بعد أن نجح برنامج الإصلاح الاقتصادي في السيطرة علي معدل التضخم خلال فترة التسعينيات والسنوات الأخيرة من الألفية الثانية عاد شبح التضخم ليهدد مسيرة الإصلاح من جديد بعد أن كان قد وصل إلي أدني مستوياته في العام المالي 2001/2000 إلا أنه وخلال النصف الأخير من عام 2006 شهد ارتفاعاً مستمراً في معدل التضخم وبالتحديد بعد صدور قرار رفع أسعار البنزين في شهر يونيو الماضي. فبعد أن كان معدل التضخم الشهري لا يزيد علي 3.4% في بداية 2006 بلغ في نهايته ما يزيد علي 11.8% وذلك وفقاً للبيانات الرسمية وكذلك ما جاء علي لسان رئيس مجلس الوزراء د. أحمد نظيف في بيان الحكومة أمام مجلسي الشعب والشوري والأسئلة التي تطرح نفسها هي ما السبب وراء ارتفاع معدل التضخم؟ وهل سيواصل ارتفاعه خلال الشهور القادمة وسبل العلاج؟ قضية التضخم وضعتها "الأسبوعي" للمناقشة ومعرفة رأي الخبراء للحد منه أجل السيطرة عليه من ناحية وتحجيم ارتفاع الأسعار. الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء كان قد اعترف ولأول مرة بارتفاع معدل التضخم وهو مالم يحدث من أي رئيس حكومة من قبل مشيراً إلي أن الحكومة واجهت في العام الماضي تحديات كبيرة ساهمت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات أهمها الزيادة الكبيرة التي طرأت علي الأسعار العالمية للوقود والطاقة والتي واكبتها زيادة الاستهلاك المحلي لها مع زيادة النشاط الاقتصادي ومعدلات النمو بالإضافة إلي حدوث بعض الأزمات محلياً وعالمياً أدت إلي انخفاض الكميات المعروضة من بعض السلع. وضرب رئيس الوزراء أمثلة لتلك الأزمات، بأزمة انفلونزا الطيور والتي كان لها تأثير مباشر علي أسعار الدواجن واللحوم الحمراء واللبن والبيض وما حدث نتيجة للتغير في أنماط زراعة بعض المحاصيل الزراعية مما أدي إلي نقص المعروض محلياً، أو الاتجاه نحو التصدير لسلعة زراعية لها ميزة نسبية في الأسواق الخارجية كما حدث في البصل والأرز، ونتيجة لتلك العوامل، كما يقول د. نظيف ارتفع معدل التضخم من 3.1% في بداية عام 2006 إلي 11.8% في الأشهر الأخيرة من نفس العام وبمتوسط قدره 7.9% بالمقارنة بمتوسط 7.1% في عام 2005/2004 . وذكر رئيس مجلس الوزراء أنه رغم ذلك إن المتوسط العام للأسعار لم يرتفع كثيراً ولكن الاحساس بزيادة الأسعار جاء نتيجة ارتفاع أسعار بعض السلع المتعلقة بالحياة اليومية للمواطن، مؤكداً أن الحكومة تحركت لمواجهة هذا التحدي كما تم مواجهته العام الماضي عندما خفضنا المعدل من 17% إلي 3% من خلال عدد من الاجراءات التي ساعدت في تحقيق ذلك. زيادة غير مسبوقة وفي تعليقه علي ذلك يقول الدكتور مصطفي السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أن ارتفاع معدل التضخم خلال الأشهر الأربعة الماضية أدي إلي زيادة غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات المتداولة في السوق المصرية متوقعاً أن يستمر معدل التضخم في الارتفاع لمدة لن تقل عن 6 أشهر وهذا يعني العودة إلي زمن التضخم قبل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي. ويؤكد دكتور مصطفي السعيد أن العلاج يتم عن طريق اتباع سياسات مالية ونقدية تعمل علي الحد من الطلب الكلي علي السلع والخدمات وهذا النوع من التضخم الذي يطلق عليه البعض تضخم النفقة أو التكلفة والذي يأتي نتيجة ارتفاع تكلفة الانتاج ويتحملها المنتجون ثم يحاولون تحميلها علي أسعار السلع والخدمات هو نتيجة زيادة في الأجور والتي لا يقابلها ارتفاع في الإنتاجية أو نتيجة رغبة المنتجين والوسطاء في زيادة هوامشهم الربحية ونتيجة عوامل خارجة عن الوحدة الانتاجية تؤدي إلي ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع الوسيطة والسلع الاستثمارية. عوامل عديدة أما الدكتور عبدالرحمن بركة الرئيس السابق لبنك مصر رومانيا ووكيل اللجنة الاقتصادية فيري أن ارتفاع معدل التخضم يؤثر وبشكل ملحوظ علي قرارات الأفراد والخاصة بالإدخار والاستثمار لأن الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات سوف يؤدي إلي ضعف ميل الأفراد إلي الادخار والأهم من ذلك أن موجات التضخم تقترن بروح المضاربات علي المباني والأراضي والرغبة في تخزين السلع واكتناز الذهب والعملات الأجنبية التي تتسم باستقرار سعر صرفها أو زيادته مثل الدولار كما يؤدي التضخم إلي تفضيل المبادلات التجارية والإحجام عن الاستثمار في مشروعات طويلة الأجل. أسعار البنزين ويشير الدكتور عبدالرحمن بركة إلي قرار رفع أسعار البنزين والذي اتخذته الحكومة مع بداية العام المالي 2007/2006 بمثابة الشرارة التي أشعلت أسعار السلع والخدمات وهو الأمر الذي انعكس علي ارتفاع معدل التضخم بشكل غير مسبوق مما ينذر بعودة زمن التضخم مرة أخري حيث توضح احصائيات البنك المركزي استمرار ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير خلال العشرة أشهر الأولي من العام الماضي حيث بلغ نحو 3.4% خلال يناير ارتفع إلي 4% في فبراير حتي وصل إلي 11.8% خلال أكتوبر 2006 مما يتطلب وضع سياسات جديدة لعلاج الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد حالياً وعلي رأسها محاولة رفع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأخري. كما يطالب بركة بسرعة تطبيق سياسات نقدية قصيرة الأجل لرفع أسعار الفائدة لامتصاص السيولة من الأسواق والعمل علي تطبيق سياسات طويلة الأمد لتشجيع الصادرات وعلاج العجز المزمن والمتنامي في الميزان التجاري والعمل علي زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهي سياسات يمكن أن تؤدي إلي السيطرة علي مشكلة التضخم تدريجياً مثلما حدث في بداية عام 1990 وفي عام 2001 . تكثيف الرقابة ويؤكد الدكتور محمد حلمي الخبير الاقتصادي أن معدل التضخم في ارتفاع مستمر وعلي الحكومة إيقاف هذا الارتفاع من خلال عدد من الاجراءات أهمها تكثيف الرقابة علي الأسواق لضبط المخالفات المتعلقة بحجب البضائع وتطبيق القانون بشأنها ومعالج النقص في المعروض من بعض السلع في السوق المحلي من خلال السماح باستيرادها أو الحد من تصديرها، وتشجيع سياسة التصنيع الزراعي لتوفير البديل للمنتجات في غير مواسم زراعتها، وتطوير المجمعات الاستهلاكية لتقوم بدور أكثر فعالية في توفير السلع منخفضة التكاليف لمحدودي الدخل وزيادة المعروض منها. ويطالب دكتور حلمي بتفعيل دور الأجهزة الرقابية التي أنشأتها الحكومة منها جهاز حماية المستهلك لحماية المستهلك من تجاوزات التجار، كذلك جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار للحد من التجاوزات والممارسات الضارة بالسوق والمنافسة والتي تتم من جانب البعض من التجار. وبالنسبة لبعض السلع الناقصة في السوق طالب حلمي بالسماح للقطاع الخاص بالدخول في تصنيعها كتطوير صناعة الدواجن وتشجيع الاستثمار في المجازر والثلاجات والدخول في منافذ البيع والتوزيع الكبري للحد من سيطرة المحتكرين علي هذه السلع الحيوية والضرورية، كل ذلك من شأنه خفض معدل التضخم.