ولكنهما متعارضان او هكذا يري القطاع السياحي، الأول هو اقامة محطة الطاقة النووية في الضبعة، والثاني يتمثل في اتجاه الحكومة نحو وضع خطة جديدة لتنمية الساحل الشمالي بحيث تكون منافسة للجنوب الأوروبي وتحويله إلي مقصد سياحي مستدام طوال العام. أما موقف الحكومة حتي الآن فيؤكد ضرورة اعداد تقييم شامل للموقف للوصول إلي قرار نهائي وحاسم لم يتم التوصل إليه حتي الآن، وان كانت هناك دلائل علي ان الضبعة ربما لن تكون المكان المناسب لاقامة المحطة النووية وذلك اذا افضت الدراسات الجارية بشأنها إلي ضرورة البدء في دخول مجال الطاقة النووية! وهناك آراء كثيرة تدعم الاتجاه نحو عدم اقامة المحطة النووية بالضبعة وخاصة بعد نجاح نظام المزايدات لبيع الأراضي وبالتحديد بعد نجاح مشروع أراضي سيدي عبد الرحمن "الذي تنفذه شركة اعمار" ويري بعض المسئولين في الحكومة ان منطقة الضبعة ربما تكون أفضل وأغلي الأراضي التي تدر الموارد للحكومة في حين لا تحتاج المفاعلات إلا لأراض بعيدة عن خطة الاستثمار ويمكن اختيار مناطق بديلة. منطق الآثار ويؤيد ذلك الاتجاه ما أعلنه المجلس الأعلي للآثار عن وجود بعض المناطق الأثرية في الضبعة وكما يوضح مصدر مسئول بآثار "مارينا" فسوف يتم قريبا الغاء فكرة انشاء المحطة النووية بالضبعة، مشيراً إلي أن هيئة الاثار اكتشفت في حوالي كيلو متر مربع تم مسحها حتي الآن في المنطقة بعض ملامح مدينة من العصر الروماني، تدعي "زيفروم". ويعزز من ذلك الاتجاه أن وزارة السياحة ممثلة في كل من هيئتي التنشيط السياحي والتنمية السياحية ويدعمهما المجلس الاعلي للآثار قد تقدمت بعدة طلبات لمجلس الوزراء بضرورة نقل موقع المفاعل النووي من الضبعة، واوضحت مصادر بوزارة السياحة ان اقامة المشروع النووي سيقلل من اعداد الافواج السياحية التي تأتي إلي منطقة الساحل الشمالي برغم تأكيد مصادر الكهرباء والطاقة وعلماء الذرة أن المحطات النووية في كل الدول التي توجد فيها تقام بجوار المناطق السكنية، مبررا ذلك بأن المجتمع الأوروبي غير متأكد من قدرة مصر علي صيانة المفاعل النووي بل قامت هذه المصادر باستخدام سلاح الترويج السياحي باعتبار السياحة من أكبر مصادر الدخل القومي وحذرت من حدوث عواقب وخيمة علي السياحة المصرية ومنطقة الساحل الشمالي في حالة اقامة المفاعل في هذه المنطقة. تنمية الساحل ويقودنا كل ذلك إلي قضية أخري لا تقل خطورة عن قضية المفاعل النووي وتتعلق بخطة تنمية الساحل الشمالي وتحويله إلي مقصد للسياحة المستدامة من خلال ربط هذه المنطقة بالتجمعات العمرانية لاستغلالها أكبر وقت من العام بدلا من أربعة اشهر فقط خلال شهور الصيف وتتباين في هذا الشأن آراء خبراء السياحة انفسهم، وهو ما يثير مخاوف من اعطاء أولوية لهدف لن يتم تحقيقه علي حساب المحطة النووية. وفي هذا الاتجاه يري مجدي حنين عضو غرفة المنشآت الفندقية انه من الصعب حاليا ان تعمل منطقة الساحل الشمالي طوال العام بدليل اننا لم ننجح من قبل في تحقيق نفس الهدف بالاسكندرية مشددا علي ضرورة وجود مقومات اساسية في المنطقة لكي تكون مقصداً للسياحة المستدامة، ويطالب حنين بعدم الاسراف دون وعي في الاستثمار بتلك المنطقة موضحا ان تنشيط سياحة بيوت الاجازات قد يكون العلاج الأمثل لهذه المنطقة. ويتفق معه في ذلك هشام زعزوع مدير عام اتحاد الغرف السياحية ان تنمية الساحل الشمالي تحتاج إلي خطة طموح واننا لن نكون واقعين اذا اسرفنا في التفاؤل، ويدعو زعزوع إلي أن نقتضي بتجارب الدول التي قامت بتنمية سواحلها مثل تونس واليونان وقبرص لتعمل أكثر من 6 شهور في العام، ويلفت إلي أن هذه الدول لديها آليات لضبط اقتصادها لكنها غير موجودة في مصر.